ماتت أمي.. فمات معها كل شيء!!

  • 4/7/2019
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

هذه الجملة التي عنونت بها مقالي هذا، قد أبكتني ذات يوم، كما أبكت كثيرين غيري، وفطرت معها القلوب، وهي التي كتبها طفل مصري بكل براءة وعفوية في ورقة الإجابة على سؤال في امتحان اللغة العربية للمرحلة الابتدائية حول فضل الأم العظيم، فجاءت إجابته لتجسد أبلغ تعبير عن مشاعر فقد الأم. نعم، حين تغيب الأم تأخذ معها كل الأشياء، إلا شيئا واحدا، هو روحها الجميلة، التي تظل ترفرف من حولك، تشعر بها في كل مكان، تزورك في يقظتك وفي منامك، تؤنسك في وحدتك، تلهمك وجهتك في كل تصرف تقوم به، وتسعد معك في كل نجاح تحققه، وتحفزك عند أي إخفاق تتعرض له، وتشاركك في كل مناسبة تمر بك، مؤلمة كانت أم سعيدة. في كلماته المواسية لي، قال لي أستاذي الفاضل لطفي نصر الذي كان يعلم جيدا مدى تعلقي بأمي رحمها الله، وبخصوصية العلاقة بيننا، إنه يدرك أنها كانت شيئا كبيرا بالنسبة لي، وأنا أقول له، نعم أستاذي هي كانت بالنسبة لي ليست شيئا كبيرا فحسب، بل كل الأشياء، لكنها سُنة الحياة، وعلينا أن نرضى بها، ونتعايش معها، مهما ضعفت قدرتنا على التحمل. منذ ست سنوات، وفي نفس هذا الشهر، رحلت أمي لدقائق معدودات، وذلك أثناء مرافقتي لها في سيارة الإسعاف، حيث أبلغني الطبيب ونحن في طريقنا إلى المستشفى بأنها أسلمت الروح، بعد توقف نبضات قلبها، ثم يشاء القدر أن تبعث إلى الحياة من جديد، بعد إجراء الإسعافات اللازمة، وإجراء عملية قلب مفتوح لها، وكأن الله سبحانه وتعالى أراد لي أن أنعم أنا وإخوتي في كنفها بضع سنوات أخرى، إشفاقا علينا من فقدها، وعلى قلوبنا من الانفطار على فراقها. كم كانت رحمة ربي كبيرة وعظيمة حين جعلني أقرر زيارتها مؤخرا بالإسكندرية موطن ميلادي، وأن أقضي معها أسبوعا قبل وفاتها، لأستقبل بعد عودتي بساعات فقط نبأ رحيلها، بعد تعرضها لنفس الأزمة القلبية، وكأنها كانت تنتظرني لتودعني للمرة الأخيرة. لا أدري هل أشعر بالحزن لأنها فارقت الحياة، وأنا لست بجانبها، أم أحمد الله سبحانه وتعالى على رحمته بي لأنه لم يرد لي أن أمر بتجربة عيش تلك اللحظة القاتلة عن قرب والتي فارقت فيها الحياة، إشفاقا عليّ من شريط ذكريات أليمة، قد لا أقوى على تحمله، يظل يلازمني طيلة حياتي، تماما كما حدث مع والدي رحمة الله عليه، الذي لم يشأ القدر لي أيضا أن أكون بجانبه عند فراقه للدنيا؟ أمي، كم سأشتاق إليكِ، وإلى حديثنا اليومي، وإلى صوتِك الحنون، وصورتِك الجميلة التي تظهر على شاشة هاتفي مع كل اتصال بيننا، سامحيني على أي تقصير، وعلى سنوات الغربة التي أبعدتني عن حضنك، ولكنها لم تأخذني منك قط، فرغم المسافات، إلا أنك كنتِ دوما معي، وبداخلي، وهمي الأول في الحياة. ماما، سأظل أتذكرك طالما حييت، ليس لأنك أمي فقط، بل لأنك كنتِ لي أعظم وأطيب وأحن قلب في الدنيا، حتى أنني أجد نفسي عاجزة الآن عن نعتك أو نعيك، فأنتِ أكبر من كل الكلمات، وأعظم من أي رثاء! يا رب ارحم أمي.. وأسكنها فسيح جناتك.. وألهمني الصبر والسلوان.. حتى ألتقي بها مجددا.. فهذا هو عزائي الوحيد!! ولي كلمة من نعم ربي علينا أنه يهب لنا قلوبا كبيرة وجميلة، تخفف عنا آلامنا وأحزاننا وقت المحن، فشكرا من كل قلبي المفطور على فقد والدتي لكل من ساندني وواساني في هذا الحدث المفجع، سواء بزيارة، أو باتصال، أو برسالة، وأخص بالذكر هنا أستاذي الفاضل أنور عبد الرحمن، ومعلمي الأستاذ لطفي نصر، وكل الزملاء والزميلات بجريدة «أخبار الخليج»، والأهل والمعارف وقرائي الأعزاء، كما أتوجه بشكر خاص إلى صديقاتي الحبيبات اللاتي كانت لهن معي وقفة إنسانية لن أنساها مدى الحياة، والشكر موصول إلى معالي الأستاذة فوزية زينل رئيس مجلس النواب على موقفها النبيل، عسى الخالق أن يبعد عنهم جميعا كل الشرور والأحزان!

مشاركة :