دعا خبراء أميركيون وبريطانيون في مجال مكافحة الإرهاب الشركات المسؤولة عن مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى في العالم إلى التحقيق في الأنشطة التحريضية التي ينخرط فيها الإخواني الهارب المقيم في قطر يوسف القرضاوي، واتخاذ إجراءات من شأنها حرمانه من المنصات الإلكترونية التي يستخدمها لنشر أفكاره المتطرفة والداعمة للتنظيمات الإرهابية. وقال جوش ليبوفسكي المحلل البارز في مركز «مشروع التصدي للتطرف» - الذي أسسه مسؤولون أميركيون بارزون سابقون عام 2014 - إن قطر لعبت الدور الأكبر في إكساب القرضاوي نفوذاً في الأوساط المتشددة والمتطرفة في العالمين العربي والإسلامي، من خلال إفساحها المجال له للظهور على شاشة «الجزيرة»، على مدار سنوات طويلة من خلال برنامجها الأسبوعي «الشريعة والحياة». وأضاف أن عدد مشاهدي هذا البرنامج - الذي توقف عام 2013 بعد ضغوط تعرض لها النظام القطري على الأرجح - كان يبلغ نحو 60 مليون مشاهد، اعتاد القرضاوي السعي لنشر آرائه المتطرفة بينهم، ما جعله يوصف على نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم بـ«داعية العنف والكراهية». وأشار ليبوفسكي إلى أن الدعم الإعلامي القطري المكثف الذي يحظى به هذا الرجل حتى الآن، ساعده على الإبقاء على تأثيره قائماً بين المتعاطفين مع التنظيمات الإرهابية، بالرغم من توقف بث البرنامج، مؤكداً أن «المكانة الكبيرة والأهمية التي منحها النظام القطري للقرضاوي مَكَنته من مواصلة نشر رؤاه المتطرفة لعقود، وهو ما انتقل به من التليفزيون إلى مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة «تويتر» الذي ينشر فيه تغريدات لا تقل خطورةً، عما كان يتفوه به من خلال البرامج التليفزيونية. وشدد على أن ذلك يؤكد ضرورة ضمان حرمان القرضاوي من هذه المنصات الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، والتي يصل من خلالها إلى قاعدة أوسع من المتلقين، لا سيما في فئة الشباب، ممن يقع الكثير منهم فريسة للتجنيد في التنظيمات الإرهابية، بفعل ما ينشره هذا الرجل وغيره من أبواق التطرف الذين تأويهم قطر من أكاذيب يزعمون أن لها أسانيد دينية. ونقل موقع «يوراشيا ريفيو» المتخصص في ملفات السياسة الخارجية الدولية عن ليبوفسكي مطالبته بأن يبدأ ذلك بحجب المقاطع المصورة التحريضية التي يبثها القرضاوي على موقع «يوتيوب» الذي تشير التقديرات إلى أن عدد متابعي قناته يربو على ستة ملايين شخص. واعتبر ليبوفسكي أن إغلاق هذه القناة ذات المضامين الإرهابية ربما يشكل خطوةً أولى على صعيد الحد من خطر المحرضين والمتطرفين البارزين، الذين ترعاهم قطر وتوفر لهم المأوى ومساحات التغطية الإعلامية المكثفة، مثل القرضاوي الذي يُعرف بالمرشد الروحي لجماعة «الإخوان» الإرهابية. وشدد على أنه يتعين على الشركات المالكة لـ «يوتيوب» وغيره من المواقع الإلكترونية، مراجعة ما يبثه هؤلاء المحرضون عليها والنظر في إغلاق حسابات القرضاوي وأمثاله، والتحقق من أنه لا يتم استخدام هذه الحسابات في تعزيز وتدعيم الدعايات المتطرفة التي يعتبرها «نظام الحمدين» جزءاً من منظومته الإيديولوجية المُخربة. وأكد أن أنشطة القرضاوي ودعاة التطرف الآخرين المدعومين من الدوحة تتناقض بشكل صارخ مع بنود الاستخدام التي تفرض مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية على مستخدميها التقيد بها. وأولى اهتمامه لما يبثه القرضاوي من خطاب يشجع على العنف عبر وسائل التواصل غير التقليدية، وهو ما يكتسب خطورةً أكبر في ضوء أن عدد متابعي حسابيّه على تويتر وفيسبوك يزيد على أربعة ملايين ونصف المليون متابع. وقال «إن ما يردده الإخواني المتطرف عبر هذه المنصات من أكاذيب ينطوي في أغلب الأحيان على توجهات متطرفة، تشتمل على تبرير التفجيرات الانتحارية وشن الهجمات العشوائية ضد المدنيين وسفك دمائهم، فضلاً عن تحقير المرأة ومكانتها ودورها في المجتمع. وأوضح ليبوفسكي أن مواجهة خطر دعاة الإرهاب المنطلق من قطر، خاصةً على مواقع التواصل الاجتماعي، يتطلب ممارسة ضغوط قد تكون دبلوماسيةً، ومن الممكن أن تتسم بطابعٍ اقتصادي، مشيراً في هذا الصدد إلى الدور الريادي الذي تضطلع به الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) منذ فرضها إجراءاتها الصارمة ضد النظام القطري في يونيو 2017. لكنه شدد على أن الأمر بحاجة كذلك إلى جهد منسق من جانب الدول الأخرى في الشرق الأوسط لتحديد طبيعة الدعاية المتطرفة والعمل على التصدي لها ومواجهتها. من جهته، أشار بول سكوت الباحث البارز في مركز «دراسات التطرف والإرهاب» التابع لجمعية هنري جاكسون التي تتخذ من لندن مقراً لها إلى أوجه القصور التي تشوب أداء الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بقيامها بدورها المنشود في مواجهة المضامين التحريضية والداعية للإرهاب التي تُبث عبرها. وقال إنه على الرغم من أن هذه الشركات أثبتت فعاليتها في التصدي للمضامين الإباحية، فإنها لم تحقق بعد النجاح نفسه على صعيد حذف المنشورات والمقاطع المصورة التي تحض على العنف وتبرر الإرهاب وتسوغ استهداف الأبرياء بسبب اختلاف العِرق أو النوع أو الدين. ولم يغفل الباحث المتخصص في شؤون محاربة الفكر الإرهابي الإشارة إلى الدور الذي يلعبه القرضاوي وأمثاله من المحرضين على العنف من المقيمين في قطر، على صعيد تجميل صورة التنظيمات المتشددة في الشرق الأوسط والعالم، والزعم بأن ما تمارسه من جرائم يحظى بمشروعية دينية. وقال «إن هذا الرجل شجع بالتأكيد.. أعمال الإرهاب في الماضي، ويواصل نشر رسائله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أنه في التسعينيات من عمره»، مُشدداً على ضرورة إدانة الأفكار التي يروج لها الإخواني الهارب والمقرب بشدة من النظام الحاكم، خاصةً وأنه ليس بالشخص «الذي ينضج مع التقدم في السن». وأبرز سكوت الطبيعة المخادعة التي يتسم بها القرضاوي ومحاولاته المحمومة لإخفاء ما يكنه من توجهات متطرفة تحت أقنعة زائفة، قائلا «إن ذلك يزيد من خطورته في ضوء أنه يستطيع في أوقات معينة إقناع الناس بأنه رجل سلام على نحو ما، رغم أنه يمثل صانعاً لصناع القنابل، بدلاً من أن يتولى هو صنع القنابل بنفسه».
مشاركة :