أكد الناقد الأدبي الدكتور جابر عصفور أن مجال البحث في تاريخ السرديات العربية قديما وحديثا بات يلح عليه بشكل كبير وأنه يتمنى لو يتفرغ تفرغا كاملا للكتابة عن هذه السرديات العربية في تاريخها الخصب الذي لا يزال دفين المصادر والدوريات القديمة.واستعرض "عصفور" في مقال نشره بمجلة العربي الكويتية في عددها الأخير، جهود الباحثين في الكشف عن أول رواية عربية، ولا سيما رؤية الكاتب الصحفي حلمي النمنم الذي اعتبر أن رواية "حسن العواقب" أو "غادة الزهر" للكاتبة زينب فواز هي الرواية العربية الأولى، وليس محمد حسين هيكل أو محمود طاهر لاشين كما اعتقد الكاتب يحيي حقي في كتابه "فجر الرواية المصرية".قال إن النمنم قد انحاز للكاتبة زينب فواز بوصف عملها "غادة الزهر" بأنها أول رواية عربية، أو أول رواية لامرأة عربية، رافضا اعتبار "غابة الحق" للكاتب فرنسيس مراش العمل الروائي الأول، مبرهنا على ذلك أن فرنسيس قدم "غابة الحق" بوصفها كتاب فقط، بينما قدمت زينب فواز عملها بوصفه رواية، مما يجعل لها الحق في انتزاع صدارة الكتابة الروائية.ويقدم "عصفور" خلال المقال مناقشة هادئة حول اعتبار النمنم لكون رواية زينب فواز هي أول رواية تكتبها امرأة عربية ليعتبره قولا غير دقيق لأن عائشة التيمورية أصدرت روايتها "نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال" عام 1885 فهي في طليعة إسهام المرأة في كتابة الرواية التي كان من الطبيعي أن تجذب إليها الطليعة النسائية خصوصا من حيث هي نوع أدبي مقترن بالوعي المديني الذي يصوغ رؤية جديدة لوضع المرأة في المجتمع.ثم يستعرض "عصفور" جهود الكاتبة أليس بطرس البستاني التي نشرت روايتها الأولى "صائبة" عام 1891 وهي الفترة نفسها التي بدأ فيها جورجي زيدان بإصدار رواياته التاريخية.يستنتج عصفور أن رواية "حسن العواقب " ليست أول رواية تكتبها امرأة بل سبقتها عائشة التيمورية التي ربما تكون جذبت زينب فواز إلى الكتابة القصصية التي استهلتها بـ "حسن العواقب".واعتبر عصفور أن ما يقوله النمنم من أن رواية "غابة الحق" قدمها صاحبها بوصفها كتابا لا رواية مقابل زينب فواز التي تتحدث صراحة عن رواية، اعتبرها مُحاجة شكلية لا تثبت أن "حسن العواقب" هي الأولى" ولا تنفي عن "غابة الحق" أولية الكتابة الروائية.يستعرض عصفور كتابات الباحثين والكتاب التي تتعامل مع كلمة رواية بوصفها تطلق على القصص الطويلة والأعمال المسرحية أيضا، فيقول أن سليم الخوري كتب مقالا في مجلة الضياء عدد 15 أبريل 1899 بعنوان "الروايات والروائيون" وهو مقال يشبه غيره من المقالات الكثيرة الي كانت تستخدم الرواية للدلالة على المسرحية والقصة الطويلة، وأيضا جورجي زيدان كان يستخدم "الرواية" ليدل على أعمال شكسبير وهوجو ودوماس وموليير وظل هذا الأمر على هذا النحو من الخلط إلى أن استقر الاصطلاح بعد الربع الأول من القرن العشرين.ويؤكد عصفور أن رواية فرنسيس المراش" غابة الحق" هي الرواية الأولى –مؤقتا- حتى لو حملت صفحة غلاف طبعتها الثانية كلمة "كتاب"، ويوضح أن معنى الأولية عنده يرتبط بتأثير العمل في مجاله، والاعتراف بالتأثير من قبل معاصريه الذين يقبلون على إعادة طبع العمل مجددا وانتقال الاعتراف عبر الاجيال التالية وانطواء الرواية نفسها على مضمون متقدم بالقياس إلى عصرها من ناحية أخيرة.ويشير باهتمام إلى رأي الكاتب محمد يوسف نجم الذي اهتم بخليل الخوري الذي ألف قصته الاجتماعية "وي.. إذن لست إفرنجي"، ورأي الكاتبة رضوى عاشور التي أشارت لأحمد فارس الشدياق صاحب السيرة الذاتية التي حملت عنوان "الساق على الساق فيما هو الفارياق".والحق أن وجهة نظر الراحلة رضوى عاشور يمكن تقديرها والاهتمام بها، فكتاب الشدياق "الساق على الساق" نشر عام 1885 بالتزامن مع كتاب عائشة التيمورية "نتائج الأحوال"، وهما عملان لهما مكانة مميزة.مختتما كلامه أن القرن التاسع عشر يحوى المزيد من الأسرار عن تاريخ الأدب العربي الحديث وللكشف عنه تفصيلا يكون من خلال صحفه ومجلاته أو دورياته بشكل عام.
مشاركة :