ارتبطت منذ الصغر بهذين النجمين الكبيرين، وكنت أشعر أن هناك مباراة أو منافسة فنية بينهما كتلك التى شهدناها فيما بعد فى الثمانينيات والتسعينيات فى السينما الأمريكية بين أسطورتى الأكشن فى ذلك الوقت سلفستر ستلونى وأرنولد شوارزينجر. وكنت وقتها منحازا لسلفستر لغلبة البعد الإنسانى على أفلامه خاصة فى سلسلة أفلام “روكى”.لكن الأمر يختلف فى حالة فريد شوقى ورشدى أباظة، لأنه يتعلق بأبعاد أخرى كثيرة شخصية وفنية. فهما يتشابهان فى أشياء كثيرة ويختلفان فى أشياء كثيرة كذلك.ومن أهم الأشياء التى يتشابهان فيها أنهما بدآ بأدوار صغيرة جدا. بدأها فريد شوقى فى أفلام أنور وجدى، حتى أنه كان يظهر على خلفية المشاهد ضمن أفراد عصابة استيفان روستى، وبدأها رشدي أباظة فى أفلام إسماعيل ياسين، حتى أنه ظهر فى دور صغير جدا فى فيلم “إسماعيل يس فى البوليس السرى”. ويتشابه النجمان أيضا فى أنهما بدآ بأدوار الشر، أبرزها ما قدمه فريد شوقى فى أفلام “صراع فى الوادى” أمام عمر الشريف و”وإسلاماه” أمام أحمد مظهر، و”أمير الانتقام” أمام أنور وجدى. ومن المفارقات الطريفة أن أدوار الشر التى لعبها رشدى أباظة كانت فى أفلام قام ببطولتها فريد شوقي مثل “الأسطى حسن” من إخراج صلاح أبو سيف، و”جعلونى مجرما من إخراج عاطف سالم، وتظل شخصية “عصمت كاظم” فى فيلم “الرجل الثانى” الذى أخرجه عز الدين ذو الفقار هى الأبرز فى مشوار رشدى أباظة الفنى، حيث قدم شكلا جديدا للفتى الشرير لم تكن تعهده السينما العربية فى ذلك الوقت. فعصمت كاظم رئيس عصابة دولية تعمل فى تهريب الذهب والعملات، وهو ينحدر من أصول أرستقراطية ويتمتع بقدر عال من الوسامة وولع شديد بالنساء، كما يتقن العديد من اللغات الأجنبية. واشتهر النجمان بأفلام الأكشن، فقدم فريد شوقى أفلاما عديدة لقب بسببها ب”وحش الشاشة”، أبرزها “رصيف نمرة خمسة” و”حميدو” و”بطل للنهاية”، وقدم رشدى أباظة “ملاك وشيطان” و”سبع الليل” و”ساعة الصفر”. ورغم أن رشدى أباظة قدم أفلام الحركة بقدرة لا تقل عن فريد شوقى، إلا أنه لم يستطع أن يحقق نفس شعبية ونجاح فريد شوقى فى هذا اللون من الفن السينمائي ربما لملامح رشدى الأرستقراطية، وربما لاختيارات فريد شوقى الموفقة لموضوعات أفلام الأكشن، خاصة أن فريد شوقى كان يشارك فى كتابة قصص أفلامه.كذلك برع النجمان فى تجسيد شخصية الصعيدي بسماتها التقليدية بمقاييس ذلك الزمان، فقدمها فريد شوقي فى فيلم “دماء على النيل” طارحا قضية الثأر من خلال قصة رومانسية امتزج فيها الحب بالدم، إلا أن شخصية هريدى فى فيلم الفتوة” الذى أخرجه صلاح أبو سيف كان لها الرصيد الأكبر من النجاح، وحقق رشدى أباظة نجاحا مماثلا فى تجسيده لشخصية مجاهد، الصعيدى القوى الخبير بالحياة، فى مقابل الصعيدى المراهق الساذج الذى لعب دوره عمر الشريف فى فيلم”صراع فى النيل” وأخرجه عاطف سالم باقتدار من خلال تجربة سينمائية جديدة تعتمد على وحدة المكان والزمان وقلة عدد الشخصيات.كما نجح النجمان بشكل كبير فى تجسيد الشخصيات الشعبية، فقدمها فريد شوقي فى أكثر من فيلم كما فى “الاسطى حسن” و”جوز مراتى” و”سواق نص الليل” ولم يقدمها رشدى أباظة إلا فى أفلام قليلة مثل “تمر حنة”.كذلك خاض النجمان تجربة الكوميديا، ربما من باب التحدى أو التغيير، بعد أن اعتاد الجمهور أن يراهما فى أدوار معينة تبدو متشابهة، فقدم فريد شوقي “صاحب الجلالة” و”30 يوم فى السجن” و”الزوج العازب”، وقدم رشدى أباظة “الزوجة رقم 13″ و”عالم عيال عيال” و”آه من حواء”. ورغم نجاح فريد شوقي فى الكوميديا، إلا رشدى أباظة كان أكثر توفيقا، لأنه كان اكثر تلقائية من فريد شوقى الذى كان يخرج عن الشخصية ويؤدى باعتباره فريد شوقى وحش الشاشة.هذا عن أوجه الاتفاق، أما أوجه الاختلاف فأهمها ارتباط فريد شوقى بجمهور الترسو الذى منحه العديد من الألقاب من قبيل “وحش الشاشة” و”ملك الترسو” و”الملك” كما تمتع بشعبية كاسحة تفوق شعبية رشدى أباظة التى اقتصرت على أوساط معينة، كما تمتع بجاذبية خاصة لدى جمهور النساء حتى لقب بدونجوان السينما المصرية. وقد يكون السبب فى ذلك هو ملامح ونشاة فريد شوقى الشعبية، حيث ولد وتربى فى أحياء مصر القديمة، السيدة زينب والحلمية والأزهر، فى حين نشأ رشدى وتربى فى أسرة تنتمى إلى عائلة الأباظية الأرستقراطية، والتى يقال أن لها أصولا تركية. هذا، وقد تلقى شوقى تعليما حكوميا بينما تلقى رشدى تعليما أجنبيا. وقد انعكس ذلك على ثقافتهما واختياراتهما الفنية، فقدم شوقى أدوارا تمس قضايا المهمشين والطبقات الفقيرة، حتى أنه ساهم بأعماله فى تغيير بعض القوانين كما حدث مع فيلم “جعلونى مجرما” الذى كان سببا فى إلغاء السابقة الأولى، وفيلم “كلمة شرف” الذى كان سببا فى السماح للمسجونين بالخروج لزيارة ذويهم. فى حين خلت معظم أفلام رشدى من الرسالة الاجتماعية. وعلى العكس من ذلك، غلبت على معظم أفلام رشدى البعد السياسى، فقدم “غروب وشروق” و”فى بيتنا رجل” و”لا وقت للحب” و”شىء فى صدرى” ومعظمها مأخوذ عن أعمال أدبية لكتاب مصريين كبار، وهى السمة التى خلت منها معظم أفلام شوقى.والملاحظ أن كلا النجمين لم يول السينما التاريخية اهتماما كافيا، وإن كانا قد شاركا معا فى فيلم واحد شهير هو “وإسلاماه” الذى جمع كوكبة كبيرة من النجوم وأخرجه الإيطالي أندرو مارتون.ويلاحظ أيضا أن كلا النجمين تعامل بذكاء مع تقدم العمر، فغير من أدواره النمطية واتجه إلى الأدوار التى تناسب سنه، إلا أن شوقى تحول إلى الأدوار الإنسانية فقدم “ومضى قطار العمر” و”وبالوالدين إحسانا”، وتحول أباظة إلى الأدوار الرومانسية الاستعراضية ذات الطابع الخاص، فقدم “آه يا ليل يا زمن” و”حكايتى مع الزمان” وكلاهما من بطولة النجمة الجزائرية وردة.ويلاحظ أخيرا أن إنتاج فريد شوقى لم يقتصر على السينما، ولكن شمل المسرح فقدم العديد من المسرحيات الناجحة منها “الدلوعة” و”شارع محمد على”، كما خاض غمار الدراما التليفزيونية فقدم أيضا العديد من المسلسلات الناجحة التى شارك فى كتابتها مثل “البخيل وأنا” و”عم صابر”. وعلى العكس لا أذكر لرشدى أباظة أعمالا مسرحية أو تليفزيونية.وإذا سألتني من فى رأيي الرجل الأول ومن الرجل الثانى، فإنى سأجيب بأن كل واحد منهما يعتبر الرجل الأول فى المنطقة الفنية التى يجيدها. ففريد شوقى هو فى نظرى الرجل الأول ورشدى أباظة هو الرجل الثانى فى أدوار الأكشن والأدوار الإنسانية والاجتماعية، والعكس صحيح فى الأدوار الرومانسية والكوميدية والسياسية.ومعذرة إذا كانت هناك معلومات تنقصها الدقة، فأنا أقدم رؤية خاصة جدا من وحى مشاهداتى للأفلام على مر السنين، وأعتمد فيها على ذاكرة عليلة فى طريقها إلى الاضمحلال.
مشاركة :