تعلمت كرة القدم الإنجليزية، بكل تأكيد، الكثير من الدروس والعبر من المبالغة في الحديث عن «الجيل الذهبي» لكرة القدم الإنجليزية في أوقات وفترات سابقة. لكن في ظل وصول أربعة أندية إنجليزية لدور الثمانية في دوري أبطال أوروبا خلال الموسم الحالي، وفي ضوء المستوى المميز والنتائج الرائعة للمنتخب الإنجليزي الأول الذي يضم مجموعة رائعة من اللاعبين الصغار في السن، قد يكون من المنطقي أن نعترف بأن هناك شعورا عميقا بالإيجابية والأمل لكرة القدم الإنجليزية خلال السنوات المقبلة. وقد يكون هذا صحيحا عندما ننظر فقط إلى ما يحدث داخل أرض الملعب، ونتجاهل جبل الجليد الذي يلوح في الأفق نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي! ويعود جزء كبير من هذا النجاح إلى المديرين الفنيين اللذين سيتواجهان على ملعب «آنفيلد» اليوم الأحد، وهما الألماني يورغن كلوب والأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، ليس فقط لأنهما قادا ليفربول وتوتنهام هوتسبير للتأهل لدور الثمانية في دوري أبطال أوروبا، ولكن أيضا لأنهما ساهما في تطوير أداء عدد كبير من اللاعبين الذين انضموا بعد ذلك للمنتخب الإنجليزي الأول – ضمت تشكيلة المنتخب الإنجليزي التي فازت على جمهورية التشيك ومنتخب مونتينيغرو أربعة لاعبين من توتنهام هوتسبير واثنين من لاعبي ليفربول. ولولا الإصابات، لضم المدير الفني للمنتخب الإنجليزي، غاريث ساوثغيت، لاعبين آخرين من توتنهام هوتسبير ولاعب آخر من ليفربول، من دون احتساب ناثانيل كلاين وآدم لالانا. ويعني ذلك أن هذين المديرين الفنيين قد غيرا الثقافة السائدة في كرة القدم الإنجليزية. ويمكن وصف كلا من كلوب وبوكيتينو بأنهما مديران فنيان من الطراز الحديث؛ حيث يعتمد كل منهما على الضغط العالي على الفريق المنافس، رغم أن كلا منهما ينتمي إلى مدرسة تدريبية مختلفة عن الآخر، فقد تعلم بوكيتينو على يد المدير الفني الأرجنتيني المخضرم مارس (آذار)يلو بيلسا، في حين يعد كلوب جزءا مما يمكن أن نطلق عليه مدرسة المفكرين الألمان الذين تأثروا بشدة بأفكار المدير الفني الإيطالي أريجو ساكي. وبهذا المعنى، يمكن القول بأن بوكيتينو وكلوب اثنان من أهم المديرين الفنيين في عالم كرة القدم وربما يكونا الأفضل منذ الفترة القصيرة التي هيمن فيها برشلونة على كرة القدم العالمية بقيادة المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا. لكن ربما يكون الشيء الأهم هو أن كلا منهما قد وجد القوة التقليدية لكرة القدم الإنجليزية بمثابة البيئة المثالية لتطبيق أفكاره؛ حيث يتعامل كل منهما مع كرة القدم على أنها مسابقة جسدية وبدنية في المقام الأول. ورغم أن هذا الأمر كان يبدو محرجا ومسيئا لكرة القدم الإنجليزية في البداية، إلا أنه أثبت أنه الطريقة الأفضل للمنافسة في عالم كرة القدم. وبعد العصر الذي كان يعتمد بصورة كبيرة على التمرير القصير، جاء عصر آخر يصعب تحديده، أو بالأحرى عصرا يعترف بأهمية التمرير لكنه يرى أن المهارات الفردية أيضا مهمة ويرى أنه ربما لن يكون لذلك أهمية كبيرة إذا لم تُلعب كرة القدم بسرعة كبيرة وقوة بدنية هائلة. وقد كان هذا هو الحال عندما لم تكن كرة القدم الإنجليزية تتفاعل بشكل منتظم مع أعلى المستويات في كرة القدم الأوروبية، وهو ما كان يؤدي لشعور الأندية والمنتخبات الإنجليزية بعدم الثقة. لكن في بدايات التسعينيات من القرن الماضي، وفي محاولة لإيجاد حلول مناسبة بعد المعاناة في بطولة كأس الأمم الأوروبية عام 1992 والفشل المهين في التأهل لكأس العالم 1994. حاولت كرة القدم الإنجليزية تقليد أي نموذج آخر للتغلب على هذا الفشل. وكان الجميع قد نسى أن الأندية الإنجليزية قد سيطرت على أوروبا في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي. وكان من الممكن أن تلعب الأندية الإنجليزية كرة القدم بقوة بدنية كبيرة من دون وحشية أو عنف، وكان من الممكن أن نلعب بشكل مباشر دون أن تلجأ إلى الكرات الطولية إلى أطراف الملعب أو إلى الأمام إلى مهاجم عملاق من أجل استغلال الكرات الهوائية بشكل ممل. وقد تغلب كلوب وبوكيتينو على هذه العيوب وساعدا فريقيهما على تقديم كرة قدم تعتمد على القوة البدنية الهائلة واللعب الجماعي الممتع والمثير في نفس الوقت. وكما قال بوكيتينو عندما تولى قيادة نادي ساوثهامبتون، فإن ما كان ضرورياً هو أن «يؤمن اللاعبون الإنجليز حقاً بموهبتهم وقدراتهم الكامنة والموجودة في لاعبي كرة القدم الإنجليز». وفي الحقيقة، كان الضغط الذي يميز كرة القدم التي يعتمد عليها كلوب وبوكيتينو، موجودا بالفعل في كرة القدم الإنجليزية منذ الستينيات من القرن الماضي. وبالطبع، فإن كرة القدم التي يقدمها كل منهما الآن ليست هي نفسها كرة القدم التي كان يلعبها ليفربول أو نوتنغهام فورست أو إبسويتش تاون قبل أربعة عقود، لكنها تشترك معها في بعض المبادئ الأساسية. إن مشاهدة توتنهام هوتسبير وهو يسيطر تماما على مجريات الأمور من الناحية البدنية أمام يوفنتوس الإيطالي الموسم الماضي (رغم الخسارة) أو رؤية ليفربول وهو يطيح بالخصم بعد الآخر في دوري أبطال أوروبا يذكرنا بالديناميكية التي كانت تتسم بها كرة القدم الإنجليزية في وقت سابق. من جهته دافع كلوب عن عدم إبرام توتنهام لأي صفقات هذا الموسم. وقال كلوب إنه يجب الإشادة بما فعله توتنهام هوتسبير بعدم التعاقد مع أي لاعب جديد وأكد أن مدربه بوكيتينو يستحق التقدير على عدم إنفاق أموال في آخر فترتي انتقالات. وأصبح توتنهام أول فريق في حقبة الدوري الإنجليزي الممتاز بشكله الحالي لا يتعاقد مع أي لاعب جديد في فترتي انتقالات متتاليتين لكن رغم الافتقار للوجوه الجديدة فإنه يبدو في طريقه لإنهاء المسابقة في المربع الذهبي للموسم الرابع على التوالي. وقال كلوب قبل مواجهة توتنهام اليوم الأحد: «في إنجلترا، دولة الانتقالات، إذا لم تبرم صفقات فإن هذا يجذب الاهتمام بشدة». وكان فريق بوكيتينو يتنافس مع ليفربول ومانشستر سيتي في السباق على اللقب حتى فبراير (شباط) لكنه تراجع بفارق 15 نقطة عن القمة. وربما يمثل ملعب توتنهام الجديد، البالغ سعته 62 ألف متفرج، عائقا ماليا أمام إبرام الصفقات، خاصة أن التقديرات الأولية كانت تقول إن تكلفته ستبلغ نحو 700 مليون جنيه إسترليني (913 مليون دولار) قبل أن تقفز إلى مليار جنيه إسترليني. وقال كلوب: «أنا متأكد أن ماوريسيو بوكيتينو كان سيحب إضافة لاعبين لكن الفريق الأول لتوتنهام من الصعب أن يتحسن. إذا كنت تملك التشكيلة المناسبة فلا يوجد ما يدفعك إلى الانشغال في سوق الانتقالات. لكن الفريق الموجود نفسه يمكن تطويره. وربما يكون اللاعب المتاح أفضل من اللاعب الذي تود ضمه». وأضاف: «أحترم أسلوبه كثيرا. في النهاية يجب علينا اتخاذ قراراتنا. لا أعرف لماذا حدث ذلك، لكن في أغلب الأحيان عندما لا تبرم صفقات يكون ذلك بسبب المال».
مشاركة :