بدأت حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وهي بالفعل على أوجها في أميركا اللاتينية. وهناك أربع قضايا ساخنة ساعدت الرئيس ترامب على الوصول إلى البيت الأبيض في عام 2016، وهي بالفعل لها تأثيرها في نهجه في المنطقة، مدفوعة باستراتيجيتين انتخابيتين متوازيتين: مناشدة قاعدته الانتخابية في جميع أنحاء البلاد بشأن الهجرة والمخدرات والتجارة، وتسويقها الصعب في جنوب فلوريدا بشأن كوبا وفنزويلا. ومنذ أن أعلن ترشحه في عام 2015، كان ترامب يعامل المكسيك كوكيل وكبش فداء، لاسيما في ما يتعلق بالهجرة والتجارة، وهما قضيتان وعد فيهما بإحداث تغيير جذري في السياسة. وأصبحت الدعوات لبناء «جدار» على الحدود الأميركية المكسيكية بمثابة اختزال لموقف صارم وعنيف بشأن هذه القضايا التي تحشد وتثير مؤيدي ترامب المتشددين. لكن إغلاق الحدود، كما هدد الرئيس بذلك مؤخراً، سيلحق الضرر بكلا الدولتين ويتسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها لما يمكن القول إنها أهم علاقة للولايات المتحدة. وفي 4 أبريل، وتحت ضغط من الجمهوريين في الكونجرس، تراجع عن التهديد، ليطلق تهديداً آخر: «سنعطيهم إنذاراً لمدة عام واحد، وإذا لم يتوقف تدفق المخدرات، سنفرض رسوماً جمركية على المكسيك والواردات، خاصة السيارات». حتى الآن، قام الرئيس المكسيكي «أندريس مانويل لوبيز أوبرادور» بالكثير لاستيعاب ترامب، بما في ذلك التوصل لاتفاق نافتا جديد والسماح للاجئين من أميركا الوسطى بالبقاء في المكسيك أثناء الفصل في طلبات اللجوء الخاصة بهم. ومن شأن الخطوة لإغلاق الحدود أن تختبر حدود صبر لوبيز أوبرادور. وفي 29 مارس قال وزير خارجية المكسيك «مارسيلو إبرارد» على تويتر: «إن المكسيك لا تعمل على أساس التهديدات». وبنفس القدر من الغضب تقريباً، أعلن ترامب أنه سيقطع المساعدات عن ثلاث دول في أميركا الوسطى يطلق عليها «المثلث الشمالي»، وهي جواتيمالا والسلفادور وهندوراس، مستشهداً بفشلها في كبح التدفق الجماعي للمهاجرين المتجهين إلى الولايات المتحدة. وأدت هذه الخطوة إلى التكهن بأن ترامب يسعى لتعميق الأزمات في هذه البلدان، ما قد يؤدي إلى انفجار تدفقات الهجرة ويشكل أزمة أمن قومي «حقيقية» على الحدود الأميركية المكسيكية، وبالتالي يبرر سياسات الرئيس المتشددة ويقدم قضية قوية للحملة. ويبقى أن نرى ما إذا كان ترامب يتمتع بسلطة قطع التمويل الذي خصصه الكونجرس، أم أنه سيتابع هذه التهديدات. لكن هذا الإعلان تسبب في حيرة حكومات جواتيمالا وهندوراس والسلفادور، بعد أن بذلت كل ما بوسعها لاستيعاب الولايات المتحدة. فقد سعت حكومتا جواتيمالا وهندوراس إلى الاندماج مع إدارة ترامب من خلال نقل، أو التفكير في نقل، سفارتيهما في إسرائيل إلى القدس. لكن إعلان ترامب كان مهيناً بشكل خاص لرئيس السلفادور القادم «نايب بوكيلي». ففي زيارة قام بها مؤخراً لواشنطن، كشف بوكيلي عن سياسة أكثر تشدداً تجاه فنزويلا وتعهد بمراجعة قرار الحكومة المنتهية ولايتها بالتخلي عن تايوان والاعتراف بالصين، وكلاهما يعد فوزاً دبلوماسياً بالنسبة لإدارة ترامب. وإلى ذلك، ثمة دليل على أن المساعدات الأميركية تعين على الحد من الهجرة من السلفادور. وفي ما يتعلق بالمخدرات، يتجه الرئيس لدعم قاعدته السياسية للحملة. فقد التقى الرئيس الكولومبي «إيفان دوكي» مؤخراً بترامب وتعهد بمتابعة استراتيجية تدعمها الولايات المتحدة لخفض المستويات المتزايدة من إنتاج الكوكايين. بيد أن هذا لم يكن كافياً. فقد ورد أن دوكي فوجئ عندما قال ترامب للصحفيين «إن المزيد من المخدرات تخرج من كولومبيا حالياً أكثر مما كان عليه الحال قبل تولي دوكي الرئاسة، لذلك فهو لم يفعل شيئاً من أجلنا». إن الرئيس الكولومبي يستحق معاملة أفضل. فحكومته تكافح للتعامل مع أكثر من 1.3 مليون فنزويلي فروا إلى كولومبيا. وفي الوقت الذي تنطلق فيه الحملة الرئاسية في الولايات المتحدة، تواجه العلاقات الأميركية- الكولومبية خطر «إعادة المخدرات» ما قد يقوض الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة لتوسيع نطاق الأجندة الثنائية. ينبغي تمييز نهج إدارة ترامب تجاه فنزويلا وكوبا عن القضايا ذات الاهتمام القومي، مثل الهجرة والمخدرات والتجارة. ومع ذلك، ليس ثمة شك في أن السياسة المحلية، التي تركز إلى حد كبير على جنوب فلورديا، هي عنصر رئيسي يساعد في تشكيل السياسة. إن الضغط المستمر الذي تمارسه إدارة ترامب على الديكتاتورية الفنزويلية قدم الدعم المطلوب للانتقال الديمقراطي في فنزويلا المحاصرة. لكن أجندة الولايات المتحدة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسعي الإدارة لتغيير النظام في كوبا. ورغم أن أميركا اللاتينية لا تحبذ النظام الكوبي، فإن المنطقة أكثر حرصاً بشأن كوبا أكثر من فنزويلا. ومعظم أميركا اللاتينية تعتبر السياسة الأميركية تجاه كوبا في العقود الستة الماضية سياسة فاشلة وتعارض بشدة أي تهديدات أو عقوبات جديدة ضدها. ومن المؤكد أن عبارات حادة من ترامب وغيره من كبار المسؤولين في الإدارة، مثل «جميع الخيارات مطروحة على الطاولة» و«أتمنى لنيكولاس مادورو وكبار مساعديه تقاعداً طويلاً وهادئاً».. قد تثير الهتافات وتساعد على جلب الأصوات في ولاية متأرجحة عام 2020. لكنها تخاطر بإضعاف التحالف الواسع الذي تم تشكيله ضد فنزويلا. وللحفاظ على ذلك التحالف، تحتاج إدارة ترامب إلى الحفاظ على موقفها لأغراض انتخابية. إن اللعب على السياسة الداخلية مع قضايا أميركا اللاتينية قد يعمل لصالح ترامب وهو يسعى لولاية رئاسية ثانية.
مشاركة :