«التغير المناخي» وأثره على «منظومة» ممارسة الرياضة

  • 4/7/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الرياضة تمثل للنسبة الأغلب من المجتمع شغفاً لممارسة مهارة بدنية معينة تؤثر على صحة الأفراد ونمط حياتهم، ويراها كثيرون مؤثراً قوياً على توجهات مجتمعات ودول، فهي مصدر رئيس للدخل في اقتصادات البعض، وذات قدرة على تغيير سياسات وتفاعلات البعض الآخر مع من حولهم، إذ إن ممارستها على المستوى الفردي لا تحتاج سوى لاتخاذ قرار، ولدافع داخلي يحفّز الفرد على الالتزام بنمط حياة ينعكس إيجاباً على صحة ممارسها البدنية والنفسية. هذه النظرة تطرح تساؤلاً مهماً حول احتمالية أن نكون مجبرين يوماً ما على تبديل النحو الذي نمارس عليه الرياضة في وقتنا الحالي وبشكل جذري، أو الاستغناء عن ممارسة أنماط معينة منها كمنظومة مجتمعية بالكامل، أو حصر إمكانية ممارستها على مناطق جغرافية معينة. في نمط الحياة الاعتيادي قد تضطر بعض المناطق في بعض الأحيان إلى الامتناع عن ممارسة الرياضة، سواء بشكل فردي أو جماعي، نظراً لمجابهة ظروف خارجية طارئة مثل الحروب أو الأزمات أو الكوارث الطبيعية، لكن بزوال السبب تعود الأمور لطبيعتها، إلا أنه مع طرح التغير المناخي وتداعياته كأحد أهم المؤثرات والتحديات العالمية حالياً، يبقى التساؤل هنا حول احتمالية اضطرار كل من يعيش فوق هذه البسيطة إلى تغيير منظومة ممارستهم للرياضة. إن تداعيات التغير المناخي من ارتفاع درجات حرارة الأرض وتزايد حدة الظواهر المناخية المتطرفة، والتي ارتفع عددها من 80 ظاهرة في العام في سبعينيات القرن الماضي إلى 400 ظاهرة سنوياً على مستوى العالم -تتسبب حالياً بشكل فعلي في التأثير سلباً على البنية التحتية لمناطق عدة حول العالم، ما يهدد بشكل مباشر المساحات المتاحة لممارسة بعض الرياضات ذات الشعبية العالية عالمياً. ووفقاً لدراسات عالمية متخصصة، تسببت العواصف والأمطار غير الاعتيادية والمتزايدة في اختفاء العديد من المساحات التي كانت مخصصة لممارسة رياضات الجولف والكريكيت، وأنواع أخرى عدة من الرياضات المعتمدة على الساحات الخضراء الواسعة. كما يتسبب الارتفاع المتزايد لدرجات حرارة الأرض -وفقاً للدراسات نفسها- في التأثير على واحدة من أهم الرياضات شعبية عالمياً ألا وهي كرة القدم، حيث تتراجع بشكل دوري فترات التدريب المتاحة للفرق بمعدل أسبوعين إلى ثلاثة سنوياً كما تقل الفترة المتاحة خلال النهار للتدريب، وفي لعبة التنس تم تغيير قواعد مطبقةً منذ عقود، حيث أتيحت الفرصة للرجال للحصول على فترات استراحة خلال بطولة أميركا المفتوحة، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وعدم قدرة اللاعبين على مواصلة اللعب، وفي بطولة أستراليا المفتوحة للتنس تم وضع قواعد جديدة لتحديد الحد التصاعدي لدرجات الحرارة المحيطة بالرياضيين، والتي يسمح باللعب خلالها. أمّا على مستوى المدن والدول، ووفقاً للإحصاءات العالمية، فهناك ما يزيد على 70% من المدن الرئيسة الشاطئية في العالم -تمثل مراكز رئيسة للأنشطة الاقتصادية والفعاليات الرياضية- مهددة على المدى المتوسط بالتعرض لموجات المد البحري وارتفاع منسوب مياه البحر بسبب ارتفاع درجات حرارة الأرض الناتج عن تداعيات التغير المناخي لهذه المدن، وبالتالي ستدمر بنيتها التحتية بالكامل ما يهدد باختفاء وتوقف كافة الفعاليات الرياضية، التي تقام في هذه المدن، وبالأخص المائية من سباقات القوارب، والماراثونات الشاطئية، والسباحة والغوص. إن التعامل مع تحديات التغير المناخي على النحو الصحيح يجب أن يتم عبر منظومة من الجهود المتكاملة لكافة فئات ومكونات المجتمع وفي كافة القطاعات، فلا يمكن أن تلعب الحكومات الدور الوحيد في ذلك، بل يجب أن يتم التنسيق والتعاون والتكاتف الدائم بين الحكومات والقطاعات الخاصة والحكومية، علاوة على جهود الأفراد، كما يجب أن نضع نصب أعيننا الحدّ من مسببات هذا التغير والسيطرة قدر المستطاع على ما نخلفه من بصمة كربونية وغيرها من النشاطات التي تؤثر على البيئة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وتحرص دولة الإمارات وحكومتها الرشيدة على تطبيق هذه الآلية ضمن توجهها العام لتحقيق الاستدامة، واستشراف المستقبل، وخير دليل على ذلك إطلاق وزارة التغير المناخي والبيئة -بالتعاون مع اللجنة المنظمة لدورة الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص في أبوظبي ومجموعة من مؤسسات القطاع الخاص- مبادرة لقياس مستوى البصمة الكربونية الناجمة عن نشاطات وفعاليات الألعاب الأولمبية الخاصة، التي اختتمت بنجاح مؤخراً، والتعويض عن الآثار الناتجة عنها من خلال زراعة أعداد كبيرة من الأشجار، التي ستعمل بدورها على خفض نسب الكربون في الجو وتحقيق نوع من التوازن البيئي.

مشاركة :