ليبيا و«التغريد» خارج السرب

  • 4/11/2019
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

نستطيع أن نسمي الازمة الليبية الحالية بـ «الخارجة عن السرب»، كونها تختلف عن أي دولة أخرى في ما يسمى بـ «الربيع العربي»، فهي بعكس كل دول «الربيع العربي» الرئيسة (تونس ومصر وسورية)، إذ إن أزمتها مختلفة بالأحداث والنتائج؛ ففي مصر وتونس تنحى أو نحّي الرئيسان حسني مبارك وزين العابدين بن علي، ثم سُلمت السلطة في مصر للجيش، بينما تونس تولى أولا النائب الأول ثم رئيس النواب حتى تم إجراء انتخابات عامة. في سورية بدأت المظاهرات سلْمية ثم انقلبت إلى صراع عسكري تدخلت فيه قوى دولية وشرق أوسطية وعربية متعددة، إما بدعم للمعارضة أو بطلب من النظام، والفارق بينهم وبين الليبيين أن الرئيس السوري لم يسقط في هذه الحرب. استطاع الثائرون في ليبيا أن يقبضوا على الرئيس معمر القذافي وأن يعدموه بطريقة بشعة، لتتحول البلاد بعدها إلى بؤر متفجرة تتصارع فيها ميليشيات عدة على رغم أنهم أجروا انتخابات، إلا أن الإسلاميين وبدعم من دول خارجية استطاعوا أن يسيطروا على البرلمان بالقوة وأن يفرضوا أجندتهم. الضابط المتقاعد خليفة خفتر رفض سياسة الإسلاميين، وقبل أيام أعلن عن عزمه القيام بتوحيد ليبيا، وانطلق من بنغازي التي يسيطر عليها تماماً متجهاً إلى طرابلس، وأعلن بعدها أنه سيطر على المطار، فيما نفت حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج ذلك. من دون ريب لا أحد يريد الحرب، ومن المؤكد أن سكان طرابلس لا يريدونها لأنهم متضررون في كل الحالات، لكن المهم في الموضوع هو أن النتيجة التي ستفضي إلى طرد الاسلاميين ستكون أفضل بكثير على المدى الطويل من أن يقبعوا تحت أنفاس متعصبين فارضين أجنداتهم «الداعشية». هل خليفة حفتر هو الرجل المناسب؟ ربما نعم وربما لا، لكن المؤكد أنه أنسب من الإسلاميين الذين لا يهمهم نمو البلد بقدر اهتمامهم بمطاردة الناس في خصوصياتهم الاجتماعية وأفكارهم بل وحتى طريقة هندامهم. كان القذافي جاثوماً هائلاً على أفئدة الليبيين لمدة 40 عاماً أو أكثر، وبالتالي كانوا يستحقون الكثير بعد هذا العذاب لا أن ينتقلوا من ديكتاتور مضطرب الشخصية إلى أناس يقتاتون من العنف وامتصاص دماء الأبرياء. يرى الدكتور أستاذ جامعة السوربون الفرنسية مدير مركز أبحاث ودراسات العالم العربي ودول المتوسط حسني عبيدي في حوار أجرته معه دينا البسنلي لصحيفة دوتشه الألمانية باللغة العربية، أن التحرك العسكري لحفتر من مدينة بنغازي نحو مدينة طرابلس هو بداية لتحرك يُعيد للأذهان زحف القذافي قديماً من طرابلس نحو بنغازي، مع اختلاف أساسي وهو تناقض وضبابية الموقف الأوروبي الحالي، مسترسلاً: «أن الجزائر كانت تعيق تحرك حفتر قبل ذلك، وبانشغال حكومتها بالوضع الداخلي سنحت له الفرصة الآن»، ويبدي عبيدي قلقه من عواقب استهداف طرابلس عسكرياً على الدول المجاورة، ويقول: «طرابلس قريبة جداً من تونس ولدى ليبيا حدود مع الجزائر، وبالتالي ستكون التداعيات الأمنية والإنسانية على الدول المجاورة خطرة جداً، فالإرهاب الذي يريد حفتر أن يقاومه سيكون أقوى، فضلاً عن أزمة لاجئين ستترتب على هروب المدنيين من العمليات العسكرية بحثا عن النجاة». أظن أن الدكتور عبيدي يبالغ، فالحلول السياسية في ليبيا فشلت على مدار السنوات الأخيرة، والإسلاميون لن يقبلوا التفاهم بالحوار، خاصة إذا كانوا يملكون حصة باليد، وبالتالي فلا مجال أمام حفتر إلا الحلول العسكرية أو على أسوأ الظروف الحصول على مكاسب تردفه قبل مؤتمر للمصالحة الوطنية تحت إشراف الأمم المتحدة. الغرب تحديداً كعادته يطلق تصريحات يؤكد فيها «هلعه» من الحروب، بينما هو من يوقدها، وهذا نفاق سياسي مفضوح، خاصة أنهم إجمالاً ضد الإسلاميين الذين يحاربهم الجنرال المتقاعد، ثم لماذا يكون الإرهاب اقوى إذا حاربته، أم أنها سفسطة أكاديمية؟ أما قضية الأمن والناس واللاجئين فهي «مُرّة» من دون شك، لكن الإرهاب الذي يعيشونه أكثر مرارة. الخوف كل الخوف من أن يتدخل الغربيون ومن ثم يتركون الأمور معلقة كما هي عليه الآن، بحيث تنقسم ليبيا بين قوتين رئيسيتين، بينما وحدتهما رغماً عن التضحيات هي حل أفضل.

مشاركة :