أكد المستشار د.محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أن القانون الدستورى خلق سياسى يتأثر بالوسط السياسي والاجتماعي الذي يعيش فيه، والدستور يقوم بوضع القواعد الأساسية للدولة طبقًا للمرحلة اللحظية المعاصرة لعملية التطور التي تمر بها الدولة عند وضع الدستور، وسنة التطور لن تبقى على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية كما هي دون تبديل، لأن هذه الأوضاع تتطور وتتعدل من وقت لآخر، ولا تكون الدولة صاحبة استقرار فى النظام الدستوري لانه يصل بالحياة السياسية إلى حد الجمود.وأضاف أن الدستور وجب عليه مجاراة التطور وملاحقته في جميع الأوضاع حتى يكون معبرًا عن المصالح العليا للوطن، فيتسع الإطار القانوني للنظام السياسي لكل ما يطرأ على الحياة السياسية والاجتماعية من تغير طبقًا للقانون الطبيعى عن التطور المستمر المتلازم لحياة المجتمع، حتى لا ينفصل الواقع عن القانون الأسمى والأعلى في البلاد، بالاضافة الى انها لا تكون نصوص المجمدة مجرد أمانى لا تجد لها تطبيقًا، وأحكام الدستور ليست محض حقوق جامدة أبدية مكانها متحف التاريخ وإنما هى شرعت لتعبر عن واقع المجتمع في تطوره وتغيره وتبدله في مجال وهج الحياة الدستورية والاجتماعية فى البلاد، كما إن التنقية الجادة للفكر الدستورى يحرر مواده من قيد الجمود والخمود ليشهد انطلاقة الوعود والوجود.وأوضح أن تحليل طبيعة التحديات الداخلية والخارجية المؤثرة على منطقة الشرق الأوسط والعالم وما خلفته من عدم الاستقرار السياسى والأمنى لبعض البلاد العربية وما صاحبها من تحولات أيدولوجية وجيواستراتيجية واجتماعية انعكست تأثيراتها بشكل رئيسى على دول المنطقة، وما نتج عن ذلك من تحديات وتهديدات دفعت مصر إلى التركيز على الأمن القومى كاستراتيجية سياسية واقتصادية وأمنية، وذلك كله يؤثر على الأمن القومى مما يتوجب معه إجراء التعديلات الدستورية فى هذه المرحلة، لمنح الدولة المصرية القدرة فى التعامل مع تلك التحديات، خاصة فى مرحلة تشهد تحولات سياسية مهمة على المستوى العربى والدولى، وهو ما يضع مصر أمام مسئوليتها الكبرى.وذكر أن التحديات تتطلب فهمًا وإدراكًا لها ولطبيعة مخاطرها تهديدًا لعناصر ومرتكزات أمن المجتمع واستقراره، بالاضافة أن بناء عملية التنمية وفقًا لمبدأ الاقتصاد المعرفى والحد من الفقر وظاهرة الفساد المتفشية فى مرافق الدولة التى تلحق الضرر المباشر بممتلكات الدولة، وتحديات الحفاظ على النسيج الوطنى الواحد أمور لها بالغ الأثر على مستوى الولاء والانتماء للوطن وتحقيق الأمن الاجتماعى .إن هذه التعديلات تؤكد أن مصر دولة تلعب الدور ولا تنتظر أن يأتى عليها الدور ، وإن مكانة مصر الاقليمية والدولية التى استعادتها فى مرحلة بالغة الصعوبة التى فرضت عليها التزامات وتبعات بالاندماج والمشاركة فى القضايا الكبرى تنعكس أثارها على الشأن الداخلى سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، واتخذت الكثير من التدابير والسياسات لضمان مستويات مقبولة من الاحساس بالأمن والطمأنينة والاستقرار، وبما يعزز من التمساك والتضامن الاجتماعى والحفاظ على الكيان الذاتى للدولة المصرية باتباع سياسات تريد الدولة من ورائها الحفاظ على كيانها وسلامتها ضد أى نوع من التهديدات سواء كانت داخلية أو وخارجية للحفاظ على مقدرات الدولة المصرية.واشار الى إن الأمن القومى حقيقة متغيرة تبعًا لظروف الزمان والمكان ووفقًا لاعتبارات داخلية وخارجية فهو ليس مفهومًا استاتيكيًا جامدًا بل هو مفهوم ديناميكى متحرك , وهذه الصفة المتغيرة لمفهوم الأمن تقتضى أن تكون النصوص الدستورية معبرة عن ذلك التغير لتكون الدولة اَمنة فلا تضطر إلى التضحية بمصالحها المشروعة , وتكون أيضًا قوية وقادرة على حماية مصالحها العليا .وهو ما يجعل مصر دولة فاعلة وليست متفاعلة، واكد ان المفاهيم الكبرى للأمم المتقدمة باتت أن صياغة نظرية الأمن القومى لكل دولة، تتوقف على عدة عوامل أساسية سياسية وإقليمية ودولية واقتصادية وجغرافية وعسكرية وبشرية أيضًا .واوضح ان العلاقة بين الأمن القومى والتهديد علاقة تأثير متبادل، فتحديد مصادر التهديد ومخاطره، والتهديد الفعلى والتهديد المحتمل والفردى والجماعى والإقليمى، والباعث على استشعارهما يستدعى اتخاذ إجراءات للحفاظ على الأمن القومى، ولم يعد الغزو العسكرى هو المصدر الوحيد لتهديد الأمن فى الفكر الحديث بل وجود مصادر أخرى لا تقل أهمية عن البعد العسكرى للتهديد، فالعلاقة بين المصادر الداخلية والخارجية علاقة تفاعل حقيقى، لارتباط المصادر الداخلية والخارجية إلى الدرجة التى تكون فيها المصادر الداخلية خالقة لبيئة ينشط من خلالها التهديد الخارج.وقال ان التهديدات الخارجية تجد ذرائع لها فى المصادر الداخلية، مما تبرز معه أهمية نظرية الدفاع الوقائى التى تعتمد على مفهومين : الأول الأمن بمعنى التحرر من الخوف والشعور بالاطمئنان وزوال الخطر الحقيقى، والثانى القومى بمعنى تحقيق المصالح الحيوية للدولة، فتضيق نظرية الدفاع الوقائى أو تتسع تبعًا للمتطلبات المستجدة فى عملية تحقيق الأمن القومى، وأن القيادة المصرية عقب ثورة 30 يونيه 2013 حتى الاَن حققت نتائج مبهرة على صعيد الأمن القومى المصرى والعربى أيضًا اتبعت فيها استراتيجيات مرنة متعددة الأبعاد لمواجهة تلك التهديدات المتغيرة .وذكر المستشار محمد خفاجى فى احد ابحاثه المنشور على الموقع الرسمى لكلية الحقوق جامعة المنوفيةأن ان الصفة المتغيرة اللصيقة بمفهوم الأمن القومى هى التى تستلزم أن تكون النصوص الدستورية معبرة عن الحاجات الفعلية لمصالح الدولة العليا ولا تغيب عنها , إن فلسفة التعديلات الدستورية تدور فى فلك الإصلاحات السياسية لتسير الدولة فى نهجها لتحقيق مزيد من الأمن الاجتماعى واتخاذ إجراءات صارمة فى سبيل مواجهة العبث فى مقدرات الدولة واستكمال مراحل التنمية الاقتصادية ورفع مستوى القدرة التنافسية للصناعات ومراقبة الفساد فى الأجهزة الحكومية وهدر المال العام ومحاسبة المفسدين من كانوا وأينما كانوا .
مشاركة :