الخرطوم - يقف الجيش السوداني حتى الآن على مسافة تبدو في ظاهرها أقرب للمحتجين المطالبين برحيل الرئيس عمر البشير ونظامه منه إلى دعم النظام وحمايته من السقوط، في تطور لافت يشير إلى منعطف جديد يلوح في الأفق ويوحي باحتمال تكرار السيناريو الجزائري في السودان خاصة بعد مقتل جندي سوداني وهو يدافع عن المعتصمين. وتقول مصادر إن الجيش السوداني بدأ بالفعل يجري نقاشات داخلية حول مصير البشير، لكن ليس ثمة ما يشير إلى أن المؤسسة العسكرية ستقف في صف المحتجين. لكن وزير الدفاع السوداني الفريق أول ركن عوض محمد أحمد بن عوف أكد أن القوات المسلحة لن تسمح بإحداث "شرخ في القوات المسلحة وإحداث الفتنة بين مكونات المنظومة الأمنية بالبلاد". وأضاف بن عوف وهو أيضا النائب الأول للرئيس السوداني، في بيان بثته وكالة السودان للأنباء أن القوات المسلحة "تقّدر أسباب الاحتجاجات ولكنها لن تسمح بانزلاق البلاد نحو الفوضى ولن تتسامح مع أي مظهر من مظاهر التفلت الأمني". وكانت قيادة الجيش في الجزائر قد اصطفت في البداية مع النظام قبل أن تتراجع وتعلن دعمها للحراك الشعبي ثم انتقلت بعدها إلى دعوة صريحة وشديدة اللهجة طالبت فيها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بالاستقالة وبادر الأخير بعد تلك الدعوة بقليل بإعلان استقالته. ويراهن الرئيس السوداني الذي وصل للحكم في انقلاب عسكري دعمه الإسلاميون قبل ثلاثة عقود، على دعم الجيش في مواجهة أكبر احتجاجات على نظامه، لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن رهانه قد لا يصمد طويلا إذا انقلب الجيش إلى صف المحتجين. وقد يبدو التسليم بهذه الفرضية سابق لأوانه، لكن الأكيد أن قوات الجيش السوداني التزمت إلى حدّ الآن بعدم التدخل لفض الاحتجاجات بل إنها خسرت احد المنتسبين إليها دفاعا عن المعتصمين. ويرى الباحث رولان مارشال المتخصص في شؤون النزاعات في القارة الإفريقية أن "نقاشات مهمة تجري داخل الجيش" لمواكبة التظاهرات المناهضة للبشير، إلا أن لا شيء يشير حتى الآن إلى أن المؤسسة العسكرية قد تميل لجهة المتظاهرين.وفي ظل هذه التطورات دعا "تحالف الحرية والتغيير" المنظم للاحتجاجات في السودان اليوم الاثنين إلى "تواصل مباشر" مع قيادة القوات المسلحة من أجل "تيسير عملية الانتقال السلمي للسلطة". وتضمن البيان الذي تلاه عمر الدقير أحد قادة التحالف خارج مبنى القيادة العامة للجيش حيث يعتصم متظاهرون يطالبون برحيل الرئيس عمر البشير منذ ثلاثة أيام "دعوة القوات المسلحة لدعم خيار الشعب السوداني في التغيير والانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي"، عبر "التواصل المباشر بين قوى إعلان الحرية والتغيير وقيادة القوات المسلحة لتيسير عملية الانتقال السلمي للسلطة إلى حكومة انتقالية". ويقول رولان مارشال "من المعروف أن الرئيس البشير هو الذي عيّن كبار الضباط في مراكزهم، إلا أن لدى هؤلاء عائلات أيضا والعامل الأساسي الذي حرك الأزمة الحالية هو الوضع الاقتصادي". وأشار أيضا إلى أن هناك نقاشات تجري حول الفساد الذي يعم أجهزة النظام وحول الوضع الشخصي للبشير وحول التدخل في اليمن. فقد أرسلت السلطات السودانية إلى اليمن عناصر من قوة الدعم السريع التي لا تشكل جزءا لا يتجزأ من الجيش ولو أنها على علاقة وثيقة به.وفي الثاني والعشرين من فبراير/شباط أقيل النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح من منصبه، مع العلم أنه كان من المشاركين في الانقلاب الذي أوصل البشير إلى السلطة عام 1989. وكان حتى ذلك التاريخ يعتبر الممثل الرئيسي للجيش في السلطة، إلا أن لا شيء يشير حتى الآن إلى أن الجيش سيختار دعم المتظاهرين. لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن السودان دخل بالفعل منعطفا جديدا خاصة وأن المباحثات داخل الجيش تخطت الوضع الأمني إلى وضع الرئيس ذاته وفتحت مسألة رحيل البشير بالفعل للنقاش. لكن الباحث رولان مارشال اعتبر أن هذا لا يعني أن الأمور ستتسارع نحو إجراء انتخابات ديمقراطية. ويفتقر المتظاهرون إلى أطر سياسية والغضب وحده لا يكفي لتغيير الأمور. والعرض السياسي الذي قدمه المتظاهرون ضعيف جدا. وإذا كان الإسلاميون في موقع المتهم فهم لا يزالون أقوياء ومتجذرين اجتماعيا.وفي المقابل أيضا تبقى خيارات الحكومة محدودة للغاية ولا تتوافر في الوقت الراهن إلا على مواجه الاحتجاجات بالقمع. وحتى هذا الخيار ثبت فشله في دفع المتظاهرين للعودة عن قرارهم. ويرى مارشال أن استمرار "القمع الشديد لا يمكن إلا أن يؤدي إلى ردة فعل وعندها سيكون على الإتحاد الأوروبي الخروج عن صمته بعد أن كان موقفه حتى الآن حذرا للغاية لخشيته من الفوضى ومن تدفق المهاجرين ومن استغلال المتطرفين للوضع وقد لا نستسيغ نظام البشير، لكننا على الأقل نعرفه والعلاقة به لا تتخللها المفاجآت". وليس واضحا إلى حد الآن ما إذا كان السودان مقبل على سيناريو مشابه لذلك الذي شهدته الجزائر في الفترة الأخيرة والذي انتهى مبدئيا باستقالة بوتفليقة. ويقول الباحث في القضايا الافريقية "النظامان مختلفان تماما. بوتفليقة كان يحكم البلاد وكأنه رئيس مجلس إدارة يضم ممثلين عن مصالح مختلفة وفصائل تجارية وعسكرية في السودان الأمر يتخذ شكلا آحاديا أكثر وعموديا". وتابع "في الجزائر كان هناك رئيس عجوز ومريض في الثالثة والثمانين من العمر، في حين أن البشير لا يزال في الرابعة والسبعين ولا ينقصه النشاط والحيوية، إلا أن الصحيح أن المتظاهرين السودانيين يريدون الاستفادة من النضج السياسي الذي كشف عنه الجزائريون". وقال وزير الداخلية السوداني بشارة جمعة أمام البرلمان اليوم الاثنين إن ستة أشخاص قتلوا في العاصمة الخرطوم خلال احتجاجات على مدى يومي السبت والأحد، بينما قتل شخص آخر في إقليم دارفور بغرب البلاد، مضيفا أن 15 مدنيا و42 من قوات الأمن أصيبوا في الاحتجاجات. وذكر أن 2496 محتجا اعتقلوا في الخرطوم.
مشاركة :