حتى السابع عشر من الشهر الجاري، يوم الانتخابات البرلمانية في إسرائيل، سيبقي رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، الملف الإيراني الذي وضعه ضمن حملته التي يقودها تحت شعار «الوحيد القادر على ضمان أمن إسرائيل والإسرائيليين»، مشتعلاً داخل الأروقة الإسرائيلية، أو على الأقل، على رأس أجندته الانتخابية. فإثارة هذا الموضوع بهذا الزخم الهستيري الذي بلغ أوجه في الخطاب أمام الكونغرس الأميركي، يثبت جدواه. التدهور الذي حصل في شعبيته توقف. بل حقق بفضله إنجازاً طفيفاً في اليوم التالي من إلقائه الخطاب، إذ أشارت استطلاعات الرأي أنه استطاع أن يجبي مقعدين، بعد الخطاب. وهو على قناعة كاملة بأن سياسة التخويف التي ينتهجها، ويظهر فيها أن النووي الإيراني آتٍ حتماً، وأن المفاوضات التي تجريها الدول العظمى مع إيران للتوصل إلى اتفاق، هي خطوات خطيرة وأي اتفاق سيجلب الخطر، ليس فقط على إسرائيل وليس فقط على منطقة الشرق الأوسط، بل على الأسرة الدولية بأكملها. ويستند نتانياهو في ذلك إلى تأييد الكثيرين في إسرائيل والعالم أجمع، وكذلك العالم العربي، لهذا الموقف. ويستغل كذلك الخطوات الإيرانية التي تكشف مطامع تتحول فيها إيران إلى الدولة العظمى إقليمياً لتعيد أمجاد الإمبراطورية الفارسية. ولا يخفي سروره من القلق الجماعي المنتشر في الشرق الأوسط من أن تكون واشنطن على طريق إبرام صفقة مع طهران تعزز فيها مكانتها كقوة عظمى في المنطقة مقابل المشاركة في محاربة «داعش». وهذه كلها تظهره أمام الإسرائيليين قائداً قوياً يحمي شعبه وشعوب المنطقة. وإصرار نتانياهو على إلقاء خطابه في الكونغرس، ساهم في جعل إيران وما تسميها إسرائيل «أذرعها في المنطقة»، مادة دسمة في المعركة الانتخابية الإسرائيلية إلى جانب نقاشات وخلافات حادة ظهرت بين أوساط أمنية وسياسية وعسكرية، حالية وسابقة. حتى رئيس الأركان السابق للجيش، بيني غانتس، الذي لم يمض على تركه منصبه أكثر من شهر، انضم إلى الأمنيين والعسكريين السابقين الذين وضعوا طرح نتانياهو لهذا الملف وسياسة حكومته، في خانة الخطر على إسرائيل، من هنا احتدمت المعركة والمنافسة بين مختلف الأقطاب. وتحولت الحدود الجنوبية، تجاه غزة، والشمالية، تجاه لبنان، إلى منصات اعتلاها قادة سياسيون وعسكريون داعمون نتانياهو، ليجعلوا من التأثير النفسي لمعركتهم هذه، سبباً للمزيد من التخويف والترهيب للإسرائيليين. والمواطن الإسرائيلي لن يظل مستمعاً سلبياً لهذه الأصوات، فعليه أن يقرر في الانتخابات ما هو خياره. والطرفان يشدانه كل إلى ساحته. الرئيس السابق للموساد، مئير دغان، وهو الشخص الذي لا يختلف مع نتانياهو على أن إيران خطرة، يعبر عن قلقه على مستقبل إسرائيل من سياسة نتانياهو، وهذا يحاصر «ليكود». فدغان، شريك نتانياهو في خطه السياسي – الأمني، ومع ذلك فقد اتهمه بجلب الضرر الاستراتيجي الكبير على إسرائيل في الموضوع الإيراني. ونصح نتانياهو بالتراجع عن وقوفه في المواجهة، بخاصة أن إسرائيل ترفض التوقيع على معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، وإخضاع منشآتها للمراقبة الدولية، وهذا يجعل موقفها أضعف، بل لا يحق لها البقاء في المواجهة. حيرة الإسرائيليين في إسرائيل لا يختلف على اثنان أن الخطر الإيراني يعتبر تهديداً وجودياً لإسرائيل، ولكن الخلاف يكمن في سياسة نتانياهو وطرحه هذا الملف. في جانب القلق، يخشى الإسرائيليون من خرق إيران الاتفاق، وفي هذا الجانب يعتبرون تدهور العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، نتيجة سياسة نتانياهو وعدم تجاوبه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والإدارة الأميركية بعدم إلقاء خطابه في الكونغرس، ستحول دون حصول إسرائيل على أية ضمانات من الولايات المتحدة، بالعمل ضد إيران في حال تم خرق الاتفاق. وهذا يعتبره الإسرائيليون أمراً لن تتمكن إسرائيل من تحقيقه، ما يعني أن إسرائيل لن تكون قادرة على تنفيذ أية خطوة ضد إيران في حال عدم الالتزام بالاتفاق. ويتساءل دغان: ما الذي سيحدث إذا خرقت إيران الاتفاق، وما الذي سيحدث بعد انتهاء المهلة، حين تقرر إيران مواصلة إنتاج السلاح النووي؟ ويقول: «كان يمكن إسرائيل الحصول على ضمانات أميركية بالعمل ضد إيران في حال خرقها الاتفاق، ولكن في ظل العلاقات الحالية يصعب تصور هذه الإمكانية، وبهذه الحالة، يرى معظم الإسرائيليين أنهم سيكونون الضحية». جنرال الاحتياط يعقوب عميدرور، خرج في موقف داعم لنتانياهو ورد فيه على دغان وغيره من المعارضين لسياسة رئيس الحكومة في معالجة الملف الإيراني. ورأى أن اهتمام إسرائيل الكبير في الملف الإيراني مركب، فيقول: «الجهود التي تقوم بها إيران لبناء مفاعل للبلوتونيوم وتخصيب اليورانيوم بالكميات وبالمستويات الكبيرة يشير فقط إلى اتجاه واحد: سلاح نووي. ليس هناك أي سبيل آخر لتفسير الجهود التي استثمروها طوال تلك السنوات. إذا بقيت هناك خلافات في الرأي فهي تتعلق بالتوقيت. هناك من يزعم أنه إزاء الضغوط الدولية والثمن الذي تدفعه إيران، يظهر الإيرانيون استعدادهم لتأجيل جهودهم ويحذرون من الانشغال حالياً في مجال التسلح. لذلك، فإنهم سيحتاجون إلى وقت أكبر مما كان متوقعاً حتى يمتلكوا هذا السلاح. وهناك، أيضاً، أوساط تثق بالنوايا الإيرانية وتزعم أن الإيرانيين سيعودون في المستقبل إلى الطريق الذي ساروا عليه في الماضي من أجل الحصول على القدرة النووية العسكرية، ويضيف: «منذ اللحظة التي فهم فيها العالم أن إيران جدية في سعيها للحصول على السلاح النووي، تم تحديد العمل الإيراني في تطوير هذا السلاح، وهذا يعود إلى التدخل الإسرائيلي لصد إيران في سباقها الحثيث نحو القنبلة، وتم تحقيق نجاحات ليست قليلة. وهذه الجهود، وفق عميدرور، هي التي أخرت الجدول الزمني الإيراني حتى الآن، على رغم الرغبة الإيرانية، وليس بسبب غيابها». في مفهوم الجهات الداعية إلى جهود إسرائيلية لمنع إيران من التحول إلى دولة نووية، فإن أي اتفاق يشكل مصادقة من الدول العظمى لإيران على كل ما يعتبره الإسرائيليون، خروقات إيرانية وبينها: بناء جهاز تخصيب ضخم، والسماح لها بمواصلة الاحتفاظ بجزء كبير جداً مما بنته على طريق تحقيق القنبلة والموافقة المسبقة على العودة إلى استخدام هذه القدرات، من دون قيود تقريباً، مع انتهاء فترة سريان الاتفاق. وهذا الاتفاق سيوفر لإيران، أي خلال 15 سنة، قدرات في المجالات غير الواردة في الاتفاق كإنتاج صواريخ بعيدة المدى وأكثر دقة، وتطوير البرنامج النووي العسكري بعد الاتفاق. داعمو موقف نتانياهو على قناعة بأن إسرائيل ستكون قادرة على تدمير إيران في حال قامت بصناعة القنبلة النووية، وبأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام إيران دولة نووية. بل يصل هؤلاء إلى أبعد من ذلك وبرأيهم أنه لو لم تستخدم إيران السلاح النووي ضد إسرائيل فإن إيران النووية ستحول الشرق الأوسط إلى مكان أكثر خطراً، ويقول عميدرور: «في ظل وضع كهذا سيزدهر حزب الله، وإسرائيل لن تستطيع الرد أو منعه من العمل أيضا عندما تشعر بالخطر. دائماً ستثور لدى صناع القرارات مسألة التدخل الإيراني، واحتمال الدخول في مواجهة مع دولة نووية. تحت هذه «المظلة» تستطيع إيران تعزيز قوتها في مجال الأسلحة التقليدية في شكل أكثر خطورة، والعمل ضد إسرائيل من حول حدودها وفي أرجاء العالم». وفي هذا الجانب، أثار اللواء في جيش الاحتياط، يسرائيل زيف، ما تواجهه إسرائيل عند حدودها الشمالية بسبب إيران ويقول: «إسرائيل تواجه خطراً كبيراً على حدودها الشمالية الشرقية في الجولان. فإيران باتت تسيطر بالكامل على النظام السوري ومناطق واسعة من سورية. لا يوجد قرار يتخذ في سورية اليوم، من دون موافقة طهران. لم تعد تكتفي بمشاركة حزب الله الذي لم يحقق بعد ما هو مرجو منه»، مؤكداً أن «ضباط الحرس الثوري الإيراني يتولون بأنفسهم قيادة المعارك ضد المعارضة. حوالى عشرة آلاف متطوع إيراني تم جلبهم من ميادين القتال في أفغانستان والعراق إلى مطار دمشق بغية صد الهجوم الكبير الذي أعلنت عنه المعارضة السنّية في المنطقة المؤدية إلى دمشق. إسرائيل أيضاً تنظر بقلق، فمكان النظام الذي يعتبر طيلة 40 سنة نظام عدو مريح، يتسلم الحكم الإيرانيون. واشنطن التي تريد التوصل إلى اتفاق مع إيران بأي ثمن، تغض الطرف عما يجري في سورية. موسكو التي ملت الأسد وباتت على قناعة بأنها لن تقبض ثمن الأسلحة التي باعتها له، هي أيضاً تغض الطرف. وإيران تدير سياسة استراتيجية ذكية، مستغلة ضعف النفوذ الأميركي، بل إن أميركا تمنح عملياً الغطاء للسيطرة الإيرانية على سورية وعلى اليمن مقابل اتفاق هزيل في الموضوع النووي. حتى الحرب ضد داعش تستلزم وضع علامات استفهام. ففي الوقت الذي تحاربه أميركا في شمال العراق، يمتد نفوذ داعش على 10 دول، بينها دول شمال أفريقيا وشرقها، عوضاً عن أفغانستان وباكستان وإندونيسيا وغيرها». وإزاء الترويج لخطر أي اتفاق مع إيران يقترح داعمو موقف نتانياهو خوض معركة دولية لتعزيز الموقف الإسرائيلي والترويج، من على كل منبر، أنه على رغم نشر جزء من تفاصيل الاتفاق، فإنه من الواضح أن هذا اتفاق سيئ حقاً. الإيرانيون لم يتنازلوا فيه عن أية قدرات لديهم، ويؤجلون فقط نيتهم تحقيق تلك القدرات. ويدعون حكومة إسرائيل إلى عرض نقاط الضعف بكاملها من خلال شرح الأخطار النابعة منها على إسرائيل والشرق الأوسط والعالم كله. وعدم تسريب أي شيء من المحادثات المغلقة معهم، ولكن في الوقت نفسه، عدم التردد في مهاجمة الاتفاق على أساس ما تعرفه إسرائيل من مصادرها. والتأكيد أنه في حال تم توقيع الاتفاق في غيابها، فهي غير ملزمة به وستدير سياستها المستقبلية وفق الإجماع على أن «الاتفاق السيئ أسوأ من وضع من دون اتفاق. وبأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة وعلى إسرائيل أن تدافع عن نفســها بقوتها الذاتية».
مشاركة :