متى تكون سياسة التقشف خاطئة؟

  • 4/2/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

عندما يرتفع حجم الانفاق العام للدولة عن حجم الإيرادات العامة تكون الميزانية العامة في عجز مالي، ولتغطية هذا العجز تقوم الدولة بالاقتراض من المصارف المحلية والدولية وكذلك من خلال بيع السندات وأذونات الخزانة. وهذا الاقتراض وبيع السندات يسمى في المالية العامة «الدين العام» (أو المديونية). ومع استمرار هذا العجز وهذا الاقتراض ترتفع المديونية العامة وقد تصل إلى مستوى يهدد الاستقرار الاقتصادي ويحد من النمو الاقتصادي حيث تنخفض السيولة وتكون الدولة غير قادرة على تمويل برامجها التنموية. وفي مثل هذه الحالات تلجأ الدولة إلى ما يسمى بالتقشف وهو وضع اقتصادي تلجأ فيه الدولة إلى خفض النفقات العامة أو رفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة وذلك لتسديد المديونية. وتنقسم إجراءات التقشف إلى إجراءات تهدف إلى خفض المصروفات العامة وأخرى تهدف إلى تعظيم إيرادات الدولة. فتشمل على سبيل المثال خفض الانفاق والمصروفات غير المجدية أو الأقل تأثيرا على التنمية والمستوى المعيشي، وتقليص الرواتب العالية وكذلك المزايا العينية للوظائف العليا، وتقليص عدد الوزارات والجهات والهيئات الرسمية. ومن الأسباب الأخرى للجوء الدولة إلى سياسة التقشف هو الخوف من تدهور الاقتصاد الكلي، ولجم الموجات التضخمية، وتفادي تدخل صندوق النقد الدولي ومن ثم فرض وصاياه والتي قد تشمل رفع الضرائب، ووقف كل أنواع الدعم المالي، وخصخصة المرافق العامة. سياسة التقشف هي في الواقع نقطة خلاف بين المفكرين الاقتصاديين فمنهم من يناصر التقشف ومنهم من يعارض هذه السياسة ويعتبرها أداة لإضعاف وتدمير الاقتصاد. فعلى سبيل المثال تستند وجهة نظر المعارضين إلى سياسة التقشف إلى نظرية المفكر الاقتصادي كينز والتي تؤمن بضرورة اتباع سياسات توسعية أثناء فترات الكساد الاقتصادي. فهذه النظرية ترى أن ضخ السيولة في الاقتصاد (أي التحفيز المالي) هو أفضل السياسات لرفع معدلات النمو عندما ينكمش الاقتصاد. فهؤلاء المعارضون لإجراءات التقشف يعتقدون أن البطالة وانخفاض معدلات النمو هي نتائج حتمية لمثل هذه الإجراءات. أما مناصرو سياسة التقشف فهم يرون أنه من خلال إجراءات التقشف يمكن التغلب على العجز المالي ووقف تفاقم الدين العام ومن ثم استعادة النشاط الاقتصادي. وعلى الرغم من التباين في وجهات النظر بين المفكرين الاقتصاديين إلا أنهم اتفقوا على الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الافراط في استخدام الإجراءات التقشفية. فمتى يكون التقشف ضارا للمجتمع والاقتصاد الوطني؟ أولا: لا يمكن لأي دولة أن تستمر في الاقتراض لتغطية العجز المالي إلى ما لا نهاية، ولا يمكن أن تتحمل أي دولة كانت الأعباء المالية والاجتماعية لتراكم العجز وتفاقم الدين العام إلى ما لا نهاية، حيث إن النتيجة الحتمية لمثل هذا الوضع هو الإفلاس، ومن ثم تدخل صندوق النقد الدولي وفرض وصاياه. فالأمر قد يحتاج إلى إعادة النظر في هيكلة الاقتصاد الوطني وتغيير النهج الاقتصادي. ثانيا: سياسة التقشف تكون خاطئة عندما يدفع ثمنها الفقراء ومتوسطو الدخل، وذلك عندما تفرض عليهم الضرائب وخاصة غير المباشرة، أو عندما ترفع أسعار الخدمات الحكومية مثل الكهرباء والماء والغاز والصحة والتعليم، أو عندما يتوقف الدعم الحكومي للسلع والخدمات الأساسية مثل الوقود. فهذه الإجراءات تكون قاسية على الفقراء وتكون لها تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة. سياسة التقشف إذا لم تكن متوازنة فسيكون لها آثار سلبية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية اهمها الفقر وهجرة الأموال والاستثمارات والكفاءات البشرية.

مشاركة :