تحديات تواجه شركات الطيران .. وتحدد قدرتها على المنافسة

  • 4/7/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يعد قطاع الطيران من أكثر القطاعات التي تشهد نموا مطردا من جانب، ومساهمة في الاقتصاد العالمي من جانب آخر، حيث يساهم في الدخل الإجمالي العالمي بما لا يقل عن 2.7 تريليون دولار سنويا. ورغم التحديات الاقتصادية التي تواجه مختلف القطاعات بما فيها قطاع الطيران، فإن هذا الأخير يبقى في مقدمة القطاعات التي يتوقع لها أن تحقق معدلات نمو كبيرة. وبحسب الخبراء، فإن قطاع الطيران في العالم سيحتاج وخلال العقدين القادمين إلى إضافة حوالي 30 ألف طائرة جديدة. ووفقا لخبراء منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو)، فإنه من المتوقع أن ترتفع حركة المسافرين الجوية سنويا على الصعيد الدولي من حوالي 3.3 مليارات راكب سنويا إلى 6 مليارات راكب بحلول عام 2030، كما ستزداد حركة الشحن الجوي من 50 مليون طن حاليا إلى 125 مليون طن خلال السنوات العشر القادمة. ورغم هذه الأرقام الطموحة، فإن قطاع الطيران المدني عليه أن يتعامل مع جانبين مهمين بشكل جاد، الأول هو التحديات الحالية والمتوقعة في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية العالمية، والثاني هو احتدام المنافسة بين شركات الطيران، الأمر الذي يعزز من قاعدة (البقاء للأقوى). الباحث الاقتصادي منذر فيصل يتطرق في دراسة أعدها حول هذا الموضوع إلى أهم التحديات التي تواجه شركات الطيران في العالم، والانعكاسات المصاحبة لهذه التحديات. التكاليف التشغيلية يبتدئ الباحث بأبرز هذه التحديات وهي التكاليف التشغيلية التي تضاف إلى قيمة الطائرة بحد ذاتها. فطائرة ايرباص 380 التي تعد من أكبر طائرات العالم ويصل عدد ركابها إلى 852 راكبا، تبلغ تكلفتها الأساسية 432.6 مليون دولارا أمريكيا إلى جانب الكلفة التشغيلية والخدمات وغيرها. وفي هذا يقول منذر فيصل: الكثير من المسافرين قد لا يكونون ملمين بطبيعة الكثير من هذه التكاليف التي تتحملها شركات الطيران. فكل رحلة جوية تعني كلفة كبيرة تشمل الصيانة المستمرة ورسوم الهبوط ورسوم الطيران والتدريب والخدمات خلال الرحلات والأجور إلى جانب كلفة الوقود. فمثلا، كل شركة طيران تدفع رسوما مقابل الهبوط في أي مطار. وهذه الرسوم تختلف وتتفاوت وفقا لطبيعة المطارات وأهميتها، فهناك مطارات رئيسية ومطارات ثانوية في كل دولة. وبالطابع فإن الهبوط في المطارات الرئيسية أكثر كلفة من الثانوية، لذلك غالبا ما تلجأ شركات الطيران الاقتصادي إلى الهبوط في مطارات ثانوية لتخفيف الكلفة بدل تحمل كلفة المطارات الرئيسية والتي يرافقها تكاليف خدمات أكثر، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار التذاكر والتأثير سلبا على القدرة على المنافسة. وبالتالي تعمد شركات الطيران إلى عدة إجراءات لتخفيض الكلف التشغيلية وإدارة الإنفاق التي تعتبر من أهم التحديات التي تواجهها. وكلما استطاعت أي شركة طيران أن تتعامل بذكاء مع هذا التحدي كانت أكثر قدرة على النمو والمنافسة. ولعل أبرز مثال على ذلك هو الخطوط الجوية السنغافورية التي تأسست عام 1972 والتي تعتبر من أفضل شركات الطيران في العالم. وبحسب تصريحات مسؤولي الشركة، فإن من أسباب نجاحها هو اعتمادهم على خطة واضحة يطلقون عليها (4.3.3)، وتعتمد هذه الخطة ببساطة على تخصيص 40% من الصرف على التدريب، و30% لمراجعة العمليات والإجراءات، و30% لإنشاء خدمات ومنتجات جديدة. وبالتالي تفيد هذه الاستراتيجية في التعامل مع التحديات المختلفة على المدى الطويل. وفيما يتعلق باستهلاك الوقود الذي يعد من أكبر الكلف التشغيلية، نجد أن هناك توجها إلى استخدام طائرات ذات محركات (نيو) التي تعد أكثر اقتصادية وتشمل تحسينات تؤدي في مجملها إلى تخفيض الاستهلاك بنسبة تصل إلى 15%. فهم الشريحة ويواصل الباحث الاقتصادي منذر فيصل طرحه لأهم التحديات التي تواجه شركات الطيران العالمية، مشيرًا إلى أن من التحديات المهمة التي قد لا تنجح الكثير من شركات الطيران في التعامل معها هو فهم الشريحة المستهدفة. ويوضح ذلك بقوله: كل شركة طيران تستهدف شريحة معينة من الزبائن، ولا يمكن لأي شركة أن تدعي أنها تستهدف جميع الشرائح، وبالتالي فإن عدم تحديد الشريحة المستهدفة يعد إشكالية حقيقية تعيق النمو وتحقيق الأرباح والمنافسة عند أي شركة طيران. بشكل عام، الزبائن يبحثون عن ثلاثة جوانب عند اختيار شركة الطيران المناسبة لهم، وهي: السعر المناسب، الراحة، الخدمات. وعندما تعجز أي شركة طيران عن تحقيق أي من هذه الجوانب ستكون خارج المنافسة. فقطاع الطيران يعتبر من أكثر وأسرع القطاعات تطورا، والتنافس المحتدم يزداد يوما بعد يوم خاصة فيما يتعلق بالأسعار، ولا سيما مع دخول شركات السياحة في الميدان. وبالتالي فإنه من المهم أن تفهم شركة الطيران وتحدد طبيعة الشريحة التي تستهدفها وأولويات هذه الشريحة والجوانب التي تركز عليها عند اختيار شركة الطيران. التطوير المستمر وينتقل الباحث منذر فيصل في عرضه إلى التحدي الثالث وهو التطوير المستمر وخاصة تطوير أسطول الطائرات. وفي هذا يقول: باتت شركات الطيران تتنافس في الخدمات التي تقدمها للمسافرين خاصة في الرحلات الطويلة. وهذه الخدمات تتطلب تطويرا مستمرا للطائرات والتجهيزات بما فيها المقاعد ووسائل الترفيه إلى جانب حتى المحركات. وهنا إذا لم تستطع شركات الطيران أن تواكب التطورات المستمرة والتي تلعب دورا كبيرا في اجتذاب الزبائن والعملاء، وإذا لم تستطع أن تعتمد على خطة تحقق نوعا من التوازن بين التكاليف التشغيلية والتطوير المتواصل فإنها ستكون خارج إطار المنافسة. التدريب رابع التحديات -وفقا لهذه الدراسة- هو التدريب الذي يعتبر معيارا مهمًّا في تفوق الشركات. فكل نوع من الطائرات يحتاج إلى مهندسين وطيارين وفنيين بمعايير وخبرات معينة تختلف عن الأنواع الأخرى. وبالتالي فإن شركات الطيران التي لديها تنوع في طائرات أسطولها، يعني ذلك حاجتها إلى عدد أكبر من الموظفين والمهندسين والفنيين، إلى جانب برامج تدريبية أكبر، وهذا ما يعني كلفة أكبر، على عكس شركات الطيران التي تعتمد على نوع واحد أو اثنين من الطائرات، مثل طائرات ايرباص ايه 320 التي تعتبر ثاني أكبر مبيعات في الطائرات، لذلك غالبا ما تلجأ شركات الطيران الاقتصادية إلى تقليص أنواع طائرات أسطولها بهدف تخفيض تكاليف التدريب واليد العاملة، وبالتالي تحقق تكاليف أقل، وأسعارا أفضل للتذاكر. الأمن والسلامة وينتقل الباحث الاقتصادي منذر فيصل إلى الحديث عن تحد آخر لا يقل أهمية عما سبقه وهو الأمن والسلامة، وهذا ما يوضحه بقوله: من أهم جوانب المنافسة والتفوق بين شركات الطيران هو الأمن والسلامة، وهذا ما يعني أن الأسطول الذي يضم طائرات أقدم، يكون أكثر عرضة للحوادث والمشاكل، الأمر الذي يلقي على شركات الطيران مسؤولية التطوير والتحديث للطائرات لتحقيق معدلات عالية في الأمن والسلامة. فكلما حققت أي شركة نسبة أعلى في هذا الجانب استطاعت اجتذاب عدد أكبر من المسافرين وخاصة أن الطيران يعد أكثر وسيلة آمنة، ومن ثم فإن المعايير التي تعتمد السلامة تعد من أهم التحديات التي تواجه شركات الطيران، لأن أي حادث سيئ يؤثر بشكل مباشر على سمعة الشركة وقد تصنف بأنها شركة (غير آمنة)، وخاصة إذا لم تكن أسباب الحادث واضحة. والأمر نفسه ينسحب على شركات تصنيع الطائرات، لذلك على سبيل المثال وجدنا مؤخرا حظرا ليس على هبوط بعض أنواع الطائرات في مطارات بعض الدول، وإنما حظرا أيضا على مرور هذه الطائرات في الأجواء الإقليمية لكثير من الدول وذلك بسبب خلل في التصنيع يتعارض والمعايير الكافية للسلامة وفقا للمنظمات الدولية. شبكة الوجهات جانب مهم آخر يتطرق إليه الباحث وهو ما يضيفه بشبكة الوجهات التي تمثل من أبرز نقاط تفوق وقوة أي شركة طيران، وهي عدد الوجهات والمحطات التي تصل إليها. ونظرا إلى أهمية هذا الجانب في استقطاب المسافرين، برز هناك جانب مهم وهو الشراكة بين شركات الطيران. ولعل من أبرز هذه الشراكات المعروفة عالميا في 2018 هو الشراكة بين الخطوط الجوية الإماراتية وشركة كانتاس الأسترالية. فوفقا لهذه الشراكة أو الاتفاقية، يمكن لعملاء الشركة الأسترالية الاستفادة من 70 وجهة من وجهات الطيران الإماراتي. وبالمقابل يمكن لعملاء الإماراتية أن يستفيدوا من 50 وجهة من وجهات (كانتاس). وبالتالي تشكل هذه الاتفاقية شبكة ضخمة من الوجهات تضمن من جانب عدد محطات أكبر لزبائن الشركتين، ومن جانب تسويق أكبر للأسطولين. نسبة الإشغال تمثل نسبة امتلاء مقاعد الطائرة خلال الرحلة تحديا آخر تواجهه شركات الطيران، فعلى ضوء هذه النسب يمكن معرفة مدى نجاح الشركة ومواطن الخلل. وهذه النسب تحسب على أسس سنوية. وبعض الشركات حققت نسبا عاليا بلغت 81%، الأمر الذي يعطيها مؤشرا على أنها تسير بالطريق الصحيح، وإلا فإن هناك حاجة إلى مراجعة الخطط والخدمات والأسعار وطريقة إدارة الإنفاق بغض النظر عما إذا كانت شركة طيران اقتصادي أو غيرها، فهذا المعيار يرتبط مباشرة بالربحية. وسائل التواصل الاجتماعي جانب آخر يتطرق إليه الباحث ربما يبدو غريبا لدى البعض وهو استغلال شركات الطيران لوسائل التواصل الاجتماعي بالطريقة المثلى. ويوضح ذلك بقوله: من ملاحظاتي في هذا الجانب، ليس كل شركات الطيران تتعامل بالطريقة المثلى مع وسائل التواصل الاجتماعي سواء من حيث الترويج أو الرد على التعليقات والشكاوى والتفاعل مع ما يطرح من قبل العملاء. بل أستطيع أن أجزم أن الكثير من الشركات لا تعرف حتى معنى (التواصل الاجتماعي)، ونجد أن ما يضعه مسؤولوها من تعليقات لا تخدم أحيانا سمعة الشركة، وبالتالي من المفترض ومع تطور هذا الجانب والقدر الكبير الذي باتت وسائل التواصل الاجتماعي تحمله من تأثير ووصول إلى مختلف فئات المجتمع، أن تكون هناك خطط لاستغلال هذا الأمر لخدمة شركات الطيران بالشكل الصحيح. ويخلص الباحث منذر فيصل إلى أن هذه التحديات مجتمعة، تمثل معايير وأسس اختيار أفضل شركات الطيران العالمية. وكلما استطاعت شركة الطيران التعامل مع هذه التحديات حققت معايير أفضل وقدرة أعلى على المنافسة، مع التشديد على مبدأ إدارة الإنفاق كمعيار أساسي ينعكس بشكل مباشر على باقي المعايير ومن ثم على الأداء.

مشاركة :