د. حسن مدن نجح الغرب والمنظمات الدولية الخاضعة لتأثيره في حصر مفهوم حقوق الإنسان في الجوانب الحقوقية وحدها، فلم يعد الحديث عن حقوق الإنسان يدور حتى تتبادر إلى الأذهان مسائل من نوع حرية الصحافة والتعبير، أو حقوق الأقليات، وحقوق المرأة، وما إلى ذلك من قضايا، لا نقول إنها غير مهمة أو لا تندرج في باب حقوق الإنسان، ولكنها وحدها لا تغطي هذا المفهوم فهو أوسع بكثير. الجانب المسكوت عنه، أو على الأقل لا يحظى بما يستحقه من اهتمام هو ذاك المتصل بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبشر، فما قيمة منظومة تشريعية تنص على أن الحق في التعبير مثلاً مصان، فيما تعاني قطاعاتٌ واسعة من أبناء وبنات المجتمع المعنيِّ البطالةَ والفقرَ وغيابَ الخدمات الضرورية في مجالات مثل السكن والطبابة والتعليم؟ يذكر أن سجالاً حول هذا الموضوع كان يدور على أشدّه فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، ففيما كان الأول يتهم الثاني بأنه ينتهك حقوق الناس في حرية التعبير والاحتجاج والتظاهر، كان المعسكر الثاني يرد: وأنتم لا تحترمون حقوق مواطنيكم المعيشية، وأن نسبة البطالة عالية في المجتمعات الغربية، كما أن التعليم والخدمات الصحية غير مجانيَّين. في نتيجة ذلك السجال وعلى مدار عقود يمكن القول إن الشرق الاشتراكي وجد نفسه محمولاً على توسيع نطاق الحريات السياسية، فيما وجد الغرب الرأسمالي نفسه محمولاً على أخذ بعض آليات الأداء الاقتصادي بعين الاعتبار، خاصة في الشق المتعلق بدور الدولة في ضبط اقتصاد السوق، وتحملها بعض الالتزامات الاجتماعية التي كانت تتهرب منها. هذا السجال اختفى مع انتهاء نظام الثنائية القطبية، وبات ملف حقوق الإنسان ورقة تستخدمها الدول الغربية ضد الحكومات التي تريد تطويعها، مركزة على بعض القضايا الإجرائية والجانبية، كتبنّي قضية معارض سياسي أو منشق على نظام الحكم في بلد من البلدان؛ لحمل حكومته على الرضوخ لشروط سياسية أكبر يريدها الغرب من هذا النظام، تتصل بمصالحه الكونية الكبرى. بل إن ملف حقوق الإنسان يمكن أن يتحول إلى ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المختلفة، حد التدخل العسكري فيها، وإسقاط أنظمة الحكم فيها، أو على الأقل زعزعة استقرارها، ولعل فيما يجري في فنزويلا اليوم دليلاً على ذلك. يجري هذا في الوقت نفسه الذي يسوق فيه الغرب، عبر المنظمات المالية والاقتصادية العالمية، وصفات للتنمية في البلدان النامية موجهة لمصادرة الحقوق الاجتماعية لمحدودي ومتوسطي الدخل فيها، كأن ذلك ليس حقاً من حقوق الإنسان. madanbahrain@gmail.com
مشاركة :