يقول المثل الإنجليزي: بأس الجحيم أخف من بأس امرأة غاضبة. وهذه عرفها الرومان عين الحق لما أسخطوا الملكة بوديكا، فلما توفي زوجها زعيم قبيلة من قبائل الكلت البريطانية ظن الرومان أن الكلت ضعفوا وصاروا منالاً سهلاً، فضموا بلادهم إلى الإمبراطورية الرومانية المهيبة ونهبوا ماله ومال أهله، فلما اعترضت بوديكا لم يعرها الرومان أي احترام دبلوماسي، بل جلدوها علناً ودنسوا شرف بناتها، وعرف الرومان عما قريب فداحة خطئهم. استنجدت الأم المكلومة ببقية قبائل الكلت فوفوا لها، وقادت جيشاً وهجمت على مستعمرة كولشستر فنحرت أهلها عن بكرة أبيهم ثم أحرقتها. لما وصل الخبر للرومان وجهوا لها الفيلق الروماني التاسع - من أقوى الجنود المدربين - فنصبت لهم كميناً وقتلت 1500 من صفوتهم. اقتربت بوديكا من لندن، ففر الوالي الروماني وقواته، وكان قراراً حكيماً، ذلك أن بوديكا لما وصلت قتلت أهل المدينة وأحرقت لندن، والآثار لا تزال موجودة، وقد وجد المنقبون طبقة سميكة من الرماد سمكها متر كامل! أخافت بوديكا الرومان، هذا وهم الجيش الأسطوري الذي أرعب العالم بعنفه وكفاءته، وكتب المؤرخ الروماني تاسيتوس عن بوديكا وقومها: "كانوا يتحرقون لضرب الأعناق والشنق والحرق والصلب"، وتكاد تستشعر الرعب في كلماته وهو يُقدِّر ضحاياها من قومه الرومان بما لا يقل عن 70 ألفاً. انتصر الرومان أخيراً على جيش بوديكا والتي فضلت شرب السم على الأسر، فكان ذلك انتصاراً أخيراً لها عليهم وقد كانوا يتمنون القبض عليها فاغتاظوا غيظاً شديداً، وحكم الرومان بريطانيا 3 قرون أخرى وهم يتناقلون قصة المرأة الأسطورية التي هزمتهم وكادت تُجليهم عن الجزيرة البريطانية كلها. قد قيل: اتق شر الحليم إذا غضب. وسنغيرها إلى: اتق شر الحريم إذا غضبن!