لطفي لبيب: تأثير مواقف الفنانين على توجه الأعمال الدرامية شر لا بد منه

  • 4/6/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تأريخ الحدث بيد أصحابه، معضلة ظلت محل خلاف في صناعة الكثير من الأعمال السينمائية والدرامية، ويمثل الفنان المصري لطفي لبيب إحدى أيقونات تلك المعضلة مع رغبته في تحويل تجربته الشخصية ومشاركته في حرب أكتوبر 1973 إلى فيلم سينمائي، وأكد في حواره مع “العرب” أن تقديم الوقائع التاريخية بعيون المشاركين فيه يزيد من دقة النقل والمحاكاة، وأن الأزمة الكبرى تتمثل في كيفية نقل الأحداث المختلف حولها بصورة مجردة من الآراء الشخصية. تمثل معايشة العديد من الفنانين للتطورات والتحولات التاريخية ومشاركتهم في أعمال توثق لهذه الأحداث وتؤرخها، إحدى أهم القضايا الشائكة وغير المحسومة على المستوى المهني، وهو ما يطرح تساؤلا حول جواز مشاركة الفنان في تجسيد عمل فني يتعلق بمرحلة سياسية عاصرها ويحمل وجهة نظر معينة تجاهها، أم الأفضل إسناد تلك الأدوار لفنانين لم يعاصروها، وليست لديهم مواقف واضحة منها، بما يؤدي إلى خروج العمل بشكل منفتح على جميع الآراء أمام الجمهور. سلط الفنان المصري لطفي لبيب الضوء على تلك القضية، باعتباره أحد المشاركين في حرب أكتوبر، ولديه مذكرات خاصة عن فترة التجنيد التي قضاها في الجيش المصري، بعنوان “الكتيبة 26”. وقال في حواره مع “العرب”، إنه أحق بتجسيد القصص الإنسانية وبطولات الجنود في إحدى أهم المعارك التي انتصر فيها العرب، لأن “الفنان الذي عاصر أحداثا سياسية وعسكرية فارقة أكثر قدرة على توصيل رسالتها إلى الناس”. مصداقية فنية في الكثير من الحروب والانتصارات والانكسارات، هناك فنانون عاصروا أحداثا، وكان بعضهم من العناصر المؤثرة فيها، مثلما الحال بالنسبة لحرب أكتوبر، والتي شارك فيها عدد من الفنانين المصريين، وثمة فنانون عرب ساهموا في الأحداث السياسية التي مرت بها بلدانهم مؤخرا، الأمر الذي يجعل تجسيدهم لفترات تاريخية وشخصيات مؤثرة فيها أمرا ربما يصاحبه الكثير من الخلاف، خاصة إذا كان الفنان صاحب توجه سياسي معلن أمام الجميع. وأضاف لبيب أنه قضى 6 أعوام ونصف العام من عمره في التجنيد بالجيش المصري، وكان أحد المقاتلين في كتيبة عبرت قناة السويس في حرب أكتوبر، واستطاع أن يوثق تلك الفترة روائيا، لكن غياب الاهتمام وقف عائقا أمام تحويلها إلى عمل فني. وأصدر لبيب عام 1975 كتابا بعنوان “الكتيبة 26”، روى فيه مراحل الحرب التي قضاها، والتفاصيل المتعلقة بها، ولا يزال يحلم بتقديم فيلم عن كتيبته ودورها منذ بداية النكسة في عام 1967 وحتى انتصار 1973، وكانت مهمته جمع الشاردين من الجنود بعد قرار سحب القوات من سيناء. وأكد الممثل المصري المخضرم أن مشاركته في عمل فني يوثق لمرحلة تاريخية مثل هذه، تضفي المزيد من المصداقية على العمل، والإبحار في تفاصيل تلك الأحداث وتجعله الأكثر قدرة على إقناع الجمهور بها، لافتا إلى أن العديد من الأعمال التي قدمت عن نصر أكتوبر، “ظهرت فيها الحرب كأنها جملة اعتراضية داخل الفيلم، ولم تعبر عن تفاصيل روح القتال التي تحلى بها الجنود”. ويقابل وجهة نظر لبيب، رأي مهني يشدد على أن انغماس الفنان كشخص فاعل في الأحداث السياسية والتاريخية يجعله يرغب في نقلها برؤيته فقط، ولا بد أن يكون الفصل بين الموقف السياسي والعمل المهني حاضرا وبقوة في مثل هذه المواقف، للمحافظة على العمل الفني. وتنطلق رؤية لبيب من أن مشاركته في الحرب مرت بمراحل صعبة، وكان يعيش في ملجأ مع مجموعة من زملائه، وفجأة يتم ضربه، وكان الموت قريبا جدا من الجميع، بما يساهم في سرد العشرات من القصص التي مر بها الجنود في تلك الفترة، وبالتالي فإن تقديم “عمل فني إنساني وليس تاريخيا بحاجة إلى ممثلين تعايشوا مع هذه الأحداث بصورة مباشرة”. وأشار في حواره مع “العرب” إلى أنه وصل إلى مرحلة عمرية متقدمة (72 عاما) يستحيل معها تجسيد شخصية مجند في مقتبل عمره، وما يسعى إليه هو أن تتحول شهادته إلى عمل سينمائي يشارك فيه بالتمثيل أو التأليف. وما يطرحه لبيب قد يكون مقبولا بالنسبة لعمل فني يأخذ طابعا وطنيا، باعتباره يرتبط بأحد الانتصارات التاريخية، لكن الوضع يكون أكثر تعقيدا إذا كان مرتبطا بتقديم عمل فني توثيقي لأحداث سياسية فارقة مرت بها بعض الدول، مثلما الحال بالنسبة للفنان السوري جمال سليمان، والذي انضم إلى معارضي النظام السوري. وقد تسير مشاركته في أعمال توثق للأحداث السورية في الاتجاه الذي يؤيده، ويتعارض مع قناعات الكثيرين، أو يشارك في عمل يقدم وجهة نظر مغايرة لما يراه حاليا، ما يجعله يفقد المصداقية أمام الجمهور، وفي الحالتين يصبح العمل الفني مشوشا وغير مقنع. توعية جيلية يؤمن لطفي لبيب بأن الشخصية الدرامية يجب أن تكون منفصلة عن التوجهات السياسية، والمواقف تتنحى جانبا، وقد يظهر ذلك الرأي من خلال موافقته على تأدية دور السفير الإسرائيلي في فيلم “السفارة في العمارة”، رافضا تكريمه في الحقيقة من قبله. ويرى البعض من النقاد الفنيين، صعوبة أن يجسد فنان له موقف سياسي واضح شخصية تتعارض مع توجهاته، ولن يستطيع الصمود أمام سهام النقد وعلامات الاستفهام الموجهة إليه. ويذهب هؤلاء إلى التأكيد أن الأعمال الفنية تتيح مساحات من التعبير لا تتوافر للمهن الأخرى، واستغلال هذه المساحات على الوجه الأمثل ينبغي أن يكون من خلال تقديم أعمال تتناول جميع وجهات النظر، وفي تلك الحالة يمنح وجود مسافة بين الممثل والحدث السياسي حرية أكبر للانفتاح على الآراء المخلتفة، عكس الممثل المنغمس في قلب الأحداث. وتحقق حالة لطفي لبيب هدفها، حال كان الغرض من الفيلم إيصال رسالة سياسية أو اجتماعية موجهة للأجيال الحالية، ويسعى إلى إبراز الجوانب الخفية في حرب مضى عليها أكثر من 45 عاما، وتكون هذه الأعمال غالبا ممولة من جهات حكومية ترغب في توصيل رسالة معينة من خلال الفن. وأشار لبيب لـ“العرب” إلى أن الهدف من تسليط الضوء على الأحداث الفارقة يتعلق بالمساهمة في توعية الأجيال الجديدة، بعيدا عن التوجيه السياسي بمعناه المباشر، والذي يجري حاليا في بعض الأعمال، عبر تقديم النموذج القدوة للأجيال الصاعدة والتي تتجسد في حرب أكتوبر مثلا في قصص الجنود، وكيف كان النصر الأمل الذي يعيشون من أجله. ويعتقد بعض النقاد أن الدور التحفيزي المباشر لن يؤدي إلى النتيجة المرجوة منه، بسبب إدراك الجمهور لهذا الأمر، والسمعة السيئة للكثير من الأعمال التوثيقية والتي تطغى عليها غالبا التوجهات السياسية للأنظمة الحاكمة. وقدم لبيب 350 عملا، خلال أربعة عقود، في التلفزيون والمسرح والسينما، وأصبح شريكا أساسيا في الكثير من الأعمال الفنية في الآونة الأخيرة. ومن أهم أعماله “السفارة في العمارة” و“عسل أسود” و“عمارة يعقوبيان” و“عصافير النيل” و“طير إنت” و“خلطة فوزية” و“كده رضا” و“جاءنا البيان التالي”، أما بالنسبة للتلفزيون فقدم فيه أعمالا مهمة منها “رأفت الهجان” و“زيزينيا”، و“ونيس وأيامه”، و“ابن النظام”، و“نصف ربيع الآخر”. ويقوم لطفي لبيب حاليا بكتابة سيناريو عمل درامي تلفزيوني، يدور حول حياة ليليان تراشر، وهي سيدة كانت صاحبة أكبر مؤسسة للأيتام في العالم بمحافظة أسيوط، في جنوب مصر، وهو عمل سوف يأخذ المشاهد العربي للتعرف على شخصيات أغنت الحياة الإنسانية.

مشاركة :