كتب - إبراهيم بدوي: يبرز تنظيم اللجنة الوطنيّة القطرية لحقوق الإنسان، لفعاليات مؤتمر حول آليات مكافحة الإفلات من العقاب وضمان المساءلة بموجب القانون الدولي، بالشراكة مع مؤسسات دولية موثوقة وفاعلة في قضايا حقوق الإنسان عالمياً، مثل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، والبرلمان الأوروبي والتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. وتعزز مشاركة المنظمات الأمميّة والدولية البارزة في اجتماعات الدوحة من قوة وموضوعية المناقشات وقيمة المخرجات والنتائج في ظل حضور أكثر من ٢٥٠ شخصية من رؤساء المحاكم والقضاة الدوليين وممثلي الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي والخبراء الدوليين وغيرهم. ومن المتوقع أن يفتح مؤتمر الدوحة العديد من الملفات المسكوت عنها في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وأيضاً إنعاش ذاكرة العالم حول العديد من الانتهاكات التي يعتقد مرتكبوها أنها أصبحت طي النسيان مع مرور السنوات ومع بدء محاولات بائسة لتطبيع العلاقات مع أنظمة ثبت بالدليل القاطع ارتكابها فظائع وجرائم حرب ضد شعوبها مثل نظام بشار الأسد في سوريا ومن ثم تهيئة المنصة القضائية الدولية لمقاضاة مرتكبي هذه الانتهاكات مهما طال الزمن لأن انتهاكات حقوق الإنسان لا تسقط بالتقادم. ينعقد مؤتمر الدوحة لمكافحة الإفلات من العقاب وضمان المساءلة، في توقيت مهم واستثنائي في ظل تراجع لافت للاهتمام بملفات حقوق الإنسان لدى بعض الدول والقوى الكبرى في العالم، فيما تتعمّق الانتهاكات في زمن الحروب والجرائم ضد الإنسانية من الاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية والإعدامات خارج نطاق القضاء والتعذيب الوحشي وقائمة سوداء تفيض بها انتهاكات حقوق الإنسان على المستويين الإقليمي والدولي. ويعدّ مؤتمر الدوحة منبراً مهماً لأصوات ضحايا الجرائم الإنسانية حول العالم. وتزداد أهميته مع اتساع رقعة الانتهاكات والجرائم والتماهي معها باعتبارها أمراً مسلماً به في ظل مساومة بعض الأنظمة لشعوبها بالأمن والاستقرار مقابل التنازل عن قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، لتبدو هذه الانتهاكات أمراً طبيعياً لا مفر منه لتحقيق الاستقرار المزعوم. كما تزداد أهمية مؤتمر الدوحة مع ما يبدو من سيطرة عقليات أمنية على مقدرات المنطقة واستثمارها في فزع وخوف الشعوب من سيناريوهات الفوضى والخراب لإرغامها على الاستسلام لواقع الانتهاكات الجسيمة للحقوق الإنسانية المكفولة للجميع، لتبقى الدوحة حائط صد منيعاً أمام مخططات نشر الإحباط واليأس بين شعوب المنطقة ومنبراً مهماً لإنصاف ضحايا جرائم الحروب والجرائم ضد الإنسانيّة. تقارير أممية ومحلية توثقها.. العدل الدولية تلزم دول الحصار بعلاجها الأزمة الخليجية تكشف أهمية التصدي للانتهاكات الإنسانية لجنة حقوق الإنسان وثقت الانتهاكات ودعت المجتمع الدولي لإنصاف الضحايا تؤكد استضافة الدوحة لهذا المؤتمر إدراكها العميق لخطورة طوفان الانتهاكات العابر للحدود والأوطان، وصولاً إلى منطقتنا الآمنة والمستقرّة في الخليج. وكشفت الأزمة الخليجيّة وفرض حصار فاشل على دولة قطر عن أهمية التصدي الدائم لانتهاكات حقوق الإنسان ومقاضاة مرتكبيها مهما طالت السنوات. ويبرز نجاح قطر في توثيق انتهاكات الحصار عبر تقرير دولي رسمي موثوق، أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ووصف إجراءات دول الحصار بأنها غير قانونية وغير أخلاقية وترقى إلى مستوى الحرب الاقتصادية فيما لعبت اللجنة الوطنيّة القطريّة لحقوق الإنسان المنظمة لهذا المؤتمر، دوراً أساسياً في صدور هذا التقرير المهم الذي ترتب عليه مقاضاة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي وإلزامها برفع كافة الإجراءات التي تنتهك الحق في التنقل والتعليم ولمّ شمل الأسر والعائلات. ويبرز في خضم التوترات والاضطرابات التي تعيشها منطقتنا العربية والشرق أوسطية أن الدوحة تسلك طريق الحق ولا يغرّها قلة السالكين، وذلك بعدم استسلامها للمناخ السائد حالياً بغض الطرف عن قضايا حقوق الإنسان والمضي قدماً في دعم أنظمة استبدادية باعتبارها عبثاً صمام الأمان والاستقرار لشعوبها وشعوب المنطقة على غير الحقيقة. التداعيات الإنسانية الناجمة عن الحصار دفعت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر لمطالبة المجتمع الدولي باتخاذ كافة الخطوات الممكنة على مستوى مجلس الأمن، والمحاكم الدولية ولجان التحكيم، والمنظمات الحقوقية لرفع الحصار عن المواطنين والمقيمين في دولة قطر وإنصاف الضحايا. بعد أن استقبلت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر (3970) شكوى منذ بدء الحصار، حيث وقع (504) انتهاكات للحق في التعليم، (1174) انتهاكاً للحق في الملكية، (629) انتهاكاً للحق في لمّ شمل الأسرة، (1261) انتهاكاً للحق في التنقل، (37) انتهاكاً للحق في الصحة، (163) انتهاكاً للحق في ممارسة الشعائر الدينية، (109) انتهاكات للحق في العمل، و(93) انتهاكاً للحق في الإقامة. كما وثقت البعثة الفنية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في يناير 2018م من واقع مشاهدات حقيقية، انتهاك دول الحصار الأربع للمواثيق الدوليّة وحقوق الإنسان، كما أدانت البعثة في تقريرها التدابير التي اتخذتها دول الحصار ضد دولة قطر، وما نتج عنه من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وأن ما تعرضت له قطر ليس مجرد قطع علاقات دبلوماسية، وإنما انتهاكات ترقى إلى عقوبات جماعيّة بحق المواطنين والمقيمين في الدولة ومواطني دول مجلس التعاون. تداعيات الحصار طالت عدداً من المواطنين القطريين حيث واجه بعضهم، الاعتقال التعسفي والاحتجاز وحرمانهم من حريتهم، وتعريض أمنهم وسلامتهم للخطر، ممن تنقلوا من خلال المنافذ الحدودية البرية لمتابعة أملاكهم بدول الحصار، أو المنفذ البحري وحرموا من تحصيل أرزاقهم وأموالهم من بضائعهم التجارية، أو المنفذ الجوي ممن طردوا من أرض مكة المكرمة وهم يؤدون العمرة في رمضان الماضي، وحرموا من متابعة أملاكهم في مكة والمدينة وجدة والرياض، وكذلك في الإمارات، دبي والشارقة وعجمان والبحرين ومصر، وغيرهم الكثير. ووصل الأمر إلى تجريم مواطني دول الحصار لمجرد تعاطفهم مع دولة قطر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل وإغلاق وحجب وسائل إعلام مموّلة من دولة قطر، بما فيها القنوات الرياضيّة التي لا تبثّ بالتأكيد نشرات أو برامج ذات طبيعة سياسيّة. كما طالت انتهاكات دول الحصار المجال الإعلامي أيضاً حيث سجلت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر، تعرض (103) إعلاميين من مواطني دول الحصار والذين كانوا يعملون في عدد من وسائل الإعلام المرئي الموجودة في دولة قطر، لأنواع مختلفة من الانتهاكات، من بينها الضغط عليهم بهدف إجبارهم على تقديم استقالتهم، وبناء على هذا الضغط اضطر (10) إعلاميين منهم للرضوخ، وقدموا مجبرين استقالاتهم، بينما تُمارس دول الحصار ضغوطاً على العديد من الإعلاميين لإجبارهم على ترك عملهم.
مشاركة :