طرابلس - قال متحدث باسم القوات المسلحة الليبية العقيد أحمد المسماري، إن الجيش الليبي سيطر اليوم الجمعة على مطار طرابلس الدولي على المشارف الجنوبية للعاصمة مقر الحكومة المعترف بها دوليا إضافة إلى بلدتي ترهونة والعزيزية القريبتين من العاصمة، مشيرا إلى أن خمسة من أفراد قواته قتلوا. لكن وزير الداخلية في حكومة الوفاق قال، إن قوات موالية لحكومة الوفاق استعادت في وقت متأخر من اليوم الجمعة السيطرة على المطار الدولي السابق جنوبي العاصمة من القوات التي يقودها المشير حفتر. وقال فتحي علي باشاغا لقناة تلفزيون الأحرار الليبية "استطاعت هذه القوات أن تتسلل إلى مطار طرابلس وتعدت مطار طرابلس والآن تم إرجاعها وتحرير مطار طرابلس بالكامل"، مضيفا أن الاشتباكات مستمرة في منطقة قصر بن غشير بجوار المطار. وأفاد مصدر أمني في حكومة السرّاج بأن المعارك جارية في مناطق سوق الخميس والسائح وسوق السبت جنوب العاصمة على بعد أقل من خمسين كيلومترا جنوب طرابلس في منطقة زراعية. كما أعلن المكتب الإعلامي للجيش الوطني الليبي على صفحته على فيسبوك، أن "القوات المسلحة مع الجنود من كل المناطق الليبية يشاركون حاليا في معارك عنيفة في ضواحي طرابلس ضد الميليشيات المسلحة". وهي المعارك الأولى من نوعها بهذه الحدة التي تنشب بين الفريقين منذ إقامة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس في نهاية مارس/اذار 2016. وتجنب رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج والمشير حفتر حتى الآن الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة رغم التوتر السياسي والعسكري بين الطرفين. والتقى الرجلان بالفعل في نهاية فبراير/شباط في أبوظبي تحت إشراف الأمم المتحدة وتوصلا إلى اتفاق حول إجراء انتخابات قبل نهاية السنة. ومن شأن حسم القوات الليبية المعركة بالسيطرة على كامل طرابلس أن تفتح الباب لتسوية سياسية بين الفرقاء قبل مؤتمر غدامس الذي أعلنت عنه الأمم المتحدة ضمن جهود إنهاء الأزمة. وتأتي هذه التطورات عقب اعلان الجيش الليبي السيطرة على عدد من المناطق القريبة من العاصمة، حيث قال ساكن ومصدر بالجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، إن القوات الليبية المسلحة سيطرت اليوم الجمعة على قرية سوق الخميس التي تبعد نحو 40 كيلومترا جنوبي العاصمة طرابلس. وأضافا أن السيطرة على القرية تمت بعد اشتباكات مع قوات متحالفة مع حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة والتي تتخذ من العاصمة الليبية طرابلس مقرّا لها منذ مارس/اذار 2016. وتأتي هذه التطورات بينما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش مغادرته بنغازي عقب اجتماع مع المشير خليفة حفتر دون تحقيق نتائج تذكر فيما كان يسعى لنزع فتيل التوتر وإثناء الجيش الوطني الليبي عن المضي قدما في عملية عسكرية واسعة تستهدف تطهير طرابلس من الإرهاب وإعادة الاستقرار إلى كافة الأراضي الليبية. وقال غوتريش في تغريدة على صفحته بتويتر، إنه يغادر ليبيا وهو "مفطور القلب" ويشعر بقلق شديد بعد أن عقد اجتماعا مع حفتر في شرق البلاد، مضيفا "ما زال يحدوني الأمل في إمكانية تجنب مواجهة دامية في طرابلس وحولها".وقبيل اللقاء عقد كل من غوتيريش والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، اجتماعا مع رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح في طبرق (شرق)، بحسب وسائل إعلام محلية. وقال المستشار الإعلامي لرئاسة البرلمان فتحي المريمي، إن صالح ناقش مع غوتيرش آخر مستجدات الشأن الليبي والتصعيد العسكري في طرابلس، إلى جانب الاستفتاء على الدستور وتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية بموجب القوانين الصادرة عن البرلمان. وتناولت المحادثات أيضا القوانين التي سيصدرها البرلمان وفقا لمخرجات المؤتمر الجامع المزمع عقده الشهر الحالي في مدينة غدامس للمساهمة في حل الأزمة الليبية. وسبق لغوتيريش أن غرّد على حسابه على "تويتر" أثناء انتقاله من طبرق إلى بنغازي، الجمعة "لا يزال هدفي يكمن في تحقيق تجنب المواجهة العسكرية. أجدد أنه لا حل عسكريا للأزمة في ليبيا ولا يمكن تسويتها إلا سياسيا". وكان سلامة قد أعلن أن الملتقى الليبي الجامع سيعقد منتصف ابريل/نيسان بحضور أكثر من 100 شخصية ليبية للمساهمة في وضع حد للأزمة في البلاد ضمن خطة العمل المدعومة من المجتمع الدولي والتي تنص على إجراء استفتاء على الدستور وعقد انتخابات تنهي الانقسام السياسي في البلاد. ووصل غوتيريش إلى العاصمة الليبية الأربعاء لدفع الجهود من أجل تنظيم مؤتمر الحوار الوطني الجامع المقرر بين يومي 14 و16 أبريل/نيسان ضمن خارطة طريق أممية لحل النزاع في البلد العربي الغني بالنفط.وقال وزراء خارجية مجموعة الدول الصناعية السبع اليوم الجمعة إنهم يعارضون بشدة العمل العسكري في ليبيا وحذروا قوات الجيش الوطني الليبي من مواصلة تقدمها صوب العاصمة طرابلس. وقال وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وإيطاليا واليابان وكندا في بيان أرسل وسط محادثات يعقدونها في غرب فرنسا "نعتقد بقوة أنه لا يوجد حل عسكري للصراع الليبي". وأضافوا "نعارض بشدة أي عمل عسكري في ليبيا. أي طرف أو فصيل ليبي يتسبب في المزيد من الصراع الأهلي فهو يضر بالأبرياء ويقف في طريق السلام الذي يستحقه الليبيون". وسلّط تحرك قوات الجيش الوطني الليبي الضوء على شخصية رئيس حكومة الوفاق الوطني الذي بدأ مهامه في مارس/اذار 2016 ، فيما انبثقت سلطته من اتفاق سياسي جرى التوصل إليه في منتجع الصخيرات المغربي في ديسمبر/كانون الأول 2015. ويأتي تحرك القوات الليبية من شرق ليبيا إلى غربها عقب سلسلة عمليات عسكرية ناجحة أعادت الأمن والاستقرار إلى بنغازي، فيما تأمل في إنهاء انفلات السلاح وانفلات الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق وتثبيت سلطة الدولة وتوحيد مؤسساتها، لكن التطورات الأخيرة تنذر بحرب دموية بين طرفي الصراع. ويجد فايز السراج نفسه اليوم بعد أكثر من ثلاث سنوات من تسلمه رئاسة الحكومة الليبية وبعد فشله في إقرار المصالحة الوطنية، في مواجهة مباشرة مع خصمه الرئيسي المشير خليفة حفتر الذي حرك قواته باتجاه طرابلس العاصمة. وانتقل السراج الذي ينتمي إلى عائلة طرابلسية ثرية من قطاع الأعمال والمال إلى معترك السياسة والحكم، ليجد نفسه أمام تحدي توحيد ليبيا على رأس حكومة محملة بالوعود والآمال بعد سنوات من الخيبات المتتالية. وتسلم المهندس المعماري المولود في طرابلس عام 1960 رئاسة الحكومة منذ ديسمبر/كانون الأول 2015 عندما توصل النواب الليبيون تحت إشراف الأمم المتحدة إلى اتفاق حول توليه هذا المنصب. وفي أبريل/نيسان 2016 انتقل من تونس حيث كان يقيم إلى طرابلس على متن سفينة عسكرية ليبية ونجح في استمالة السلطات الاقتصادية والسياسية في المدينة إلى جانبه. وتمثلت مهمة السراج الأولى في بناء مؤسسات الدولة التي اندثرت بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، والتوصل إلى مصالحة وطنية بين مختلف القوى والمليشيات الموزعة في أنحاء البلاد.وهذا ما لم يتمكن من تحقيقه حتى اليوم ليجد قوات المشير حفتر على مسافة غير بعيدة من طرابلس. ويأخذ على السرّاج اعتماده على ميليشيات مسلحة تغيّر ولاءها بحسب من يدفع أكثر وبحسب ما تمنح من امتيازات مالية ومواقع نفوذ. وكانت تقارير دولية قد أشارت إلى هذه التحالفات الهشّة التي تضعف سلطة السرّاج فيما ترتهن غرب البلاد لسلطة ميليشيات مسلحة منفلتة. وفي ظل حكم السرّاج تدفقت على ليبيا سفن محملة بأسلحة وذخائر يعتقد أن مصدرها تركيا التي تعمل على تقوية شوكة الإخوان المسلمين وتعطيل الحل السياسي للأزمة. وسبق لقيادة القوات الليبية المسلحة أن حذّرت من دور تركي في تأجيج الأزمة وتسليح ميليشيات متشددة، مشيرة في الوقت ذاته إلى وجود تساهل من قبل حكومة الوفاق إزاء تسليح تركيا لميليشيات محسوبة على تيار الإخوان. ويقول محللون إن السرّاج بنى تحالفات هشّة مع عدد من الميليشيات المسلحة مقابل منحها امتيازات وهو ما يفسّر عادة اندلاع اشتباكات من حين إلى آخر بين عدد منها في صراع على النفوذ والمصالح. وتمكن السراج في ديسمبر/كانون الأول 2016 أي بعد سنة من تسلمه رئاسة الحكومة من تحقيق انجاز عسكري تمثل بتمكن القوات الموالية لحكومته من طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة سرت، لكن مصادر محلية وتقارير غربية متطابقة عزت النصر على داعش إلى ميليشيات مصراتة وهي من بين الجماعات الأكثر نفوذا والأكثر تسليحا.ومقابل هذا النجاح العسكري فشل السراج في مواجهة المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها السكان إضافة إلى الفشل في توحيد البلاد، إذ لا تزال المليشيات منتشرة في المنطقة الغربية حيث العاصمة، كما فشلت كل محاولاته لتشكيل قوات شرطة وجيش كفيلة بفرض الأمن في البلاد. ويعتبر العديد من المحللين أن السراج وليتمكن من ضمان أمن نسبي في طرابلس، وجد نفسه مجبرا على التحالف مع عدة مجموعات مسلحة بحيث بات "رهينة" لها. وفي الوقت الذي كان فيه السراج يواجه هذا التعثر في مسيرته، كان المشير خليفة حفتر يوحد القوى العسكرية في شرق البلاد وينال دعما إقليميا ودوليا شمل العديد من الدول على غرار مصر والإمارات والسعودية وحتى روسيا أيضا ضمن جهود دعم مكافحة الإرهاب ومساعدة ليبيا على استعادة استقرارها. وتدير عائلة السراج مجموعة كبيرة من الأعمال التجارية بينها مكتبة السراج في وسط طرابلس التي كانت إحدى أشهر مكتبات المدينة قبل أن يقرر القذافي إغلاقها بعيد وصوله إلى الحكم في إطار حملته لمصادرة أملاك الليبيين. وتمتلك عائلة السراج المحافظة المتحدرة من المدينة القديمة أراضي شاسعة في ضاحية طرابلس الغربية في منطقة لا تزال تعرف حتى الآن باسم منطقة السراج. وكان والده مصطفى السراج أحد مؤسسي الدولة الليبية بعد الاستقلال في العام 1951. وفي خطابه الأول في طرابلس يوم وصوله إليها عام 2016، قال فايز السراج في القاعدة البحرية أمام مجموعة من الصحافيين إن أولوياته في هذه المرحلة باتت تتركز على "تحقيق مصالحة وطنية شاملة"، مضيفا أنه جاء "لتوحيد الصفوف" وهي المهمة التي فشل فيها ليجد نفسه اليوم بمواجهة عسكرية مع قوات المشير حفتر التي باتت على أبواب طرابلس.
مشاركة :