واستطرد بقوله : "ويطل على هؤلاء ولو من بعيد من احتكر الصواب في محل الاجتهاد، وادعى حرمان الناس الوصول إلى الحق إلا عن طريقه، لافتاً إلى إن احتكار الصواب في محل الاجتهاد خطأ منهجي وخطر فكري يهدد وئام الأمة ووحدتها . وإن الأمر لا يقتصر على سرد هذه المأساة التي أساءت لسمعة الأمة الإسلامية؛ بل يمتد إلى كل من بسط الله له في علوم الشريعة ثم لم يقم بما يجب عليه نحو مواجهة هذا الفكر، ولا سيما تفكيك بنيانه، فهذا الفكر لم يقم على كيان عسكري ولا سياسي كما تعلمون وإنما على مفاهيم ضالة استغلت العاطفة الدينية المجردة لشباب عُزَّل عن العلم والحكمة". وتطرق معاليه في خطبته إلى مفاهيم الرحمة والحكمة في الإسلام مبينا أن استيعاب مقاصد الشريعة وموازناتها والنظر في المآلات هو العلامة الفارقة بين الفقيه وحامل الفقه ، وأن المسلم حكيم في تصرفه مع الجميع، وهو مع ذلك واضح لا ينطوي إلا على خير . المسلم الحق هو من يؤلف القلوب ويجمع ولا يفرق، ومن يُحسن تبليغ رسالة الإسلام للعالمين، مشيرا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم "يا أيها الناس إن منكم منفرين"، وقوله عليه الصلاة والسلام "يسروا ولا تعسرو، وبشروا ولا تنفروا". وأوضح الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن من مساوئ التنفير الانفلات من التدين والانتكاس، وربما الخروج منه، وكذا قنوط الخلق ويأسهم من رحمة ربهم، علاوة على الميل إلى الأفكار الجانحة للهوى والضلال بحجة أنها أيسر واسمح ، مؤكدا أهمية إيجاد الحلول للناس وأن على العالم والداعية أن تكون فتواه ودعوته أقرب لقلوبهم وعقولهم وأن يحدثهم على قدر استيعابهم بحكمة الخطاب. وقال : "ولا نبالغ عندما نقول بقدر ما يحصل من التساهل والفتنه والضلال بقدر ما يقابله من تقصير العلماء والدعاة، ويدخل في هذا التقصير عدم التصدي للمفاهيم الخاطئة المثارة حول الإسلام والأخرى المفتعلة، فمسؤولية العلماء والدعاة مهمة، وقد أضحى الإسلام ولا يزال بحمدالله عبر تاريخه الممتد لأكثر من 1400 عام، أضحى الأكثر انتشارا والأكثر سماحة ومرونة مع تغير الزمان والمكان والأحوال، ومن هنا جاءت قاعدة الشريعة بتغير الفتاوى والأحكام عند الاقتضاء والامكان، بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والعادات والنيات والأشخاص، ومن هنا أيضاً قال العلماء بأن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم، ومصالح العباد، وأن كل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتاويل، وهنا تتجلى سعة العالِم ورحابة أفقه، فكم من مُتصدِرٍ فَتن الخلق بحمل العلم دون فقهٍ، فما كل من استظهر النصوص وسردها يفقه دلالاتها ومقاصدها ". وأكد معاليه أن من هَدي الإسلام أيضاً سلوك جادة الاجتماع والألفة، والحذر من النزاع والفرقة، وفي هذا يقف المسلم على الفارق بين الخلاف المذموم والاختلاف المقبول، فالأول شر وفتنة، والثاني سعةٌ ورحمة، وضابط كل منهما أن خلاف الشر يوغر الصدر، يفرق ولا يجمع وينفر ولا يؤلف، والأمة معه في تناحر وتدابر، فيما الثاني على عكسه تتجلى فيه سعة الشريعة ورحابتها، ومن ذلك تعدد آراء أهل العلم في المسائل الاجتهادية، والحفاوة والإفادة المتبادلة بينهم في ذلك. ونبه معاليه في هذا السياق إلى أن الهدي القويم يكون في منطقة التوازن بين الإفراط والتفريط، وقال: كلاهما طرفٌ مفضٍ للوقوع في الضلال، فمن مُضيِّق على الخلق بالآصار والأغلال عنتاً وشدة، إلى متخذٍ الدين لهواً ولعباً، ولذا وجب الحذر في ذلك من عاديات الشر ومن تسويل النفس، قال صلى الله عليه وسلم "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك". ودعا معاليه الله تعالى أن يثبت الجميع على الحق والهدى وأن يدلهم إلى خير أمرهم ويلهمهم رشدهم وصوابهم. // انتهى // 14:22ت م 0094 www.spa.gov.sa/1906086
مشاركة :