كنا ننعم بالراحة والطمأنينة والصفاء، كنا نلم بعضنا بعضا، بعضنا يكمل كلنا، الاب والام محاطان بالأولاد وزوجاتهم والبنات وازواجهن والاحفاد، كبرت الحلقة، امتلأت بالحب والحنان والعطف والاحترام المتبادل، نتوق إلى تواجد الصغير قبل الكبير، نفتقد وجود كل من يتخلف عن الحضور، نلتمس الأعذار لهم. استقبلنا عام 2009 بروح من التفاؤل وروح من الاشتياق لرقي هذه العلاقات ونمائها وترابطها، لنكون جميعا سدا منيعا يحمي هذا الترابط من تعرجات الزمن. ندعو الله أن يحفظ صغارنا وكبارنا ويلطف بنا ويشفي مريضنا، كنا ندعو الله أن يمن على مريضنا القابع في البيت بالشفاء العاجل ويلطف بنا وبحال ام حسين واولادها. كنا نتطلع إلى ترعرع الصغار بيننا، نتأمل تحقيق امنياتنا واحلام صغارنا. الحياة تحتاج الى تكاتف، تعاضد وتعاون لا يترك للتفكك مجال فيها. فالأب عز ودلال والأم عش وظل والإخوان سند وافتخار والأخوات عضد وعون على مصائب الدهر. كان فجر يوم خميس، كنا على أتم الاستعداد والتهيؤ لاستقبال اليوم الحادي عشر من محرم، اسبوع واحد فقط مر على استقبال عام 2009. كان لنا موعد مع القدر، حدث ما لم يكن في الحسبان، حدث ما لم تصدقه العين ولا يتقبله العقل. عصف بنا الدهر في فجر ذلك اليوم. وكأنه يقول لنا كفاكم سعادة وحبا وفرحا، استيقظوا فأنا لكم بالمرصاد. كان فجرا مظلما، كئيبا حزينا مختلفا عن فجر سائر الايام. احداث ذلك اليوم قاسية على قلوبنا، عالقة بأذهاننا، مازلنا نتجرع مرارة وألم ذلك اليوم. في لحظات ومن غير سابق انذار، ترجل هيثم الحسن ذو السنوات الستة عشر عن صهوة حصانه، اختار أن يرحل بعيدا عنا الى غير رجعة إثر حادث أليم. مفضلا جنات النعيم على ملذات الدنيا ورغد العيش. رحل ذو الوجه الملائكي، ذو الضحكة الهادئة، انطفأت شمعة حياته قبل أن يطفئ شمعة عيد ميلاده والذي كان يصادف 14 فبراير. رحل هيثم قبل أن نودعه، رحل مخلفا وراءه أما ثكلى وابا مفجوعا واختا واخا مصدومين. كان وقع الصدمة عظيما علينا جميعا، لم يكن يخلد الى بالنا يوما أننا سنشيع صغارنا، سنستقبل المعزين في فقد شبابنا. كنا ننتظر يوم تخرج هيثم في المدرسة ومن ثم الجامعة ومن بعده مشاركة الأحبة فرحتنا في يوم زفافه، لتستمر حياة هيثم وتقر عيون والديه ويعيش حياة هانئة سعيدة. إلا أن القضاء والقدر حال بيننا وبين تحقيق ما كنا نسمو ونطمح اليه، كانت إرادة الله هي الأقوى، اختاره الله الى جواره لينعم بالحياة الأبدية. يا للوعة الفراق. يا لحسرة القلوب على فقد الشباب. مازلنا مصدومين من هول المصاب، لم نكن نستوعب ما حصل، ما حدث لا يصدق. كنا نأمل أن يكون ما مررنا به كابوسا مزعجا سيأتي يوما ونفيق منه. إلا أنها الحقيقة المرة فلابد من تجرع الألم وتقبل الواقع. توالى فقد الأحبة، 3 أشهر بالتمام والكمال، وقت فريضة المغرب، يتناهى الى مسامعنا فقد عزيز آخر، طالما كان عونا لوالدي، كان ساعده الايمن ورفيق دربه. سقط الاستاذ سعيد السهلاوي أبو جابر على باب المسجد مودعا الدنيا إثر سكتة قلبية. مع الإيمان بقضاء الله وقدره إلا انها كانت صدمة قوية على الجميع. فموت الفجأة قاسيا، مروعا للقلوب. مرت علينا تسعة أشهر، لم نفق فيها من فداحة الأحداث، ولا من مرارة الفراق، خيم الحزن على قلوبنا، سرقت البسمة من شفاهنا مررنا بأيام وليال عصيبة. وان ضحكنا فالضحكة مزيفة، وان مارسنا امور حياتنا الضرورية، فخيال وصور من فقدنا تلوح في وجوهنا. في ظهيرة الرابع والعشرين من سبتمبر، تنتقل روح أبو حسين الى بارئها، بعد أن تجرع آلام المرض متنقلا بين المستشفيات، ليضاعف من أحزاننا وآهاتنا. إنه القضاء والقدر، اللهم لا اعتراض فعزاؤنا يكمن في الخلف الصالح له. هكذا مرت علينا سنوات فقدنا فيها أحبة عزيزة على قلوبنا، استقبلنا عام 2012 بصدمة قوية، أم عيسى القوية، الحنونة، الأم التي تظللنا بجناحيها الدافئين، المؤمنة بقضاء الله وقدره. آلمها فقد الأحبة، فقد هيثم ومن قبله بسنوات فقد أبناء أخيها الشابين. آثرت لبس الملابس السوداء على لبس الملابس الزاهية. ام عيسى تصاب بمرض يهدد حياتها، تصاب بمرض في كبدها. داهمها المرض على حين غفلة، عجز الأطباء عن علاجها، المرض متمكن منها، خل من توازنها، خار من قواها. يحدد لها الأطباء 6 أشهر فقط لا غير للحياة، تقطع رحلة علاجها لترجع وتحاط بمحبيها. الامل بالله قوي إلا أن إرادة الله هي الأقوى. ام عيسى آثرت الرحيل على البقاء. وكأن الله أرادها أن تكون بجواره ليبعدها عن تجرع لوعة فراق من تحب والتأسي على حالنا اليوم. مازلنا نتجرع الألم والحسرة على من فقدنا، فالأحداث متسارعة، 5 يناير 2013 يرجع بذاكرتنا الى 8 يناير 2009. نستيقظ صباح يوم السبت على خبر مفجع. ما اشبه اليوم بالأمس، بالأمس فقدنا الشاب هيثم وها نحن اليوم وفي مطلع نفس الشهر نفقد الشابة هدى. مع أذان الفجر استلقت أم محمد على الاريكية، يخيل لمن يراها أنها خالدة في نوم عميق، حاولوا إيقاظاها، لتنام في سريرها. إلا أنها بقت مكانها من دون حراك. انتقلت هدى إلى جوار ربها في غمضة عين، تاركة زوجا يتلقى خبرها وهو خارج البلد، و4 اطفال في أمس الحاجة الى رعايتها وتربيتها وتوجيهها، أكبرهم توأمها ذو الـ11سنة وأصغرهم بنت للتو اطفأت شمعتها السابعة. مرت بنا السنوات العشر بحلوها ومرها، فكل شيء فيها يذكرنا بمن فقدنا، فقد الأحبة غربة، فقد الأحبة مفجع، فقد الأحبة لا يعوض، يبتعدون عن مرأى العين والقلب يضمهم، يغادرون الدنيا واخيلتهم وصورهم تبقى في الذاكرة. يتسلل الفرح الى نفوسنا الا أننا سرعان ما نتذكرهم فنغتبط. لم ولن تعود الحياة كما كانت، على مدى 10سنوات هذه توالت الاحداث، فقدنا الكثير من الأحبة العزيزين على قلوبنا. رحم الله من فقدنا وألهمنا الصبر والسلوان على فراقهم. خلافا لما سبق، استقبلنا هذا العام بخبر مفرح تصدر مفاجآت عام 2019، خبر كان بمثابة العرس الحقيقي، أثلج صدورنا، شرح خواطرنا. قد يتأخر الفرح وتنقبض القلوب وتنحبس السعادة ولكن الفرح حتما سيأتي بألف طريقة طالما نؤمن بأن الله على كل شيء قدير. أتمنى أن تكون أيامنا المقبلة أكثر فرح وغبطة وسرور.
مشاركة :