«أرامكو» - «سابك».. صفقة استراتيجية

  • 3/30/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

منذ أعلنت "أرامكو السعودية" في منتصف العام الماضي عن نيتها شراء حصة الأغلبية في شركة سابك، والحديث حول هذه الصفقة يتصدر النقاش الاقتصادي محليا وحتى عالميا، ولقد اتضحت النوايا من خلف هذه الصفقة، عندما عادت "أرامكو" و"سابك" مرة أخرى في نهاية عام 2018، بالإعلان عن اختيار مدينة ينبع لإنشاء مجمع صناعي متكامل ومبتكر لتحويل النفط الخام إلى كيماويات. لقد كان من الواضح أن الأمور تسير هكذا، فالتكامل الرأسي لـ"أرامكو" أصبح ضرورة ملحة للنمو، ولكن لنقرأ الحدث من منظور أكبر وهو الاقتصاد السعودي. الصفقة في حد ذاتها لم تحدث تغييرا جوهريا في هيكل حقوق الملكية في "سابك" أو حتى في هيكل التوزيعات أو حتى طبيعة أو حجم التدفقات المالية العامة للدولة، ذلك أن التخارج بين صندوق الاستثمارات العامة و"أرامكو" لم يخرج عن الإطار العام للاستثمارات الحكومية، وبشكل نظري بحت فإن ما حدث أشبه بإعادة توزيع المحفظة العامة للاستثمارات الحكومية. فالمعلوم أن "سابك" مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، وهو المملوك ابتداء للحكومة السعودية، بحكم أنه صندوق سيادي، و"أرامكو" من جانبها مملوكة للحكومة السعودية بنسبة 100 في المائة، والتدفقات النقدية الناتجة عن توزيعات الأرباح أو الضرائب في الجهتين تجد مصبها النهائي في حسابات الحكومة التي تنفق منها على التنمية والمصلحة العامة. لكن رغم هذا فإن للصفقة أثرا مهما جدا على هيكل حوكمة "سابك"، وعلى التدفقات النقدية المستقبلية لـ "أرامكو"، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن صندوق الاستثمارات العامة، وهو يقوم بتسييل محفظته من أسهم "سابك" يحقق سيولة استراتيجية تمكنه من إنجاز المشاريع الضخمة التي يخطط لها، والتي يتم تنفيذها حاليا، وهذا له تأثير عميق في الإطار الزمني المقرر لإنجازه. وهذا ما ألمح إليه وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، في تغريدة خاصة عبر حسابه في "تويتر"، بأن الكاسب الأكبر هو الاقتصاد الوطني. وبالعودة للصفقة بين "أرامكو" و"سابك"، فإنه من اللافت أن سياسة الاستحواذ جاءت من وجهة نظر "أرامكو" كضرورة تنافسية ملحة من حيث إن التكامل الرأسي يحقق لـ"أرامكو" مزية تنافسية كبيرة، فـ"أرامكو" التي تخطط لزيادة إجمالي حصتها من الطاقة التكريرية العالمية من 4.9 مليون إلى ما بين ثمانية إلى عشرة ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2030، تحتاج إلى أن يتم تحويل اثنين إلى ثلاثة ملايين برميل في اليوم إلى منتجات بتروكيماوية، وفي هذا ستواجه مشكلة المنافسة، لكن بعد إتمام الصفقة فإن أعمال "أرامكو" التي تنحصر في الاستكشافات والإنتاج النفطي ستجد اليوم ذراعا طويلة في أعمال البتروكيماويات، بأعمال في أكثر من 50 دولة على مستوى العالم، ويعمل فيها 33 ألف موظف وموظفة، وإنتاج يصل إلى 75 مليون طن متري، وإجمالي أصول تبلغ قيمتها 85 مليار دولار. وبالتالي تعزز فرص تحقيق استراتيجية "أرامكو" التوسعية والنمو على المدى الطويل. ومن جانب آخر فإن "سابك" أيضا حققت مكاسب كبيرة أولها وأهمها أن قيمتها في السوق المالية قد تم تعزيزها بسعر الاستحواذ الجديد، وهو ما يحقق لحصص الأقلية قيمة مستقبلية كبيرة خاصة، بسبب تنامي أرباح "سابك" المتوقعة الناتجة أساسا من تكامل القرار الاستراتيجي، فالمشكلة الأساس في أي توسع من قبل "سابك" كانت مواجهة تحديات توفير اللقيم لمشاريعها الصناعية المختلفة وبأسعار تنافسية، وهذه العقبة القرارية كانت تحد من قدرات "سابك" على النمو العالمي والاستحواذ، ولكن بعد هذه الصفقة التاريخية فإن القرار بتوفير اللقيم وبالتوجه للصناعة التحويلية قد أصبح في مؤسسة واحدة، وهنا يمكن إعادة قراءة قرار "أرامكو" و"سابك" باختيار مدينة ينبع لإنشاء مجمع صناعي متكامل ومبتكر لتحويل النفط الخام إلى كيماويات، حيث أصبح من السهل اتخاذ مثل هذا القرار مستقبلا في مؤسسة واحدة، ولهذا فإن الاستحواذ بكل زواياه يعد قفزة نوعية للاقتصاد الوطني، ويدفع باستراتيجية الصناعات التحويلية في المملكة إلى منصة جديدة.

مشاركة :