السودان يستجير بنار العسكر من رمضاء البشير

  • 4/12/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الخرطوم - بعزل الجيش السوداني اليوم الخميس الرئيس عمر البشير بعد ثلاثة عقود في الحكم، ينفتح السودان على مرحلة جديدة لكنها لاتزال غامضة فإما أن يعود الهدوء إلى الشارع أو أن يدخل المحتجون في مواجهة مع الجيش الذي أعلن "اقتلاع النظام والاحتفاظ برأسه في مكان آمن"، فالسودانيون الذي هللوا لسقوط البشير واحتفلوا في الشوارع عادوا ليؤكدوا رفضهم أيضا للانقلاب العسكري أو أن يحكم السودان من العسكر. وكان واضحا في الأيام القليلة الماضية أن السودان سائر إلى سيناريو مشابه لذلك الذي أنهى نحو عقدين من حكم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بتدخل الجيش وعزل الأخير عبر حل دستوري للأزمة. إلا أن تدخل الجيش في السودان لعزل عمر البشير أخذ مسارا آخر وإن أنهى 3 عقود من حكم الرئيس الذي جاء للسلطة بانقلاب عسكري وأزيح عنه أيضا بانقلاب عسكري. ولم يتضمن بيان الجيش السوداني أي حلول دستورية حيث "اقتلع" النظام القائم أصلا على سلطة وحماية العسكر، ليعلن الحكم لعامين خلال المرحلة الانتقالية يسلم بعدها السلطة لرئيس منتخب. والجيش السوداني الذي تدخل بعد أشهر من الاحتجاجات لحماية المحتجين من رصاص وعصا الشرطة الغليظة استثمر في لحظة حاسمة الحراك الشعبي ليؤخذ زمام المبادرة والانقلاب على الحكم مراهنا على ما يبدو على حاضنة شعبية لقرار عزل البشير.كما جاء تدخل الجيش بعد إشارات واضحة من الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج التي دعت في بيان مشترك لمرحلة انتقالية للسلطة وهو بيان تردد صداه في دول غربية أخرى. ولم يجد الجيش السوداني أفضل من الظرف الحالي لينقض على السلطة وهو الذي كان طيلة ثلاثة عقود من حكم البشير سندا قويا للرئيس الذي لا يعرف مكانه حاليا ولا مصيره. وتضمن بيان الجيش السوداني الخطوط العريضة للمرحلة الانتقالية بأن حددها بعامين يجري خلالها تسليم السلطة لرئيس منتخب وهي فترة طويلة لا أحد يضمن مآلاتها ولا نتائجها وقد يسنتسخ خلالها السودان نظام الحكم الفردي على غرار ما كان عليه في عهد البشير. وحسب المعلن فإن الوضع يتجه إلى المزيد من التأزيم بعد أن رفض الحراك الشعبي بيان الانقلاب العسكري. وصرحت مصادر سودانية بأن البشير الذي استولى على السلطة في انقلاب أبيض عام 1989 موجود في قصر الرئاسة تحت حراسة مشددة. ورقص عشرات الآلاف احتفالا ورددوا هتافات مناهضة للرئيس "المخلوع" في شوارع الخرطوم. على مدى فترة حكمه التي استمرت 30 عاما كان البشير بارعا في استغلال التنافس بين الأجهزة الأمنية والجيش والإسلاميين والقبائل المسلحة، لكنه أخطأ في تقدير غضب السودانيين الذين يطالبون بوضع نهاية للصعوبات الاقتصادية. وواجه البشير تحديا شبه يومي في بلدات ومدن في مختلف أرجاء السودان رغم حملة شنتها قوات الأمن باستخدام الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية في بعض الأحيان وقتل فيها عشرات الأشخاص. وفي يناير/كانون الثاني حذر البشير في كلمة وجهها لجنوده من وصفهم بالفئران بأن عليهم العودة إلى جحورهم. وقال إنه لن يتنحى سوى لأحد ضباط الجيش أو من خلال صندوق الانتخاب. وقال البشير حينها وكان مرتديا الزي العسكري لجنوده في قاعدة عطبرة المدينة الواقعة في شمال السودان التي بدأت فيها الاحتجاجات، إن المحتجين طالبوا بأن يتولى الجيش السلطة وإنه لا يمانع في تسليم السلطة في بلاده إلى الجيش إذا جاء إلى السلطة "واحد لابس كاكى"، في إشارة إلى الزي العسكري. وفي وقت لاحق في يناير/كانون الثاني أعلن البشير حالة الطوارئ في البلاد مما وسع سلطات الشرطة وحظر التجمعات العامة غير المصرح بها. وطلب من البرلمان تأجيل، وليس إلغاء تعديلات دستورية كان من شأنها أن تمكنه من الحصول على الترشح لولاية رئاسية أخرى. والرجل الذي حكم السودان بقبضة حديدية طيلة ثلاثة عقود شخصية خلافية منذ مدة طويلة، فمنذ توليه السلطة في السودان الذي كان حينها أكبر دول أفريقيا مساحة، خاض حربا أهلية طويلة مع متمردين في جنوب البلاد انتهت بانفصال جنوب السودان عام 2011 وفقدان أكثر من 70 بالمئة من نفط السودان. وعانت بلاده فترات طويلة من العزلة منذ العام 1993 عندما أضافت الولايات المتحدة حكومته إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب لإيوائها متشددين إسلاميين. وأعقب ذلك فرض واشنطن عقوبات على السودان بعد أربع سنوات. وجاءت الاحتجاجات بعد نجاح احتجاجات مشابهة، وإن كانت أكبر حجما، في الجزائر في إجبار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على التنحي. وفي الأشهر التي سبقت بدء الاحتجاجات كان السودانيون يواجهون صعوبات في المواءمة بين دخولهم واحتياجاتهم. وكانت الحكومة تأمل أن تجد دعما ماليا سريعا من حلفائها في منطقة الخليج بعد أن أرسل البشير قوات إلى اليمن في إطار التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة متمردين متحالفين مع إيران لكن المساعدات تأخرت. وكانت الشرارة التي أطلقت الاحتجاجات هي محاولة الحكومة طرح خبز غير مدعوم مما سمح للمخابز ببيعه الخبز بثلاثة أضعاف سعره. وسرعان ما تحولت المظاهرات إلى احتجاجات سياسية استهدفت مقار الحزب الحاكم وطالبت بسقوط البشير. وولد البشير في الأول من يناير/كانون الثاني عام 1944 لأسرة فقيرة تعمل بالزراعة في قرية حوش بانقا الصغيرة المؤلفة من بيوت طينية وشوارع ترابية تقع على الضفة الشرقية لنهر النيل على مسافة 150 كيلومترا شمالي العاصمة الخرطوم. وفي كثير من الأحيان كان يضخم بداياته المتواضعة، ففي وقت سابق من الشهر الحالي كرر قصة رواها عام 2013 عن كسر أحد أسنانه أثناء نقل الخرسانة إلى موقع بناء كان يعمل فيه وهو طالب لسداد نفقات تعليمه.وقال البشير إنه رفض زرع سن من الفضة له عندما التحق بالقوات المسلحة لأنه أراد أن يتذكر ذلك الحادث كلما نظر في المرآة. وانضم وهو ضابط صغير في قوات المظلات إلى الجناح المسلح للحركة الإسلامية التي انفصلت عن جماعة الإخوان المسلمين وحكمت السودان منذ تولى البشير منصبه. وقام البشير رئيس المجلس العسكري الذي استولى على السلطة عام 1989 بحل المجلس عام 1993 وحكم البلاد منذ ذلك الوقت بقبضة من حديد واتهمته جماعات حقوقية باللجوء للعنف والتعذيب للتخلص من خصومه السياسيين، غير أن أبرز ما اتسم به حكمه هو رده على التمرد في إقليم دارفور الغربي. وفي مواجهة الأمر بالقبض عليه الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بسبب مقتل عدد يقدر بنحو 300 ألف شخص في دارفور، ركز البشير على بقائه وتشبث بالسلطة كدرع يحميه من محاكمة تشبه محاكمة الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش. وتحدى البشير المحكمة الدولية وواصل زياراته للدول الأجنبية الصديقة محاولا إظهار أنه لم يذعن للأمر الدولي بالقبض عليه الذي أصدرته المحكمة. وسعى البشير للعب على الخلافات الإقليمية والدولية في تحسين وضع السودان، ففي عام 2013 استضاف الرئيس الإيراني حينها محمود أحمدي نجاد في الخرطوم. وبعد عامين انضم البشير للتحالف الذي تدخل بقيادة السعودية في الحرب اليمنية وذلك في إطار إستراتيجية لاحتواء النفوذ الإيراني المتزايد. كما سعى البشير للتودد إلى تركيا وروسيا في الوقت الذي صعدت فيه الخرطوم تعاونها الأمني مع واشنطن على أمل التعجيل برفع العقوبات المفروضة على البلاد. وقد رفعت العقوبات عام 2017. وفي مواجهة أخطر تحد لحكمه عوّل البشير على الدعم المتواصل من المؤسسة الأمنية التي رعاها على مدى 30 عاما في الخروج من الأزمة. وخاطب الشباب هذا الشهر وهو يرتدي جلبابه الأبيض ويلوح بعصاه التي اشتهر بها فقال "هذه البلاد ملككم والمستقبل ملككم. وبلدنا إذا حصل فيها ما حصل في بلاد أخرى إلى أين سنذهب؟ سنصبح لاجئين؟... لا سنموت هنا وندفن هنا".

مشاركة :