من المتوقع أن يشهد موسم دراما رمضان المقبل اختفاء لعدد من الوجوه الكبيرة لممثلين درجوا على الحضور، مع احتكار شركة واحدة للكثير من الأعمال وتغليبها للعلاقات الشخصية على جودة المضمون الفني، ما أدّى إلى نشوب معركة إنتاجية طالت الأجور، فضلا عن جنوح بعض كتاب السيناريو إلى قصص شبابية تتناول الأبطال الخارقين ومفتولي العضلات، وهو ما جعل بطولة أدوار كبار السن هامشية. القاهرة – ارتبطت أسماء فنانين كبار بالموسم الرمضاني على مدار الأعوام الماضية، مع سعي شركات الإنتاج الفني لاستقطابهم باعتبارهم الدجاجة التي تبيض ذهبا، فمجرد وجودهم يجذب جمهورا عريضا من المعلنين والجمهور، بصرف النظر عن نوع القصة وجودتها، قبل أن تتغير المعادلة في دراما رمضان المقبل والتي تشهد غيابا جماعيا لنجوم كبار لأول مرة. احتكار وشروط يغيب عن السباق الرمضاني معظم الوجوه المعتادة مثل عادل إمام يحيى الفخراني ويسرا وإلهام شاهين وليلى علوي وغادة عبدالرازق وميرفت أمين، لأسباب مالية وتسويقية وضعف مستوى القصص المقدمة، وتركيزها على جوانب شبابية صرفة تجعل أدوار كبار السن هامشية تتناسب مع الصف الثاني والثالث من الفنانين. ويبلغ عدد المسلسلات المصرية التي يجري تسويقها للسباق الرمضاني نحو 15 عملا، وربما ينخفض العدد مع إعلان الكثير من المخرجين عن بدء التصوير في وقت متأخر، ما يجعل الوقت ضيقا أمامهم لإنهاء أعمالهم. ووجد البعض من المخرجين أنفسهم في أزمة مع القيود التي وضعتها شركة “سينرجي” للإنتاج على ميزانية الأعمال المعروضة للمرة الأولى، مشترطة ألّا تتجاوز تكلفة العمل بالكامل 4 ملايين دولار، وتخفيض أجور الممثلين من المشاهير إلى الربع. تحتكر “سينرجي” إنتاج نحو 70 بالمئة من الأعمال الدرامية الرمضانية مع تركيز على البطولة النسائية مثل “البرنسيسة بيسة” للفنانة مي عزالدين، و”الملكة” لياسمين عبدالعزيز، و”حكايتي” لياسمين صبري، وتنويع مستمر في الأبطال الذين تعتمد عليهم وأغلبهم شباب. ويدخل النجوم الكبار تاريخهم الفني في معادلة احتساب الأجر، ويعتبرون أسماءهم علامات تجارية يجب تقديرها ماليا، عكس الشباب الراغبين في استكمال عرش النجومية، ولو على سبيل التضحية بالمنفعة المالية العاجلة، مقابل منفعة أكبر مستقبلا. وصب تخفيض أجور الفنانين لصالح مجموعة “مسرح مصر” التي تشارك في نصف الأعمال الدرامية، مثل مصطفى خاطر في “طلقة حظ”، وعلي ربيع في “فكرة بمليون جنيه”، وحمدي الميرغني في “سوبر ميرو”، وكريم عفيفي في “ولد الغلابة”، ومحمد عبدالرحمن في “الواد سيد الشحات”، وأوس أوس في “هوجان”، وبيشوي طاهر في “البرنسيسة بيسة” ومحمد أنور في “كلبش 3”. ولم ينج من مقصلة تخفيض الأجور سوى أحمد السقا الذي حصل على 2 مليون دولار تقترب من نفس المبلغ الذي تلقاه في آخر أعماله الرمضانية، بعدما لجأ إلى الإنتاج والتوزيع العربي بتعاقده مع المنتج اللبناني صادق الصبّاح، على مسلسله الجديد “ولد الغلابة” وعرضه على قناة “أم.بي.سي” السعودية. وقال الناقد طارق الشناوي “شركة سينرجي باتت تملك محبس التوزيع والإنتاج أو المنبع والمصب، وصارت مالكة لكل أطياف الحياة الإعلامية، فهي تنتج أغلب الأعمال الدرامية لحسابها وتحتكر تقريبا أهم منافذ العرض بما يؤكد فلسفة القبضة الواحدة”. خرج من السباق الرمضاني عادل إمام الذي كانت من المقرر مشاركته في مسلسل “فلانتينو” وتم تأجيله إلى أجل غير مسمى لأسباب متضاربة، تترواح بين مشاكل تواجه مخرجه ومنتجه رامي إمام، وانشغال مؤلفه أيمن بهجت قمر عن استكماله وارتباطه بعقود أخرى. واجه مسلسل “حدوتة مرة” للفنانة غادة عبدالرازق المصير نفسه، والذي توقف لأسباب بيروقراطية، ولم يستطع القائمون عليه الحصول على تصاريح من قبل الجهات الرسمية للسماح بالتصوير داخل بعض المنشآت الرسمية الحيوية، ما جعل الجهة المنتجة تؤجل التصوير إلى ما بعد الموسم الرمضاني. وتشير المقاطع الدعائية للأعمال الدرامية في رمضان، إلى افتقارها للتنوع الكبير الذي اتسمت به خلال السنوات العشر الأخيرة، من قصص كوميدية واجتماعية وتراجيدية وتشويق وحركة، والعودة إلى الوصفة القديمة في الحديث عن الثأر ورجال الأعمال الفاسدين والثري الوسيم متعدد الزيجات، والشاب الفقير الذي يواجه الظلم بالصبر. ويقول بعض النقاد إن الأجواء الحالية تجعل الدخول إلى دهاليز السياسة والحديث عن الظلم الاجتماعي غير مستحبة، وتدفع بكتاب السيناريو إلى الوصفات التي لا تثير مشكلات أو يساء تأويلها، فوجدوا ضالتهم في عوالم الرياضة والأبطال الخارقين وقصص الحب التقليدية بين بنت غنية وشاب فقير ومكافح، رغم اقتراب فكرتها أكثر إلى شاشة السينما. ويقدم ياسر جلال دور الملاكم المطارد من العصابات، بعد رغبته في التوبة من عالم الجريمة في مسلسل “لمس أكتاف”، ومحمد إمام يقوم بدور الشاب الشعبي مفتول العضلات الذي يسحب سيارات بيده ويثني العملات المعدنية بأصابعه ويأكل الزجاج في “هُوجان”، وإيمي سمير غانم تؤدي دور صحافية بطلة تمتلك قدرات استثنائية شبيهة بأبطال “هوليوود” في “سوبر ميرو”. يحاول كتاب السيناريو اجتذاب شريحة جديدة من الجمهور الشاب صغير السن لأعمالهم، باعتبارها فئات عمرية مهووسة بعالم العضلات والقوى البدنية، وساهم المخرجون في ترسيخ تلك الرؤية بإجبار أبطالهم على ممارسة ألعاب المصارعة وحمل الأثقال حتى تظهر أجسادهم بصورة تناسب طبيعة الأدوار. وتؤكد الناقدة الفنية ماجدة موريس أن موسم رمضان هذا العام سيشهد خروج العديد من الشركات المشهود لها بإنتاج أعمال مميزة والاعتماد على ممثلين من فئة الكبار ذوي القدرات الفائقة، في ظاهرة غريبة تثير علامات استفهام حول شبهة احتكار من قبل “سينرجي” في سوق العرض الدرامي بمصر، واختيار فريق بعينه للعمل واستبعاد آخر بحكم العلاقات. وخرجت شركات كبرى من الإنتاج خلال الموسم الرمضاني مثل “العدل غروب” التي تنتج أعمال يسرا ونيللي كريم، ومجموعة فنون مصر وشركة “ماغنوم” التي تتولى الإنتاج لعادل إمام من السباق، واكتفى منتجون بعمل واحد فقط، حيث يشارك محمد السبكي بمسلسل “سوبر ميرو” لإيمي سمير غانم، وممدوح شاهين بـ“الزوجة الـ18” لحسن الرداد، ومحمد مشيش بإنتاج “زي الشمس” لدينا الشربيني. وأضافت موريس، لـ“العرب”، أن مناخ الإنتاج الدرامي في مصر أصبح محبطا بسبب الاحتكار الكبير، ويبحث الفنانون حاليا عن شركات عربية تتولى الإنتاج والتوزيع لهم مستقبلا، فموسم رمضان يفتح باب الرزق لعدد كبير من المواطنين في مهن متعلقة بالدراما، بداية من الممثلين المشاهير وحتى أصغر العاملين في التصوير والديكور. وربما فقدت الأسماء الكبيرة جزءا من وهجها بعد نجاح البطولات الجماعية في اقتناص مساحة من قلوب وعقول المشاهدين فمسلسل “أبوالعروسة” الذي حقق أخيرا نجاحا كبيرا، وهو من بطولة سيد رجب الذي لا يزال من رموز الصف الثاني، لكن جودة القصة التي تدور حول المشكلات المثارة داخل الأسرة بين الآباء والأبناء واقترابه من الواقع المعيش كان سببا في نجاحه. وأوضح الناقد الفني أحمد سعد، أن أعداد الأعمال الدرامية في العام الحالي تعادل نصف مسلسلات العام الماضي، والمشكلة سببها أن السواد الأعظم منها تم البدء في تصويره مع فبراير الماضي، ما يضاعف من صعوبة اللحاق بموسم رمضان لدى بعضها. وأشار لـ“العرب”، إلى أن انخفاض عدد المسلسلات قد يكون أمرا صحيا، فالمشاهد لا تمكنه متابعتها كلها، وكثرة أعدادها ربما تظلم الجيد منها لمجرد عرضه في أوقات غير مناسبة، لصالح أعمال أخرى فكرتها بسيطة لا تتجاوز الساعة ونصف الساعة يتم تمطيط أحداثها إلى 23 ساعة، لتكفي 30 يوما من أجل أهداف إنتاجية بحتة.
مشاركة :