عد الخبير والمستشار الأسري عبدالرحمن القراش، إجراء فحص المخدرات والنفسية من الواجبات الضرورية؛ إذ إن الزواج مشروع إنساني هادف ليس بالشيء الهين بل هو حياة وأسرة تقود في النهاية إلى تأسيس مجتمع؛ لذلك ينبغي تحصين هذا الزواج ضد كل ما من شأنه زعزعة أمنه واستقراره. وأضاف "القراش": ثبت بالفعل من خلال الواقع الذي نعيشه مدى الحاجة إلى إجراءات مبكرة قبل البدء في مشروع الزواج، ومن أهمها التحاليل الطبية للأمراض والمخدرات وكذلك الكشف السلوكي والنفسي، والهدف منها هو حماية الأسرة التي هي في الأساس البذرةُ الأولى في بنيان أي مجتمع، وما دام الرجل والمرأة واثقان من نفسيهما؛ فلماذا يخشى أحدهما من إجراء تلك التحاليل؟ وأردف "القراش" أن الحياة تطورت كثيرًا، والمجتمع لم يعد محدودًا كما كان من قِبَل، وما كان لا يصلح أو غير مستساغ في الماضي؛ فإنه أصبح ضرورةً ملحة في الوقت الحالي؛ حيث كثرت المشاكل الأسرية المرتبطة بالأمراض الوراثية أو المعدية، وكذلك مشاكل المخدرات المفضية للأمراض النفسية التي أصبحت تمثل أحد معاول الهدم التي تهدد استقرار الأسرة؛ وبالتالي بات إجراء تلك التحاليل ضمن تحاليل ما قبل الزواج أمرًا لا بد منه، ومن يرددون أنه سوف يشكل إحراجًا للشاب أو الفتاة المقـدمان على الزواج؛ فإنه قول يجانبه الصواب؛ لأن إحصائيات الطلاق الناتج عن تلك الأمراض كَثُرت بشكل مخيف. واستطرد: ومهما قلنا فإن الغالبية العظمى من الشباب والفتيات ما زالوا بخير باستثناء تلك القلة التي أغواها الشيطان للمخدرات، أو كانت تعاني من أمراض سلوكية ونفسية؛ إلا أن وجود تلك التحاليل ستحمي الطرفين من الوقوع ضحية لطرف أخفى الحقيقة؛ وبهذا الأمر نكون قد حققنا أكثر من هدف. وتابع "القراش": ومن أهمها أننا نكون قد حاصرنا مشكلة التعاطي؛ لعلاجها مبكرًا، وحافظنا على استقرار الأسرة؛ فضلًا عن حماية الشباب من الجنسين الذين هم عماد الوطن ومستقبله الزاهر. وأردف: وحتى لا يشعر الشاب أو الفتاة المقـدمان على الزواج بالحرج من إجراء تلك التحاليل؛ فإنه ينبغي أن تكون تلك التحاليل إجبارية ومن ضمن الشروط التي يستلزمها عقد الزواج؛ أما لو كانت اختيارية؛ فإنه في هذه الحالة سوف يكون بالفعل هناك نوع من الإحراج. وأكد أنه لا بد أن نؤمن أنه قد يكون هناك نوع من المعارضة للفكرة في البداية؛ شأنها شأن أي شيء جديد مثلما حدث في الفحص الطبي قبل الزواج عندما تم إقراره؛ أما الآن فقد أصبح شيئًا طبيعيًّا. وقال لمن يعترضون على الفكرة: إن هناك بعض المهن التي تشترط على ممارسيها عدم تناول المواد الكحولية أو تعاطي المخدرات، كما تُجرى لهم فحوصات دورية للوقوف على تأهيلهم وتهيئتهم النفسية والسلوكية؛ كالطيارين على سبيل المثال؛ فإذا كانت هذه هي الحال بالنسبة لمهنة من المهن؛ فما بالكم بالزواج؟! أليس من الواجب تحصين الأسرة من مخاطر تلك الأمراض المدمرة؟ وتابع: لذلك يجب أن نؤمن بأن هناك أعدادًا كثيرة من قضايا الطلاق التي تنظرها المحاكم وتكون المخدرات والأمراض النفسية والانحرافات السلوكية السبب الرئيسي فيها؛ حيث تُـفاجأ الفتاة أو الشاب بعد زواجهما بأن الطرف الآخر يعاني من مشلكة ما وتم إخفاؤها؛ فتتعرض حياة المتضرر لانتكاسات خطيرة تفضي في نهاية المطاف إلى الطلاق، مع ما يترتب عليه من تدمير لبنيان الأسرة بالكامل، ويصبح مستقبله وأبناؤه في مهب الريح. وبين أنه لوكان كل طرف على دراية منذ البداية بأن الطرف الآخر لديه مشاكل صحية أو سلوكية أو إدمان؛ فلا شك أنه وأهله سوف يرون أن بقاءه عازبًا في منزلهم من غير زواج أفضلُ من اقترانه بشخص يحوّل حياته إلى جحيم. وقال لمن لديهم اعتراض على إجراء التحاليل بذريعة أنها مكلفة لخزينة الدولة ماديًّا: هل تقبلون أن يرتبط أحد أبنائكم أو بناتكم بطرف مدمن أو مريض نفسي؟ أظن أنه ليس هناك إنسان يرضى بذلك. واختتم حديثه مرحّبًا بتعميم فكرة التحليل على كل من يتقدم للجامعة أو الوظيفة المطلوبة؛ متمنيًا أن يكون هناك بعد التوظيف تحليل كل عام بشكل مفاجئ للدائرة التي يعمل فيها المنتسبون، والأخذ بالأسباب اللازمة، مع مراعاة عدم فصل مَن تثبت لديه حالة الإدمان أو المرض؛ ولكن توجيهه للعلاج؛ للاستفادة منه كـفرد اجتماعي يساعد في بناء الوطن، أفضل من فصله وإقصائه وتركه عُرضة لخطر الانجراف؛ فيكون معول هدم اجتماعي وأسري. وكان مجلس الشورى قد رفض توصية التوسع في برنامج الفحص الطبي للمقبلين على الزواج، وإدراج فحوص تحليل الإدمان والأمراض النفسية والعقلية والأمراض الوراثية الأخرى؛ وذلك بعد أن تقدمت الدكتورة إقبال درندري بتوصية وقالت في مسوغاتها: "أثبتت الدراسات أن هناك طفرات جينية وراثية شائعة، مثل التأخر العقلي واعتلالات الشبكية والصمم وغيرها"، وعرضتها للمناقشة والتصويت؛ إلا أنها لم تحظَ بتصويت الأعضاء؛ وهي التوصية التي تسببت في ردود فعل واسعة، ورُفضت من بعض المختصين، واعتبروها تتعارض مع تطبيق الفحص، وتكلفتها عاليةً وغير دقيقة، ولا يوجد نمط معين لانتقالها وراثيًّا. يُذكر أن هناك قضايا أسرية نتج عنها جرائم قتل شنيعة راح ضحيتها أفراد أسرة كاملة، كان سببها الرئيسي اعتلالات نفسية؛ بحسب ما أوردته الجهات الأمنية في بيانها في عدد من محافظات المملكة، آخرها ما شهدته العاصمة المقدسة عندما أقدم أب على نحر ثلاثة من أبنائه.
مشاركة :