أثار انحياز وكالة الأناضول الواضح لحزب العدالة والتنمية الحاكم خلال الانتخابات البلدية، شكوكا حول موضوعيتها ومصداقيتها رغم تاريخها الطويل، وبدأ التساؤل عن كيفية سيطرة الحزب على وكالة الأنباء الوطنية على مدى 17 عاما. أنقرة - وضعت الانتخابات التركية الأسبوع الماضي، سلوك وكالة الأناضول للأنباء الحكومية، تحت المجهر باعتبارها المصدر الرئيسي للنتائج، وأثارت الوكالة الشكوك مع ارتباكها في التعامل مع حقيقة لا تصب في صالح حزب العدالة والتنمية الحاكم. وأظهرت النتائج التي نشرتها الأناضول -الوكالة الإخبارية والمؤسسة الإعلامية التي تديرها الدولة- ليل الأحد 31 مارس الماضي، مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم في إسطنبول، بن علي يلدريم، في الصدارة. لكن عندما بدا أن الأوضاع توشك أن تتغير، مع اقتراب أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي، من اقتناص الصدارة، توقفت الوكالة فجأة عن بث التطورات، وظلت البلاد على أحر من الجمر لأكثر من 12 ساعة. وفي الصباح التالي، قال رئيس المجلس الانتخابي إن الفرز أظهر تقدم إمام أوغلو على يلدريم. وأشار منتقدون للحكومة إلى أن المدير العام لوكالة الأناضول، شينول كازانجي، توقف عن نشر النتائج المحدثة بناء على طلب حزب العدالة والتنمية. وأثارت المحاباة الواضحة للحزب الحاكم في ليل يوم الانتخابات سؤالا مهما: كيف تغيرت وكالة الأنباء الوطنية على مدى 17 عاما من حكم حزب العدالة والتنمية؟ ويعود تاريخ وكالة الأناضول إلى ما قبل تأسيس الجمهورية في عام 1923. فقد تأسست في السادس من أبريل من عام 1920، وكانت شاهدا على الحرب والإصلاحات الثورية التي طُبقت بعد تأسيس الجمهورية. شينول كازانجي مدير وكالة الأناضول الجديد كان صديقا لبلال نجل أردوغان منذ أن كانا في المدرسة الثانوية وحصلت وكالة الأناضول على وضع مستقل في الأول من مارس 1925، وما زالت تعمل رسميا كمؤسسة مستقلة. غير أن موظفي الوكالة يُنظر إليهم على أنهم مسؤولون تابعون للدولة، وبعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، سرعان ما أصبحت الوكالة ذراعا للحزب الحاكم. وتندرج ميزانية الوكالة في ميزانية المديرية العامة للصحافة والإعلام. وأعلنت الوكالة تكبد خسائر بقيمة 65 مليون ليرة (34 مليون دولار) في عام 2011 و105 ملايين ليرة (49 مليون دولار) في عام 2013، وتم تحويل 112 مليون ليرة من ميزانية المديرية في العام التالي لسد العجز. وتلقت الأناضول في الأعوام الثلاثة حتى 2014، ما يبلغ 386.9 مليون ليرة من المديرية العامة للصحافة والإعلام، لكن في 2013 فقط سجلت دخلا إجماليا بقيمة 28.5 مليون ليرة من الاشتراكات. وأظهر تقرير حكومي في 2015 بشأن أنشطة المديرية أن 70 بالمئة من ميزانيتها للمؤسسات ذهبت إلى وكالة الأناضول خلال السنوات الثماني السابقة، بإجمالي 715 مليون ليرة. ويتم إنفاق تلك الميزانية على سداد أجور الكتيبة الهائلة من موظفي الوكالة، والذين يتجاوز عددهم 3000 شخص، وهم منتشرون في مختلف أنحاء العالم. لكن لا بد من أن هناك التزامات تأتي مع هذا التمويل الاستثنائي الذي تحصل عليه الأناضول، ويعتقد الكثيرون أن الوكالة أصبحت امتدادا للحزب الحاكم. في عام 2015، أزالت الوكالة اسم مصطفى كمال أتاتورك، الزعيم العلماني الذي أسس جمهورية تركيا والكثير من مؤسساتها، بما في ذلك وكالة الأناضول، واعتبر ذلك علامة على تحولها صوب الحزب الإسلامي الحاكم. ووجه مراد أمير عضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري، في العام نفسه، سؤالا في البرلمان يطلب ردا على مزاعم تفيد بأن المرشحين لوظائف في الأناضول واجهوا أسئلة لتحديد توجهاتهم السياسية وأن التعيين جرى بناء على ذلك. وكانت بواعث قلق المعارضة بخصوص وكالة الأناضول شديدة بالفعل منذ تعيين كازانجي مديرا عاما لها في عام 2014. وكازانجي معروف بأنه رجل الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث كان يعمل كصحافي في صحيفة يني شفق اليومية المؤيدة للحكومة قبل أن يصبح أحد كبار مستشاري أردوغان عندما كان رئيسا للوزراء في 2011. بل إن الصلة بين المدير الجديد وأردوغان تعود إلى زمن أبعد، حيث كان كازانجي صديقا لبلال نجل أردوغان منذ أن كانا في المدرسة الثانوية. وأثارت الوكالة القلق مرة أخرى العام الماضي، بعدما بدا أن قناة تلفزيونية مؤيدة للحكومة تنشر نتائج انتخابات حصلت عليها من وكالة الأناضول قبل خمسة أيام من التصويت. وقالت وكالة الأناضول إن النتائج التي نشرت كانت محاكاة للتوقعات لكن محمود تانال العضو في حزب الشعب الجمهوري ندد بالوكالة واتهمها “بمحاولة التأثير والتلاعب بنتائج الانتخابات عن وعي وعن قصد”. قبل أشهر من الانتخابات المحلية، أثار سياسيون من المعارضة شكوكا جديدة حول موضوعية الوكالة. وزعم ياسين أوزتورك النائب عن الحزب الصالح، اليميني الوسطي، في البرلمان أن بطاقات هوية وكالة الأناضول جرى توزيعها على أعضاء جناح الشباب في حزب العدالة والتنمية. المحاباة الواضحة للحزب الحاكم تثير سؤالا مهما: كيف تغيرت وكالة الأنباء الوطنية على مدى 17 عاما من حكم حزب العدالة والتنمية؟ وتعززت مزاعم أوزتورك ليل يوم الانتخابات، عندما توقف فجأة نشر تطورات الفرز بوكالة الأناضول الساعة 11:21 مساء. وظهرت سريعا شائعات تفيد بأن مسؤولي حزب العدالة والتنمية في مراكز الاقتراع يغذون الأناضول بالبيانات من نظام يستخدمه الحزب لمراقبة النتائج. وذكرت تقارير أن تحديثات الوكالة توقفت عندما انهار هذا النظام في إسطنبول. وقال موظف بالوكالة طلب عدم الكشف عن هويته في حديث لموقع “أحوال تركية” إن المصدر الدقيق للبيانات ليل يوم الانتخابات ظل غامضا بالنسبة للموظفين، لكن الوكالة كانت على اتصال وثيق بمسؤولي حزب العدالة والتنمية طوال الليل. وتساءل الموظف بالوكالة “المصدر الأول هو بالطبع حزب العدالة والتنمية. إذا لم تتلق الوكالة بياناتها من المجلس الأعلى للانتخابات، فمن أين تحصل عليها إذن؟”. وأفاد سادي غوفين رئيس المجلس الانتخابي صباح اليوم التالي للانتخابات بأن الوكالة لم تكن تحصل على بيانات من المجلس وأنه ليست لديه أي فكرة عن مصدر البيانات التي حصلت عليها. وكشف الموظف بوكالة الأناضول لموقع أحوال تركية “أعتقد أن (الوكالة) تحصل على معلوماتها من المقار الإقليمية لحزب العدالة والتنمية”. وأضاف “لا تملك الوكالة القوة البشرية الكافية لنشر مراسل عند كل صندوق اقتراع… المراقبون التابعون لحزب العدالة والتنمية يأخذون أعداد الأصوات ويرسلونها إلى المقار الإقليمية”. وأضاف أن هذا يفسر تقارير الوكالة التي أظهرت أن حزب العدالة والتنمية في الصدارة بفارق كبير من بداية الفرز، فالبيانات التي أرسلها مسؤولو الحزب أولا جاءت من المناطق التي يتمتع فيها بأكبر قدر من الدعم.
مشاركة :