«لا أعتقد أن الاقتصاد الأميركي يتباطأ، بل تبدو مؤشرات الاستهلاك والإنتاج كلها إيجابية للغاية».. هكذا علق كبير مستشاري الرئيس الأميركي الاقتصاديين لاري كودلو على التقارير التي تناولت تباطؤ الاقتصاد الأميركي خلال الأشهر القليلة الماضية (لا سيما فبراير ومارس). هل الليلة كالبارحة؟! وعلى الرغم من تصريحه، الذي جاء لشبكة «سي.إن.بي.سي»، فإنه طالب في الوقت ذاته بأن يخفض بنك الاحتياطي الفدرالي الفائدة بنسبة 0.5 في المئة، وهو إجراء متبع بالطبع في حالة عدم الرضا عن نسبة النمو والتخوف من احتمالات الركود، وليس متبعًا بشكل عام حال كانت المؤشرات الاقتصادية جيدة. ويمكن تشبيه ما حدث في نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي بما حدث في الكثير من حالات الركود، فنسبة نمو الاقتصاد خلال الربع الأخير من 2018 لم تتعد 2.2 في المئة، بينما كان المتوقع أن تصل إلى 2.6 في المئة بما يشبه تناقض المعدلات المتوقعة التي تتحقق على أرض الواقع في الفترة التي سبقت الأزمتين الاقتصاديتين الأهم، سواء الركود الكبير أو الأزمة المالية العالمية. وبناء على تحقيق الولايات المتحدة لمعدل نمو 3 في المئة كمجمل نمو خلال 2018، قلص المكتب القومي للاقتصاد والإحصاء توقعاته للنمو لتصبح 2.1 في المئة فقط خلال 2019، على الرغم من إصرار الإدارة الأميركية على تحقيق معدلات نمو تفوق 3 في المئة خلال العام الحالي. وتبدو تقديرات مكتب الاقتصاد والإحصاء أكثر مصداقية بكثير، خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار تراجع نسب النمو منذ الربع الثاني للعام الماضي، التي بلغت فيه نسبة 4.2 في المئة لتتخذ منحى تنازليا بعد ذلك، من المتوقع استمراره خلال الربع الأول من العام الحالي على الأقل. «جمود» صناعي وفي كل الحالات التي شهدت ركودًا في الولايات المتحدة فإن الاقتصاد وصل إلى الذروة في ربع ثم بدأ في التراجع – غالبا لثلاثة إلى أربعة أرباع – قبل أن تبدأ فترة من النمو السالب قصرت مدتها أم طالت، حيث يتغير «النمو الحدي» (بمعنى إذا ما كان اتجاه النمو تصاعديًا أم تنازليًا) بالسالب وإن بقي رقم النمو موجبًا. لذلك إذا ما استمرت نسب النمو في التراجع في الربع الأول من العام الحالي، فإن هذا سيؤشر بشدة إلى احتمال دخول الولايات المتحدة في فترة من الركود النسبي في الربع الثاني أو الثالث من 2019 إذا ما أكمل الاقتصاد 9 أشهر أو عاماً كاملاً من التراجع. وما يدعم هذا القلق التقرير الذي كشفت عنه «وول ستريت جورنال» حول «الجمود» الذي شهدته أرباح الشركات الأميركية بشكل عام خلال النصف الأخير من العام المنصرم، فضلا عن تجميد بعضها، لا سيما في القطاع الصناعي – خلافًا للتكنولوجيا – لخطط للتوسع انتظارًا لاتضاح الصورة. ووفقًا لغرفة الصناعة الأميركية نمت أرباح الشركات التابعة لها بنسبة لا تتجاوز 1 في المئة خلال نصف العام الثاني من 2018، بينما وصلت النسبة إلى 14 في المئة خلال النصف الأول للعام نفسه، و9 في المئة خلال النصف الثاني لعام 2017، بما يوحي باتجاه نحو «انكماش». نهاية تأثير «المسكنات» وأثار استطلاع للرأي لمركز «بيو»، نهاية مارس الماضي، قلقًا عميقًا في ظل إعراب 54 في المئة من الأميركيين عن اعتقادهم بأن العقود المقبلة ستكون «أسوأ» (في نسبة هي الأعلى منذ عقد تقريبًا)، مقابل 37 في المئة فقط أعربوا عن اعتقادهم باتجاه الاقتصاد نحو التحسن، ولا شك أن مستوى التفاؤل العام مهم للغاية لأنه ينعكس مباشرة في مستويات الاستهلاك والإنتاج. وتتوقع دراسة لجامعة «يل» إمكانية حدوث الركود بنسبة 87 في المئة خلال الربع الثالث أو الأخير في عام 2019، على أن تبدأ نذره قبلها بشهرين على الأقل، وإذا لم تحدث فسيكون الاقتصاد متباطئاً للغاية بمعدلات نمو لا تتعدى 1 في المئة في الربع الأخير على أن يبدأ الركود في بداية 2020. واللافت هنا أن الرئيس الأميركي اقترح إقرار موازنة تبلغ 4.7 تريليونات دولار على اعتبار توقعات الإدارة الأميركية بتحقيق نسبة نمو تتعدى 3 في المئة، ومع نسب نمو أقل فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة عجز الموازنة وبالتالي الدين الحكومي الذي تخطى حد 22 تريليون دولار بالفعل إبان حكم ترامب، بما سيزيد من الضغوط على الموازنة الحكومية وسيجعل استخدامها للخروج من الركود لدى حدوثه أمرًا شبه مستحيل. وترى الدراسة أن ما وصفته بالعلاجات المؤقتة أو «المسكنات» لدفع الاقتصاد للنمو، من تخفيضات ضريبية أو الضغط لخفض سعر الفائدة لم يعد له نتيجة، بسبب وجود عوامل كثيرة منها التشغيل الكامل والحروب الأميركية الاقتصادية والإجراءات الحمائية في أكثر من دولة تدفع الاقتصاد للانكماش، وهو ما سيحدث إن عاجلًا أو آجلًا. (أرقام)
مشاركة :