يرى أمريكيون أن بلادهم في تراجع بينما تزداد صحوة التنين الصيني، وكشف مسح أن غالبية المواطنين في الولايات المتحدة يرون أن بلادهم ستكون أقل أهمية في العالم خلال العقود الثلاثة القادمة، وتساءلت «وول ستريت جورنال» في تقرير: هل فات الأوان لمواجهة صعود بكين؟ ربما تكون نتائج المسوح واستطلاعات الرأي ليست بالأهمية التي يمكن التعويل عليها، ولكن هناك إشارات حقيقية بالفعل تظهر تزايد الدور الصيني على كافة الأصعدة سواء السياسية أو الاقتصادية أو حتى العسكرية. انفراط عقد الحلفاء – في مارس، اتخذت الحكومة الإيطالية خطوة مفاجئة ربما حتى للإدارة الأمريكية ودول أوروبا نفسها حيث قررت روما الانضمام إلى مبادرة بكين «الحزام والطريق» لضخ استثمارات في البنية التحتية بالدول المشاركة. – تستهدف إيطاليا جذب استثمارات بكين إلى بنيتها التحتية التي بدت متهالكة بعد حادث سقوط جسر «جنوه» فضلاً عن محاولات إنعاش نموها الاقتصادي، ولكن ذلك ربما يتحول إلى تبعية سياسية من روما إلى بكين. – ليست إيطاليا وحدها، فقد أعلنت ثاني أكبر شركة للشحن في العالم «كوسكو» الصينية الاستحواذ على حصة بنسبة 67% في ميناء «برايوس» اليوناني عام 2016. – تتوقع الصين أن يصبح «برايوس» الميناء الرئيسي لدخول السوق الأوروبي وتستثمر فيه بكين بكثافة كي يصبح بوابة لنقل بضائعها داخل القارة العجوز، كما استحوذت شركة الشحن الصينية على مرفق في ثاني أكبر ميناء بلجيكي. – رغم أن إيطاليا تصدرت عناوين الصحف بتبني مبادرة «الحزام والطريق»، إلا أن هناك دولا أوروبية أخرى أبدت انفتاحاً تجاه بكين، وبدت ملامح ذلك عند زيارة الرئيس الصيني «شي جين بينج» إلى باريس. – أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل” تأييداً لمبادرة “الحزام والطريق”، وعلق ماكرون سابقاً بأن التغيرات في السياسة الأمريكية سوف تقرب من العلاقات بين أوروبا والصين، وربما يمثل ذلك بداية لانفراط عقد الحلفاء مع واشنطن. أخطاء صعدت بالتنين الصيني – هيمنت الولايات المتحدة على «عالم القطب الواحد» لا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واعتبر كثيرون أن واشنطن لا يمكن تحديها، أما اليوم، فالبعض بدأ يسترجع نموذج «بريطانيا العظمى» أوائل القرن العشرين، وهي القوة التي تآكلت مع صعود الولايات المتحدة. – رأى محللون أن أمريكا دخلت في منحنى الهبوط بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة والحروب التي دخلتها واشنطن تباعاً خاصة «حرب اللامنتصر» في أفغانستان والمليارات المهدرة في هذه الحرب وغيرها في العراق. – أسهم هذا التورط في الحروب في بداية منحنى التراجع لأمريكا وصعود التنين الصيني، وفي السنوات القليلة الماضية، تغيرت ملامح التجارة العالمية بفعل الصادرات الضخمة لبكين إلى عدد من دول العالم على رأسها الولايات المتحدة الأمر الذي يهدد ملايين الوظائف. – هناك خطأ ثان ارتكبته أمريكا وهو السماح بدخول الصين إلى المنظومة الاقتصادية العالمية مما أظهر رغبة بكين في التلاعب بقواعد اقتصادات السوق، وظهر ذلك في تصريحات الرئيس الصيني «شي جين بينج» الذي يرى أن القوة الاقتصادية يجب أن تترجم إلى قوة عسكرية وسياسية. – بدا “شي” كما لو أنه يريد نزع أذرع أمريكا العسكرية والتجارية المثبتة في دول شرق آسيا، كما يرى أن «النموذج الصيني» الذي يعتمد على نمو اقتصادي دون تحرر سياسي سيكون بديلاً للديمقراطية الليبرالية الأمريكية. – توسعت الصين في موانئ القارة العجوز وفي آسيا وتستهدف المزيد من السطوة بمبادرة «الحزام والطريق»، وفي المقابل، أنهكت الحروب التي خاضتها أمريكا في العقدين الماضيين اقتصادها وتأثيرها السياسي، وبالتالي، ربما فات أوان مواجهة بكين.
مشاركة :