العيسى: مساوئ التصنيف والإقصاء أبعدت وفرقت وأيقظت الفتن

  • 3/31/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

استعرض الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ د. ‎محمد بن عبدالكريم العيسى، أبرز أسباب تفرق الأمة الإسلامية وتشرذمها وعوامل الفتنة وأدواتها التي أدت إلى اشتعال الكثير من الصراعات الطائفية والمذهبية. وأوضح الدكتور العيسى، أن مساوئ التصنيف والإقصاء أبعدت وفرقت وأيقظت الفتن واخترقت عاطفة الشباب الأعزل عن العلم والحكمة، مؤكدا أن المسلم الحق يؤلف القلوب ويجمع ولا يفرق.. وعلينا مخاطبة الناس على قدر عقولهم واستيعابهم. جاء ذلك خلال خطبة الجمعة الماضية في الجامع الكبير بمدينة ‎غروزني بجمهورية ‎الشيشان بحضور الرئيس الشيشاني السيد رمضان قديروف، وكبار المفتين والعلماء في العالم الإسلامي وجمع غفير من المصلين. وأضاف أن الله تعالى بعث نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى هذه الأمة بأتم الشرائع وخير المناهج، مستشهداً بقوله تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وفي روايةٍ: “صالح الأخلاق”، منوهاً إلى أن السلوك السوي تألفه النفوس بفطرتها النقية أياً كان مصدره، وفي هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حِلْف الفضول وهو حلف لقريش في الجاهلية “لو دعيت به في الإسلام لأجبت”. وشدد على أن التيسير والسعة مع الانفتاح الإيجابي على الآخرين هو عنوان مفاهيمنا الإسلامية، مؤكداً أن الشرع المطهر جاء للرحمة والسعة لا للعنت والمشقة.. سعة مؤطرة بصالح الخلق وضابط الشرع، لا بالتشهي والهوى، والضلال عن الهدى. وأضاف:”لقد بلّغ نبينا صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاد حتى أتاه اليقين، ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، لم يَعْتدِ على أحدٍ، ولم يَحْمِل الناس على دينه عنوةً، بل قال الله تعالى له “لا إكراه في الدين” وقال: “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”، أي لا تفعل ذلك، فبّلغ عليه الصلاة والسلام رسالة ربه المُنْزَلة رحمةً للعالمين في معاشهم ومعادهم، وأحال في عددٍ من المشتبهات على القلب السليم، فقال صلى الله عليه وسلم: “استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك”، وقال”البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم مالم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب”. ثم تابع في خطبته قائلاً: السبل التي تخطفت كثيراً من الناس في غمرة فتنتهم كثيرة منها فتنة النفس الأمارة بالسوء وهي فتنة داخلية تتطلب الصبر والمجاهدة، مضيفاً “وقد خرج عن جادة الصواب بمخاطرة ذات أثر سلبي على الأمة مساوئ التصنيف والإقصاء، ومن بينها الجرأة على التكفير من قبل شباب تخطفتهم الشبه في غمرة انخداعهم بما لديهم من معرفة سطحية لا تبين فيها ولا رسوخ ولا رد إلى أهل العلم والإيمان، فكانوا وقود فتن عظيمة، كل ما خبت إحداها خرجت الأخرى تطل بقرنيها، تنتحل اسم الإسلام، ولا ترى أن أحداً على الحق سوى لفيفها الضال، ولم تقتصر على ذلك، بل أخذت على نفسها مناجزة من سواها بعدما كفرت أهل الأرض جميعا”. وزاد “ويطل على هؤلاء ولو من بعيد من احتكر الصواب في محل الاجتهاد، وادعى حرمان الناس الوصول إلى الحق إلا عن طريقه، لافتاً إلى إن احتكار الصواب في محل الاجتهاد خطأ منهجي وخطر فكري يهدد وئام الأمة ووحدتها. وأشار العيسى، إلى أن الأمر لا يقتصر على سرد هذه المأساة التي أساءت لسمعة الأمة الإسلامية، بل يمتد إلى كل من بسط الله له في علوم الشريعة ثم لم يقم بما يجب عليه نحو مواجهة هذا الفكر، ولا سيما تفكيك بنيانه، فهذا الفكر لم يقم على كيان عسكري ولا سياسي كما تعلمون وإنما على مفاهيم ضالة استغلت العاطفة الدينية المجردة لشباب عُزَّل عن العلم والحكمة. وتطرق في خطبته إلى مفاهيم الرحمة والحكمة في الإسلام قائلاً: “استيعاب مقاصد الشريعة وموازناتها والنظر في المآلات هو العلامة الفارقة بين الفقيه وحامل الفقه”. وشدد على أن المسلم حكيم في تصرفه مع الجميع، وهو مع ذلك واضح لا ينطوي إلا على خير … المسلم الحق هو من يؤلف القلوب ويجمع ولا يفرق، ومن يحسن تبليغ رسالة الإسلام للعالمين وتابع “في ذات السياق قول النبي صلى الله عليه وسلم “يا أيها الناس إن منكم منفرين”، كما وقوله عليه الصلاة والسلام “يسروا ولا تعسرو، وبشروا ولا تنفروا”، ثم استطرد د.العيسي في بيان مساوئ التنفير حيث ذكر منها الانفلات من التدين والانتكاس، وربما الخروج منه، وكذا قنوط الخلق ويأسهم من رحمة ربهم، علاوة على الميل إلى الأفكار الجانحة للهوى والضلال بحجة أنها أيسر واسمح. وأكد د.العيسى أن على العالم والداعية أن يوجد للناس الحلول، وأن يكون في فتواه ودعوته أقرب لقلوبهم وعقولهم وأن يحدثهم على قدر استيعابهم بحكمة الخطاب، مضيفاً: “ولا نبالغ عندما نقول بقدر ما يحصل من التساهل والفتنه والضلال بقدر ما يقابله من تقصير العلماء والدعاة، ويدخل في هذا التقصير عدم التصدي للمفاهيم الخاطئة المثارة  حول الإسلام والأخرى المفتعلة، فمسؤولية العلماء والدعاة مهمة، وقد أضحى الإسلام ولا يزال بحمدالله عبر تاريخه الممتد لأكثر من 1400 عام، أضحى الأكثر انتشارا والأكثر سماحة ومرونة مع تغير الزمان والمكان والأحوال. واسترسل “من هنا جاءت قاعدة الشريعة بتغير الفتاوى والأحكام عند الاقتضاء والإمكان، بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والعادات والنيات والأشخاص، ومن هنا أيضاً قال العلماء بأن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم، ومصالح العباد، وأن كل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتاويل، وهنا تتجلى سعة العالِم ورحابة أفقه، فكم من مُتصدِرٍ فَتن الخلق بحمل العلم دون فقهٍ، فما كل من استظهر النصوص وسردها يفقه دلالاتها ومقاصدها”. وأردف “من هَدي الإسلام أيضاً سلوك جادة الاجتماع والألفة، والحذر من النزاع والفرقة، وفي هذا يقف المسلم على الفارق بين الخلاف المذموم والاختلاف المقبول، فالأول شر وفتنة، والثاني سعةٌ ورحمة، مضيفاً  “وضابط كل منهما أن خلاف الشر يوغر الصدر، يفرق ولا يجمع وينفر ولا يؤلف، والأمة معه في تناحر وتدابر، فيما الثاني على عكسه تتجلى فيه سعة الشريعة ورحابتها، ومن ذلك تعدد آراء أهل العلم في المسائل الاجتهادية، والحفاوة والإفادة المتبادلة بينهم في ذلك”. ونبه إلى أن الهدى القويم يكون في منطقة التوازن بين الإفراط والتفريط، وقال: كلاهما طرفٌ مفضٍ للوقوع في الضلال، فمن مُضيِّق على الخلق بالآصار والأغلال عنتاً وشدة، إلى متخذٍ الدين لهواً ولعباً، ولذا وجب الحذر في ذلك من عاديات الشر ومن تسويل النفس، قال صلى الله عليه وسلم “الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك”.

مشاركة :