«هل تعلم أن السعودية تدفع جميع مصاريف مستشفى السلام في صعدة من أدوية ورواتب ورسوم تشغيل كامل؟ ليس غريبا... ولكن هل تعلم أن المستشفى يقع في منطقة تحت سيطرة الحوثيين؟ وهل تعلم أن نحو 800 ألف حالة تم علاجها ولا يمكن للمملكة أن تحرم أولئك القابعين تحت احتلال وسيطرة الحوثيين من العلاج؟». «حسنا، هل تعلم أن الحوثيين لا يستطيعون التعرض لشاحنات سعودية تحمل مستلزمات طبية ذاهبة إلى ذلك المستشفى لأنهم يعلمون تماما أن أي عطب في خدمات المستشفى سيجعل المواطنين يثورون ضدهم؟». كان ذلك جزءا من تصريحات أدلى بها عبد الله كدسة مدير الإعلام والاتصال الاستراتيجي بالبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، في سياق قراءة «الشرق الأوسط» لأفق الأزمة اليمنية ومتطلباتها، إذ استمزجت مسؤولين يمنيين وأمميين ومحللين للحديث عن تداعيات الأزمة وما قبلها وما بعدها، وأبرز متطلبات نجاح الحل السياسي لها، فضلا عن الجهود الإنسانية التي دأبت على تنفيذ دول تحالف دعم الشرعية في اليمن. ماذا لو تأخر التحالف عن التدخل في اليمن؟ وماذا يحتاج الحل السياسي لكي ينجح؟ وهل عرف العالم حقيقة ما يحصل في البلد الذي بدأت أزمته بانقلاب في عام 2014، وبدأت عملية استعادة الشرعية فيه منذ مارس (آذار) 2015، لتعود جل الأراضي إلى سلطة الحكومة اليمنية؟ بداية يقول تيم ليندركينغ في حديث خاص مع «الشرق الأوسط» سينشر لاحقا، إن هناك إرادة سياسية قوية سواء على المستوى الإدارة الأميركية وقوى المجتمع الدولي وقوى إقليمية ودولية مثل السعودية والإمارات والمملكة المتحدة لدعم الحل السياسي في اليمن، وإن عدنا إلى عام 2016 فإن المشاورات في الكويت كانت جديدة لكنها للأسف لم تنجح. استوكهولم كانت الفرصة التالية لجمع الطرفين، الحكومة اليمنية والحوثيين معا، وكانت هناك روح إيجابية حاضرة في السويد. وكنت هناك مع السفير ممثلا للولايات المتحدة ومجموعة الخمس - الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن - فإن كل طرف لعب دورا إيجابيا للمضي قدما في الحل السياسي، ولذلك كانت النتائج إيجابية. لكن منذ ذلك الحين، كانت هناك بعض الصعوبات في تفعيل ما تم الاتفاق عليه وبصراحة كان هناك تقصير من الطرفين. لكن السؤال النهائي يتعلق بمدى التزام الحوثيين بالعملية السياسية وإن كان لديهم الإرادة السياسية لدعم هذه العملية للوصول إلى نتيجة منطقية، وليس فقط لوقف إطلاق النار فقط بل عودة الحكومة ومؤسساتها والقدرة على معالجة الكوارث الإنسانية في البلد. ورغم التحديات التي تواجه الحكومة في مناطقها، فإنها في أسوأ الأحوال تعيش مناخا أمنيا واقتصاديا وتنمويا متقدما عن تلك المناطق التي ما زالت تحت سيطرة الميليشيات. وهرع التحالف الذي ضم ما يربو على 10 دول، إلى إنقاذ البلاد من التسلط الإيراني الذي ضرب مثالا نموذجيا في التخريب بسوريا والعراق، وأمثلة أخرى في بسط هيمنة الزعزعة في دول أخرى مثل لبنان. سيطر الحوثيون الذين بدأت حروبهم على اليمن وشعبه منذ عام 2004 على مفاصل الدولة عبر اتفاق «غريب» مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ومكنهم الحلف الذي يستطيع مضغه كلا الطرفين من العاصمة صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014. لم يفق صالح من «غيبوبة» الانكفاء تحت لواء الحوثيين، حتى حاربوه، وضيقوا الخناق على حزبه «المؤتمر الشعبي العام»، وانتهى الأمر باغتياله، ولا بأس من خسارة مئات المقاتلين بالنسبة لميليشيات لم تقم وزنا للإنسان بل تفرض على الكل خدمة «السيد» القابع في مكان مجهول. وبدأت العمليات العسكرية والإنسانية بالوقت نفسه. حرر التحالف عدن وجل مناطق الجنوب، ليس من الحوثيين وحسب، بل طرد حتى الجماعات التي استغلت غياب الدولة بانقلاب الحوثيين وأخذت تتمدد في محافظات كحضرموت وأبين والضالع وشبوة، صحيح أنها لم تتمكن منها بوصفها محافظات لكنها أوجدت لنفسها مكانا في كل منها، لتقضي قوات التحالف التي ساندت القوات اليمنية الأمنية المحلية في طردهم منها. وبالاتجاه شمالا، حرر التحالف مدينة مأرب، وأجزاء محيطة بمركز المحافظة النفطية المهمة، ومن ثم اتجهت العمليات لتحرير المخا والساحل الغربي ووصلت القوات إلى أسوار ميناء الحديدة. وبالتوازي مع العمل العسكري، دأبت قوات التحالف مع الحكومة اليمنية على إعطاء المساحة الإنسانية حقها، وإغاثة المنكوبين اليمنيين من بطش الميليشيات، وتم دفع ما يربو على 13.8 مليار دولار فقط من السعودية وحدها، فضلا عن مبالغ كبيرة أخرى قدمتها دول الإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة والكويت. سياسيا، أجمع محللون على أن الحوثيين كانوا أبرز معرقل للسلام. كانت مشاورات المائة يوم في الكويت خير برهان على ذلك، فالحكومية اليمنية قدمت تنازلات واسعة حرصا منها على إحلال السلام، لكن إيران لم تعط الضوء الأخضر للعملية بأن تنتهي بتلك الشاكلة. وفسر السفير الأميركي ماثيو تولر في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» بأن الطرفين توقعا أنهما يستطيعان الخروج بمكاسب أكبر على الأرض. وفي استوكهولم، وبعد توقف الحوار عامين ونصف العام بين الفريقين، برزت بادرة أمل لحل الأزمة، ورغم أن الحوثيين صدموا المجتمع الدولي بمسرحية تسليم الميناء من الحوثيين إلى أنفسهم بشكل رفضته الأمم المتحدة، فإن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن يرى أن الأطراف ما زالت لديها الرغبة في الانخراط بشكل إيجابي لتنفيذ الاتفاق الذي عقد في السويد وسمي «اتفاقية استوكهولم» وذلك في ديسمبر (كانون الأول) 2018. - ما قبل «العاصفة» «حروب ميليشيات الحوثي الإرهابية على الشعب اليمني بدأت منذ عام 2004، ووصلت الحروب التوسعية منذ ذلك التاريخ حتى وصلوا إلى صنعاء في سبتمبر 2014». يعيد السفير اليمني السابق لدى سوريا عبد الوهاب طواف الذاكرة إلى أولى الحروب الحوثية في سياق حديثه عن مرحلة بداية الانقلاب والأشهر التي سبقت أولى عمليات التحالف. ويعلق في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط» قائلا: «تمت دعوة الأطراف اليمنية إلى الرياض والحوثيون رفضوا ذلك، وحاولوا تنظيم مناورة عسكرية على الحدود السعودية وهددوا بأنهم سيأتون للحج ببنادقهم، وبالتالي واصلوا انتهاكاتهم ضد الشعب اليمني، وحبسوا رئيس الجمهورية وحبسوا الحكومة وحلوا الدستور ومجلس النواب، وهذا كله قبل عاصفة الحزم، لم نصل إلى 25 مارس (آذار) 2015 إلا وقد ارتكبت ميليشيات الحوثي الإرهابية من الممارسات والعبث بالشعب اليمني ما لم يفعله تنظيم (داعش) الإرهابي في العراق أو سوريا. كان الخيار الأقرب والأوحد لإنقاذ ما تبقى من مكتسبات الشعب اليمني هو الاتجاه للسعودية، وبالفعل جاء طلب رسمي من رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي لإنقاذ الشعب اليمني، وبالتالي تدخلت السعودية بقرار حازم وحاسم وجريء لإنقاذ ما تبقى من اليمن». «هذا القرار أوقف التغول الإيراني في اليمن بعدما كان مسؤولو النظام الإيراني يحتفلون ويفرحون بوجود رابع عاصمة عربية تحت سيطرتهم»، يضيف السفير: «اليوم اليمن يعاني من حرب مدمرة وجوع ودماء، ولكن لو لم يتدخل التحالف في ذلك الحين، لكان الوضع أسوأ مما هو عليه اليوم». مانع المطري المحلل السياسي اليمني يقول في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «هناك كثير من المحطات التي مر بها الملف اليمني منذ الانقلاب الحوثي وجزء من هذه المحطات مرتبط بما قبل الانقلاب وبالفترة التي ارتبطت بتشكيل الميليشيا الحوثية وتدريبها وبداية الإرساليات الإيرانية التدريبية لعناصر الحركة مرورا بمرحلة الحروب الست التي سبقت 2011، ومن المحطات التي تلت الانقلاب والتغيرات المرتبطة بها تفرد الحوثي بالانقلاب وتحمله مسؤولية الحرب بعد قضائه على حليفه وشريكة في الانقلاب المتمثل في الرئيس السابق علي عبد الله صالح، حيث انتصرت الميليشيا الحوثية عليه عسكرياً لكنها بالمقابل خسرت الغطاء السياسي الذي كان يوفره لها هذا التحالف». «عند إعلان الانقلاب واجتياح الميليشيا للمدن اليمنية بعد سيطرتها على صنعاء ورغم الرفض الشعبي الذي عبر عنه الشعب من خلال المظاهرات التي قمعتها الميليشيا بوحشية»، يقول المطري: «لكن وجود الحكومة الشرعية كان وجودا قانونيا حينها وليس وجودا فعليا بحكم أن السيطرة على الأرض كانت للميليشيا بعد انهيار المنظومة العسكرية وانجرار جزء كبير منها لموالاة الحوثيين والقتال إلى جانبهم، فحدث المتغير الجوهري بإعلان عاصفة الحزم دفاعا عن خيارات الشعب اليمني ودفاعا عن مؤسساته الشرعية ودفاعاً عن الأمن القومي العربي ضد التدخلات الإيرانية الرامية إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة والتأثير على الممرات البحرية التي تطل عليها اليمن، لتصبح المنطقة العربية خاضعه بشكل حيوي للنفوذ الإيراني، إلا أن عاصفة الحزم بددت كل ذلك وأوقفت المطامع الإيرانية التي كانت تعتقد أن الأمر قد حسم في اليمن لصالحها وتحولت الحكومة خلال الفترة من وجود قانوني ودستوري واعتراف دولي إلى وجود فعلي على الأرض بعد السيطرة على 80 في المائة من الأرض أعاد ترتيب صفوف القوة العسكرية». ويعود السفير طواف إلى القول إن «الحرب جاءت نتيجة لممارسات الحوثي وعبثه بالشعب اليمني ومكتسباته. والدليل على أن الحرب عادلة لاستعادة اليمن، فإنني أستطيع القول إن كل القوى السياسية اليمنية تدعم الحكومة والتحالف، ولا يوجد فصيل أو حزب سياسي إلا وهو ضد هذه الميليشيات». «ولكن إذا كانوا جميعا ضد الحوثيين فمن الذي يدعمهم ويمدهم بالمقاتلين إذن؟»، سألت «الشرق الأوسط» السفير طواف فأجاب: «الحوثي استولى على إمكانيات الجمهورية اليمنية العسكرية، وهي ليست بالقليلة. واستخدمت الميليشيات أدوات التجويع والإكراه في تطويع كثير من المقاتلين والبسطاء، وجعلت النافذة الوحيدة للرزق والإنقاذ من الموت جوعا هو الذهاب إلى المعسكرات، وبالتالي استطاعت تجييش الكثير». - جهود غريفيث تعتقد حنان البدوي مديرة الاتصال والإعلام في مكتب المبعوث الخاص للأمين للأمم المتحدة إلى اليمن، أن هناك قناعة بين الأطراف اليمنية بأنه لا حل يمكن الوصول إليه في ساحة الحرب. وتقول البدوي في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «نستطيع القول، إنه قبيل مشاورات السويد أصبح هناك توافق دولي غير مسبوق على ضرورة التوصل لحل سلمي للنزاع في اليمن. إذن، هناك إرادة سياسية من الأطراف اليمنية ودعم دولي غير مسبوق وتوافق نادر في مجلس الأمن حول ضرورة إنهاء النزاع في اليمن بشكل سلمي، لكن في الوقت نفسه، هناك حالة من التشكك، أو غياب الثقة بين الطرفين اليمنيين، وهذا مفهوم، والحل بالنسبة لموقف مثل ذلك هو استمرار العمل، ولا خيار سوى استمرار العمل». وعند سؤالها عن طول الفترة التي مضت على مشاورات السويد أجابت البدوي بالقول: «صحيح أن ثلاثة أشهر قد مضت على اتفاق السويد، لكن لنتذكر أيضا أننا خرجنا للتو من سنتين ونصف خاوية من أي نوع من التشاور بين الطرفين. مفهوم أننا نحتاج للعمل لبناء الثقة، وينبغي أن يكون لدى الطرفين ثقة بأن ضمان النجاح هو البدء الفوري في تنفيذ الاتفاق وهذا ما نعمل عليه في الوقت الحالي. يجب أن نتذكر أيضا أننا لدينا للمرة الأولى منذ بدء الحرب آلية مشتركة هي لجنة تنسيق إعادة الانتشار التي يعمل الطرفان معا من خلالها وبرئاسة الأمم المتحدة لتنفيذ الاتفاق. ما نأمله هو أن تدرك الأطراف أن البديل عن الاتفاق سيكون كارثيا، ولا طاقة للمواطنين اليمنيين به. ونثق في أن الأطراف لديها من الإرادة السياسية ومن الحكمة ما سيمكننا من تجاوز الصعوبات». وحرصت على التأكيد على مسألة توفر الإرادة السياسية والالتزام بمسألة الحديدة، إذ قالت: «نأمل بتنفيذ إعادة الانتشار فورا، وأن يفتح ذلك بابا جديدا للتقدم نحو الحل الشامل للنزاع في اليمن». وذكّرت البدوي بأن المبعوث ومكتبه «على تواصل دائم مع مختلف مكونات الشعب اليمني، وكما يقول مارتن دائما، إنهاء الحرب ليس هو نفسه بناء السلام، وبناء السلام لا يتم فقط بواسطة من بيدهم إنهاء الحرب، بناء السلام أكثر صعوبة من إنهاء الحرب، ويحتاج إلى جهود جميع أبناء اليمن... وهذه عملية يجب أن تستمر وهي مستمرة، حتى على المستوى المحلي داخل اليمن، هناك جهود يشارك فيها أبناء الشعب اليمني بطرق مختلفة». وزادت: «مارتن يحث دائما على زيادة نسبة تمثيل المرأة في المشاورات المقبلة، ومخرجات الحوار الوطني اليمني تنص على تمثيل المرأة بنسبة 30 في المائة والمبعوث يحث الطرفين دائما على الالتزام بذلك». وعرجت مديرة الاتصال بمكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن على مسائل اقتصادية، واعتبرت مشكلة دفع الرواتب تشهد بعض التقدم: «وهذا موضوع مهم لتحسين الحياة لليمنيين، ومكتب المبعوث الخاص مستمر في التعامل مع الملف الاقتصادي، ورأينا تقدما فيما يخص موضوع دفع الرواتب طبقا لتوجيهات الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو تقدم مهم. ونسعى لحل أكثر شمولا في الملف الاقتصادي بما يضمن استقرار الاقتصاد اليمني ويسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية للشعب اليمني». - كيف سينجح الحل؟ يجيب الدكتور محمد عسكر وزير حقوق الإنسان اليمني على السؤال بالقول: «ممارسة ضغوط قوية من مجلس الأمن على الميليشيات وحليفتها إيران لقبول السلام والتعاطي الإيجابي مع الجهود الأممية لمارتن غريفيث». ويرى مانع المطري «أن هناك عوامل متعلقة بالحكومة الشرعية والقوى المؤيدة لها وعوامل أخرى مرتبطة بالمجتمع الدولي وبالميليشيات». فيما يتعلق بالجانب الحكومي «أعتقد أننا بعد أربع سنوات من الحرب ضد الانقلاب بحاجة لوقفة تقييم للأداء وتلافي جوانب القصور ووضع تصورات لاكتمال أداء المؤسسات الدستورية وضرورة تحقيق فاعليتها، فاكتمال عمل المؤسسات الدستورية من العاصمة المؤقتة عدن أمر في غاية الأهمية يعطي ثقة للمواطن في الحكومة ويعطي أيضا انطباعا إيجابيا لدى المجتمع الدولي بهذه المؤسسات كشريك في حفظ الاستقرار وأيضا ضرورة اجتماع القوى السياسية اليمنية على برنامج عمل مشترك يركز على قضايا استعادة الدولة وترشيد الأداء الحكومي ومواجهة الانقلاب والترفع عن المناكفات والتسابق على اغتنام الدولة التي ما زال جزء كبير من مؤسساتها مغتصبا لدى الميليشيا، وأيضا استيعاب المتغيرات في خريطة القوى السياسية الرافضة للانقلاب والتي أفرزتها الحرب، وتعزيز الشراكة مع التحالف العربي نحو تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة في ظل المعركة الواحدة». أما بالنسبة للمجتمع الدولي - والحديث للمطري - فمن الخطأ أن يستمر تعامل بعض القوى الدولية مع اليمن من زاوية أنها أزمة إنسانية بعكس ما تؤكده القرارات الدولية التي تصنف الحالة الانقلابية باليمن أنها تهديد للأمن والسلم العالميين والإقليميين، ويجب بذل جهد حقيقي في مساعدة اليمنيين من أجل إنهاء الحالة الانقلابية التي تعمل على توليد واستمرار الأزمة الإنسانية التي ما كانت لتحصل لولاء اغتصاب مؤسسات الدولة من قبل الميليشيا وتعطيل عملها والعبث بهياكل المؤسسات بما يمكن المعادلة الإيرانية من النفاذ للداخل اليماني، والمعادلة تقوم على أساس استبدال الجماعة الطائفية بمؤسسات الدولة والميليشيا بالجيوش، وهي معادلة مدمرة لفكرة الدولة الوطنية. بالنسبة لجماعة الحوثي يقول المطري إن «الأحداث تثبت يوما بعد آخر بأنها ليست مؤهلة لأن تكون شريكا حقيقيا قادرا على اتخاذ قرارات حقيقية تصنع السلام الدائم في اليمن الذي يعيد لها الاستقرار؛ لأن فكرة التنشئة والتكوين تقوم على قاعدة تعطيل الدولة وإبقائها في حالة الشلل لتبقى بؤرة لزعزعة الاستقرار بما يخدم المشاريع الإيرانية التوسعية». المحلل السياسي اليمني همدان العليي لديه رأي أكثر تشاؤما فيما يتعلق بالحل، إذ يقول: «في الحقيقة إن الأمم المتحدة وبقية الدول المهتمة باليمن لا تملك أدوات ضغط واضحة يمكن أن تمارسها على الجماعات المسلحة مثل ميليشيا الحوثي لتجبرها على قبول الحل السياسي إلا استخدام القوة. فأدوات الضغط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية التي تُستخدم لتطويع الحكومات الشرعية عادة، ليست فعالة مع ميليشيات مسلحة لا تعترف بالقيم الأممية أصلا، فجماعة الحوثي عبارة عن ميليشيا متمردة، ولا يمكن الضغط على مثل هذه الميليشيات إلا بالعمل العسكري الذي يقضي عليها أو يجبرها على الاستسلام لتترك السلاح وتشارك في العملية السياسية المشروعة وهذا ما لا تريده الأمم المتحدة. الأمم المتحدة أجبرت الحكومة الشرعية على إيقاف تحرير مدينة الحديدة بهدف تحقيق السلام، لكن كيف يمكن تحقيق سلام مع جماعة لا تجد نفسها إلا بالحرب؟ بهذا الشكل الأمم المتحدة عطلت جهود الحكومة الشرعية والتحالف التي تهدف إلى استعادة الدولة، لكنها لم تستطع إيقاف انتهاكات وجرائم الحوثيين بل أسهمت في تقويتهم لأنهم يقومون بعمليات تغيير ديموغرافي واسعة وكلما تأخرت عملية تحرير المدن انتشر فكرها المتطرف أكثر بين الناس». - انتباه عالمي وبسؤال وزير حقوق الإنسان اليمني، عن جرائم الحوثيين ووصولها إلى العالم، قال الدكتور عسكر: «نعم بدأ العالم يدرك خطورة حركة الحوثي الفاشية ليس على اليمن وعلى الإقليم فحسب، ولكن على الأمن والسلم الدوليين، ومنذ قتلهم لحليفهم صالح وامتناعهم عن تنفيذ استحقاقات السلام بحسب استوكهولم، وما رصدناه في وزارة حقوق الإنسان من انتهاكات جسيمة عرضت بشكل واضح للفعاليات الدولية، كل ذلك أظهر للعالم أنه يتعامل مع طرف لا يحترم التزاماته ولا يضع اعتبارا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان». ويقاسمه الرأي المحلل العليي الذي قال إن «العالم يعرف جيدا الحوثيين ويدرك خطرهم على المنطقة ويتابع الانتهاكات التي يمارسونها، لكنهم يحرصون على بقاء الجماعة وسيلة ابتزاز»، مضيفا: «تعتقد بعض الدول العظمى بأن بقاء الحوثي في شبه الجزيرة العربية فرصة لا تعوض باعتبارها جماعة متطرفة يمكن استخدامها لابتزاز دول المنطقة، كما أن بقاء جماعة الحوثي في اليمن يعني استمرار الأزمات والحروب التي يسببها الحوثيون في اليمن، وهذا الوضع يمكنهم من السيطرة على باب المندب والتحكم أيضا بقناة السويس... فهل يتركون مثل هذه الفرصة؟ لن يفعلوا... ولهذا سيتم تجاهل هذا الخطر وتجاهل الانتهاكات التي تمارسها الجماعة. والحديث عنها بين الفينة والأخرى من قبل المنظمات باعتبارها أدوات للدول العظمى، هو تفاعل مؤقت مع الضغوط التي تتعرض لها والتي تطالبها بإدانة جرائم الحوثيين». - إعادة فعلية للأمل «دعم السعودية الاقتصادي لليمن بدأ منذ منتصف السبعينات، عبر الصندوق السعودي للتنمية، الذي نفذ ما يربو على 76 مشروعا تنمويا ضخما في اليمن»، يقول عبد الله كدسة، إن «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن يدرس احتياجات اليمن بالتعاون مع الحكومة اليمنية، بدراسة الجغرافيا السكانية والتنمية البشرية والناتج المحلي ونصيب الفرد من الناتج المحلي، والصادرات والواردات إلى جانب النفقات والمصروفات وغيرها من التفاصيل الاقتصادية، فضلا عن تاريخ سعر الصرف للريال اليمني وقد لاحظنا التطور والتحسن الذي ألم بالعملة بعد الدعم السعودي للبنك المركزي اليمني». دعمت السعودية البنك المركزي اليمني منذ عام 2011 وحتى اليوم بـ3.2 مليار دولار، «وهذا لعب دورا في تعزيز قدرات البنك وإعطاء الثقة بالدول الأخرى لدعم البنك المركزي اليمني، كما أسهم في تسديد الرواتب وإصدار ضمانات بنكية لاستصدار السلع الغذائية الأساسية». الأثر لهذه المبالغ كبير، يضيف مدير الاتصال ببرنامج الإعمار: «فلو سأل أحدهم لماذا وضعنا هذا المبلغ الضخم في البنك المركزي اليمني، ماذا تستفيدون؟ استفدنا أن أكثر من 800 مليون دولار من المبالغ تكرس للقمح والرز والزيت والسكر وحليب الأطفال وغيرها من المنتجات تذهب لليمن تحت ضمان هذا المبلغ، تخيل لو أن الوديعة لم تكن موجودة، لكانت هناك إشكالية كبيرة في الأمن الغذائي داخل اليمن». مثال آخر، يستدل به عبد الله كدسة عن الآثار التي بدأت تظهر من مشاريع الإعمار، وهو المشتقات النفطية. «السعودية على مدى الأشهر الثلاثة الماضية أرسلت المشتقات النفطية لليمن. وهي عبارة عن ديزل ومازوت، وتم اختيارها لأن كل مولدات الكهرباء في اليمن تولد إما عن طريق الديزل أو المازوت. البرنامج لم يكتف بإرسال المشتقات وحسب، بل تم وضع حوكمة وإجراءات عمل واضحة مع الأجهزة المعنية في الحكومة اليمنية، لنضمن أين ستذهب هذه المشتقات وكيف سيتم صرفها، وأن كل محطة تأخذ حاجتها بالضبط من دون زيادة أو نقصان». كانت الكهرباء تعمل من ساعتين إلى أربع، وفي أحسن الأحوال تعمل 6 ساعات في اليوم، «نفذ برنامج الإعمار زيارة شملت 64 محطة توليد كهربائي، رصدنا كم احتياج كل محطة، وعرفنا الاحتياج، وبدأ التنفيذ». وحرص البرنامج على مسألة الكهرباء لأن نتائجها تنعكس «على المستشفيات التي تتعطل ومراكز الكلى والمدارس، والبيوت التي لا تستطيع حفظ المواد الغذائية. واستفادت من ذلك 10 محافظات يقطنها أكثر من 16 مليون مستفيد تغيرت حياتهم. فلذلك فإن التأثير لم يقتصر على الدعم وحسب، بل أسلوب حياة المستفيدين بالتأكيد تأثر». يقول مدير الاتصال في البرنامج: «هناك أيضا منفذ الوديعة الذي تم فتحه وتدخل عبره بضائع وتستخدمه منظمات إنسانية مثل برنامج الغذاء العالمي وغيره، وأيضا دعم آخر تمثل في 70 مليون دولار عبر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) لدفع رواتب المعلمين. وبالمناسبة نسبة كبيرة من هذا الدعم ذهب إلى معلمين يعيشون في الأراضي الواقعة تحت احتلال الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران». ويشدد كدسة على أن السعودية لم تميز في المساعدات، «وإلى اليوم تدفع المملكة 10 ملايين دولار لصالح مستشفى في صعدة وآخر في حجة سواء رواتب الأطباء أو الأدوية وهذه الأمور تتم ونحن لا نستطيع الدخول إلى هناك لأنها تقع في مناطق سيطرة الحوثيين، ولكن يتم تحويل المبالغ ويتم التأكد من صحة صرفها، حتى الحوثي عندما يرى شاحنة الأدوية السعودية لا يتعرض لها بأي شيء لأنه يعرف أن هذا المستشفى لو تم إغلاقه فسينقلب عليه أهالي صعدة أو حجة وغيرهم. ولا نستطيع إغلاق هذه المستشفيات لأن المعالَجين أهالي صعدة وحجة، وهم تحت احتلال والمملكة تعتبر هذه مسؤوليتها ولم توقف الدعم عن هذين المستشفيين، ومستشفى صعدة في العام الماضي عالج 800 ألف حالة، كثير منهم مواليد، وعمليات جراحية وغيرها، وهو مستشفى السلام». وتدعم السعودية اليمن عن طريقين، الأول دعم المنظمات الأممية لدعم اليمنيين الواقعين تحت سيطرة الحوثيين. والدعم الآخر مباشر عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن. «لدينا هدف أساسي لتعزيز قدرات الحكومة اليمنية. هناك 120 طبيبا يتدربون في مستشفى الحرس الوطني السعودي، وأكثر من 60 دبلوماسيا يتدربون في معهد الأمير سعود الفيصل الدبلوماسي، والبرنامج يعمل بشكل استراتيجي عميق على تطوير البنية التحتية والقدرات الحكومية، وإضعاف تأثير الجماعات الإرهابية، وحض المانحين الدوليين على المساهمة في تنمية اليمن، إما فرديا أو عبر الشراكة، وتشجيعهم على تحسين الخدمات وخلق فرص العمل ودعم السلام وتعزيز الأمل في نفوس اليمنيين». وتعمل برامج الإعمار السعودي لليمن في 7 قطاعات رئيسية: «الطرق والموانئ والمطارات، والمياه والسدود، والتعليم، والصحة، والكهرباء والطاقة، والزراعة والثروة السمكية، والمباني السكنية والحكومية».
مشاركة :