عمان، الأردن (CNN) -- ما يخشاه المبدع هو أن يشعر، في لحظة ما، انه غير قادر على الكتابة والعزف والرسم. وما يخيفه اكثر، هو الاحساس المدمر بأنه لم ينجز شيئا. هذا القلق يراه رواد المعارض التشكيلية للفنانة الاردنية بسمة النمري لوهلة في لوحاتها، كانطباع اول، ويلمسه القراء في المجموعة القصصية "حجرة مظلمة" لأنها تتحدث بلسان أبطالها عن خريف الأحبة وجفاف العود ووجع اليباس. ولكن كل هذه الهواجس تزول وتتلاشى عندما تقترب أكثر من الكاتبة الفنانة، او تقرأ كل ما كتبت، أو تتوقف أمام لوحاتها التي تشي بعطاء إبداعي متواصل مسيج بربيع دائم، وإذا كانت ابداعاتها موشحة بالقلق والحزن والانتظار، فلا خوف عليها من خطر الجفاف. ففي لوحاتها، كما قصصها، جمالية شاعرية وصلاة صامتة. وعندما تمسك بسمة ريشتها الناعمة لترسم لوحتها تشتاق إلى التكوين اللوني، كما الشاعر الذي يطلق القصيدة من أعماق ذاته، ولا يعجبها إلا ما يشبهها، لذلك جاءت تشكيلاتها أقرب الى مناديل الليلك وقناديل البنفسج، المنحاز الى الاحمر والازرق . اما ككاتبة فهي رائدة القصة اللمحة ذات الاسلوب المتميز، وقصصها بالغة الايجاز لماحة، ومكثفة. والأديبة والفنانة بسمة النمري تكتب كما ترسم، او ترسم كما تكتب، لذلك تقاسم الرسم والكتابة وقتها وعمرها باعتدال وعدالة وبلا انحياز فابدعت رغم التباس الفكرة ومعاناة الخيال. ولكنها عندما تستيقظ في الصباح تجلس في خلوة مبكرة مع نسائها المعلقات على الجدران داخل إطار اللون يراقبنها من بعيد وهي تستقبل يومها الجديد بمنتهى التفاؤل، تحاكي كل لوحة بلغة العيون، فالعيون هي التشكيل البارز في تكوينها، لأن الفنانة تعتقد أن العيون هي النافذة المطلة على عمق الفنان وكاشفة أسراره، ولاعتبارها أن اللوحات كائن حي ينبض بالحياة ، يصاحبها التساؤل الدائم : هل الفنان يصنع اللوحة، أم اللوحة تصنع الفنان؟ باعتقاد الأديبة الفنانة أن اللوحة هي التي تصنع الفنان، وأنها علمتها الكثير، علمتها كيف تقبل نفسها بل كيف تحبها . لذلك تعلقت بلوحتها وتعاملت معها ككائن حي. وتروي بسمة كيف لاحقت بطلة إحدى لوحاتها من شارع إلى شارع في تلك المدينة الماطرة إلى أن استوقفتها على ذلك الرصيف، وتجسدت في لوحة جديدة أخذت مكانها بهدوء وسكينة على الجدار، وبالقرب من الفنانة التي أرهقتها المخيلة الضاغطة على روحها المرهفة، وهي المؤمنة بأن لا حياة بلا فن ولا فن بلا كتابة.
مشاركة :