مهرجان الظفرة البحري أمواج من تراث الإمارات

  • 4/13/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تمثل المهرجانات التراثية حافزا مهما ليتعلق الشباب بالعادات الحميدة التي تركتها الأجيال السابقة وفرصة فريدة للحفاظ عليها من الانقراض خاصة وأن التراث يمثل الهوية الفارقة بين الشعوب والدول في ظل اجتياح العولمة لحياة الناس في أصقاع الدنيا، ومهرجان الظفرة البحري يمثل كتابا مفتوحا على حياة الإماراتيين في الماضي وتعاملهم مع البحر وتقاليد الصيد، لذلك يقبل عليه المواطنون والمقيمون والسياح العرب والأجانب. أبوظبي - على خط التماس بين البر والبحر، وبالتحديد على شاطئ مدينة المرفأ في منطقة الظفرة، افتتح أمس المهرجان البحري فعالياته التي تمتد إلى غاية 20 أبريل الجاري تحت شعار “أمواج من تراث” بمشاركة أكثر من 5 آلاف بحار من الرياضيين العالميين، وبمجموع جوائز تتجاوز 4 ملايين درهم (10 دراهم تساوي 2.72 دولار أميركي). وإلى جانب المسابقات الرياضية التي تتوزع على ثلاث فئات؛ الرجال والنساء والناشئة، تقام بشكل يومي وعلى مدار أيام المهرجان العديد من الفعاليات الترفيهية للعائلة والأطفال، منها قرية الطفل وفعاليات خاصة للسيدات، والسوق الشعبي الذي يلبي رغبات محبي التسوق، بالإضافة إلى محطات الطعام الاحتفالية التي تتيح فرصة تذوق أشهى المأكولات والمشروبات في الأكشاك التي تمتد على طول الشاطئ، كما تتواصل على مدى عشرة أيام أنشطة التخييم والحفلات الموسيقية الشاطئية، والمسرح الرئيسي الذي يقدم فعاليات متميزة وجوائز يومية لزوار المهرجان. ولا تغيب بيت النواخذة التي تعج بكل مفردات التاريخ على المهرجان على شاطئ المرفأ والتي تتيح للزوار التعرف على حياة الإماراتيين القديمة من صيادي اللؤلؤ والغواصين والبحارة، يقول المواطن علي الخضر والذي اعتاد مواكبة أغلب دورات المهرجان السابقة، إن فعاليات المهرجان عادة ما تنال اهتمام الأسر الإماراتية وتجذب السياح والمقيمين للتعرف على تراث الإمارات العريق. تتضمن فعاليات المهرجان في دورته الحالية العديد من المنافسات الرياضية البحرية التراثية والحديثة، بجانب الألعاب البرية المصاحبة، كما تشهد الدورة لأول مرة مسابقة الكاياك ومسابقة صيد الأسماك بالصنارة. قال أحمد ثاني مرشد الرميثي، رئيس مجلس إدارة نادي أبوظبي للرياضة الشراعية واليخوت، إن الدورة الحالية من المهرجان تشهد انطلاق سباقات الكاياك التي تقام لأول مرة، متوقعا أن يبلغ عدد البحارة المشاركين في الدورة الحالية ضمن السباقات التراثية أكثر من 5 آلاف بحار في مختلف السباقات. وأوضح حرص اللجنة المنظمة على اختيار مواعيد السباقات بعناية لتتوافق مع الأحوال الجوية المناسبة، حيث سيشهد الأسبوع الأول إقامة السباقات التراثية من التفاريس والبوانيش الشراعية، بينما يشهد الأسبوع الثاني السباقات الشراعية والتجديف الحديث، منها الكايت سيرف والريجاتا وتجديف الكاياك. وقال عبيد خلفان المزروعي مدير إدارة التخطيط والمشاريع في لجنة المهرجان، “إن المهرجان يشتمل على سباق صلاحة للبوانيش الشراعية، وسباق جنانة للقوارب الشراعية المحلية فئة 22 قدما، وسباق مروح للقوارب الشراعية المحلية لفئة 60 قدما، وسباق التفريس، وسباق الظفرة للقوارب الشراعية الحديثة – الريجاتا، وبطولة التجديف الأولمبي، وسباق القوارب الشراعية المحلية لفئة 60 قدما، وسباقات لجنة الكايت سيرف، إلى جانب مسابقات صيد الكنعد والصيد بالصنارة والمسابقات الشاطئية”. وأكد رفع قيمة جوائز مسابقات الكنعد، موضحا، أن أهداف سباق صيد هذا النوع من السمك تتمثل في التعريف بسواحل وجزر منطقة الظفرة، وخلق فرصة لهواة رياضة صيد السمك التقليدي، والحفاظ على السلامة البحرية. المسابقات البحرية تلقى اهتماما ومتابعين من مختلف الأعمار والجنسيات، يقول محمد عبدالله الحوسني، “أنا من هواة السباقات البحرية وجئت لأتابع السباقات البحرية وخاصة سباقات المحامل، فالإماراتيون مارسوا هواية التجديف قبل المئات من السنين من اختراع المحركات البخارية ومازالت الرياضة البحرية تستهوي جميع الأجيال”. ويأتي المهرجان هذا العام بحلته التراثية، من أجل التركيز على الدور المهم الذي يلعبه القطاع البحري في إثراء النسيج الثقافي والاجتماعي لمنطقة الظفرة، وإيصال رسالة للشباب خاصة بالتراث البحري المحلي، وتوجيه اهتماماتهم بشكل أكبر نحو هذا التراث، واسترجاع الماضي بمآثره وإرثه، من خلال نشاطات وفعاليات متنوعة على شاطئ المرفأ الساحر. زوار مهرجان الظفرة البحري يجدون أنفسهم متجهين إلى الركن البحري على الشاطئ، ليجدوا عالما من التراث والتاريخ، حيث يكتشفون حقبة مهمة من تاريخ الظفرة وحياة صيادي اللؤلؤ والغواصين في بيت النواخذة. وبيت النواخذة، هو ذلك البيت الذي كان يجتمع فيه صيادو اللؤلؤ والسمك قديما، يتناولون فيه أخبار الغوص ورحلات الصيد وغيرها من أخبار الطقس والرياح والأنواء التي تهم الصيادين خاصة قبل إبحارهم، لذا تحرص اللجنة المنظمة للمهرجان أن يكون وجود هذا البيت قويا وعلامة مميزة يكتشفها الزائرون. وعلى ضفاف الشاطئ يتركز بيت النواخذة بتصميمه التراثي القديم ليحكي للزوار تاريخ المرفأ قديما، ويرصد كيف عاش أهلها في شدة أعطتهم قوة وتحملا لمواجهة مواقف الحياة المختلفة، تلك القوة التي يرى البعض أنها لم تعد موجودة حاليا بين شباب اليوم كما كانت موجودة بينهم قديما، وسيستقبل جمعة الرميثي مع بقية النواخذة كما في الدورات السابقة الزوار من الكبار والصغار ليسردوا لهم ما يحتويه البيت من مكونات كانوا يعتمدون عليها في رحلات الغوص وصيد اللؤلؤ والأسماك. وتحرص اللجنة المنظمة في كل الدورات على أن يتم تشكيل بيت النواخذة داخل موقع مهرجان الظفرة بتصميم مُقارب له قديما، حيث يتضمن نفس المكونات التي كان يصنع منها قديما، كما أنه يضم مختلف الأدوات والآلات البحرية المستخدمة قديما. ويؤكد النواخذة الكبار الموجودون في المهرجان، أن كافة المعروضات في هذا البيت تم تصنيعها من مواد طبيعية مستخلصة من النخلة، وهي المصدر الرئيسي لمعظم المواد المستخدمة قديما في صناعة السفن والغوص وصيد الأسماك، لذلك فإن النخلة كانت صديقا دائما لأهل البر والبحر. ويروي النواخذة جمعة الرميثي، أن المرفأ قديما كان محطة بحرية هامة يتوافد عليها أهل ليوا ليتم نقلهم عبر القوارب إلى جزيرة مروح، تلك الجزيرة التي لها مكانة كبيرة في نفوس أهل البحر، ومازالت موجودة حتى زمننا هذا، ويحرص أهلها على زيارتها باستمرار للاستمتاع بذكرياتهم الجميلة معها، كما كان أهلها يحترفون الغوص وصيد اللؤلؤ خلال موسم لا تتجاوز مدته الثلاثة إلى أربعة أشهر، بينما يقومون بصيد الأسماك خلال باقي فصول السنة. يتميز السوق الشعبي ضمن مهرجان الظفرة البحري، بأنّ جميع صاحبات الدكاكين التجارية والقائمات عليها هنّ من النسوة الإماراتيات اللاتي يصنعن بضاعتهن بأنفسهن ويتفنن في نقل التراث العريق إلى الأجيال الحالية، ما يعكس الدور الفاعل والمؤثر للمرأة الإماراتية قديما في الحياة العامة والتجارية بشكل خاص. وتعرض النسوة المشاركات في السوق الشعبي الملابس والعطور وأدوات الزينة النسائية والمجوهرات والحُلي، إلى جانب الشموع وأدوات الديكور والزينة المنزلية ومعدّات الضيافة والاستقبال من الدلال إلى الأباريق والفناجين. وتختص بعض الدكاكين ببيع البهارات والتوابل المعروفة في الإمارات مثل القرفة، البزار للمجبوس والبرياني، الكزبرة، الكمّون، الفلفل الأسود والأحمر، الزنجبيل، الكركم، الليمون المجفف المعروف بالليمون الأسود أو اللومي اليابس “لومي صحاري” وهو نوع من أنواع البهارات يستخدم في أطباق المطبخ الإماراتي. تقول مريم المرزوقي التي تنتظر فرصة المشاركة في المهرجان من عام إلى آخر لتعرض في دكّانها الشعبي متعلقات التراث الإماراتي، “أعرض في دكّاني كل مشغولات الخوص التراثية من السرود، والمخرافة والسلال المخصصة لجمع ووضع الرطب”. وتضيف “كما أبيع بعض المصنوعات الحرفية اليدوية من أشرطة البلاستيك وألياف الخشب والتي يتم استخدامها لإحياء مراسم الاحتفال بليلة النصف من شهري شعبان ورمضان والمعروفة محليا بالقرقيعان، حيث تقوم الأسر الإماراتية بتجهيز المكسرات والسكاكر والحلويات وتغليفها بألوان زاهية لتقديمها بوسائل مبتكرة للضيوف”. وتشارك الحرفية في السوق منذ انطلاقة المهرجان، كما ساهمت في تعزيز مبادرة “صوغة” عبر تقديم التدريب للنساء الإماراتيات في مجال الحرف والمصنوعات اليدوية بالاعتماد على أساليب ومهارات تراثية عريقة. وتعرض آمنة الحمادي الملابس والإكسسوارات، وتتميز بجمعها بين التراث والحداثة، كما تعرض مجموعة متميزة من أنواع العطور الفرنسية والعربية مثل غوتشي ووان مليون وشانيل إلى جانب العود الخالص، تقول “أبيع في دكاني أكثر من 12 نوعا من العطور العربية والفرنسية التي تتميز بثباتها ودوامها، إلى جانب المجوهرات المطلية بالذهب والملابس المعتمدة على الصناعات اليدوية المحلية والمستوردة”. ولا تغيب المأكولات الشعبية عن سوق المهرجان، حيث سيتسابق الزوار كما في كل الدورات السابقة على تذوق الهريس، واليريش، والفريد، واللقيمات، والخبيص، والبثيثة والمكبوس، فمثل هذه الأكلات التراثية أصبحت سيدة الموائد في المناسبات المختلفة فتفتح الأفق للزوَّار من السياح والأجانب والمقيمين للتعرف عليها ممسكين بأيديهم أطباقا من تلك المأكولات يستمتعون بطعمها بجانب ما يرونه من إثارة وتحد ومغامرة في المسابقات البحرية المختلفة. تقول سلمى الحمادي، إنها تقدم للزوار الهريس، وهي وجبة شعبية تحتاج إلى عملية منظمة لإعدادها، وتؤكد أن في كل الدورات التي شاركت فيها سابقا يحرص عدد كبير من الزوار القادمين من خارج الإمارات على تذوق تلك المأكولات للوقوف على طبيعة الأطعمة التي ظلت تقاوم التحضر والمدنية وظلت تتفوق على باقي المأكولات الحديثة. وتوضح عائشة الحمادي أنها تقوم ببيع الهريس وهي وجبة شعبية تحتاج إلى عملية منظمة لإعدادها. وسيكون لسيدات وفتيات منطقة الظفرة جانب مهم من الفعاليات المتنوعة التي يشهدها المهرجان، من خلال مشاركتهن في مسابقة الطبخ الإماراتي التي تشمل مسابقة الحلو “الجباب” والطبق البحري المكبوس ومسابقة عرض الأزياء التراثية للأطفال وهي مسابقات تشهد في كل سنة مشاركة عدد كبير من السيدات، كما تحرص الفتيات على الحضور والاطلاع على الموروث الذي يتميز به المجتمع الإماراتي. لم يعد مهرجان الظفرة البحري مجرد حدث عادي، بل تحول إلى كرنفال سياحي تراثي يجذب إليه عشاق الأصالة والتحدي والمغامرة من مشاركين وجمهور عاشق للمتعة والعراقة، وأصبح مقصدا للأسر والعائلات التي تجد فيه الفعاليات والأنشطة والبرامج التي تلبي طموحاتها واحتياجاتها. وتحرص الأسر والعائلات من داخل الدولة وخارجها، على أن يكون لمهرجان الظفرة موقع متميز ضمن برنامجها السياحي، فأصبح مألوفا أن تجد الأسر بكامل أفرادها من دول أوروبا وأميركا وآسيا، تجوب أجنحة المهرجان المختلفة، حيث يأتي بعضهم للمرة الأولى بعدما سمعوا عن الحدث من زوار المهرجان في الدورات الماضية، ومنهم من يحرص على أن يكون متواجدا فيه بشكل دائم. تقول التونسية عبير السعيداني وهي مدرسة فرنسية مقيمة في الإمارات، إنها تحرص على أن تكون متواجدة في جميع الدورات التي تخص مهرجان الظفرة، وذلك من الدورة السابعة عندما حضرت لأول مرة وجذبتها الفعاليات والبرامج والأنشطة المقدمة، لذلك قررت أن تكون متواجدة هذا العام كما في دورات المهرجان السابقة. ويشير الإماراتي أحمد مصطفى إلى أنه واظب على حضور مهرجان الظفرة في الدورة الأولى له عندما كان يعمل وقتها في مدينة المرفأ، وعندما انتقل إلى العمل في دبي بعد الدورة الثالثة لم ينقطع عن المهرجان بل ظل مواظبا على الحضور إليه مع أسرته خلال العطلة. أما المصري محمود السيد، فيشير إلى أنّ المهرجان يقدم وجبة متميزة لعشاق الأصالة والتاريخ، وأن أكثر ما جذبه داخل المهرجان في الدورات السابقة التي حضرها، هو بيت النواخذة، كونه صيادا من الإسكندرية، فقد فوجئ بأنّ الركن يضم كافة الأجزاء البسيطة التي كانت تلامس حياة مستخدمي البحر قديما لينقل للزوار صورة حية عن تلك الفترة.

مشاركة :