حولت مروة قناوي حضنها إلى أمل في الحفاظ على أرواح الناس من طيش الرصاصات التي تحول أفراح البعض إلى مآتم لآخرين. فإلى أين تمضي في قضيتها وهي مضربة عن الطعام؟ تدخل مروة قناوي يومها الثالث عشر من إضرابها عن الطعام . و بصوت مليء بالحماس رغم وهن الجسد المحتمل، ترحب مروة قناوي عبر الهاتف أو تستقبل في بيتها كل من يريد الحديث عن قضيتها التي تهبها حياتها و التي تعيش لأجلها على عصائر بدون سكر محلول مضاد للجفاف. تلفت قناوي بإضرابها النظر إلى ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية احتفالا في المناسبات و التي تسببت في مقتل ابنها منذ عامين . " فرحك موت فرحتنا" سارت الرصاصة الخارجة من سلاح آلي استخدم في أحد الأعراس لمسافة كيلومترين، تبحث عن ضحية لطيشها لتستقر في رأس الطفل يوسف سامح العربي 11 عاماً. بعد تحقيقات واسعة توصل الشرطة إلى مصدر إطلاق العيار الناري، وتم القبض على متهمين بينما هرب اثنان آخران. وبعد نحو عام من وفاة يوسف صدر الحكم بالسجن المشدد سبع سنوات بحق المتهمين إلا أنه و حتى اللحظة لم يتم تنفيذ الحكم لهروب اثنين من المتهمين. قضية يوسف هي أكبر القضايا التي لفتت النظر إلى الظاهرة البغيضة المنتشرة في دول كثيرة من الدول العربية.ومنها الأردن حيث تدخل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عام 2015 معلناً أنه لا تسامح مع من يرتكب مثل هذا الجرم، إلا أن ذلك لم يوقف الظاهرة بشكل نهائي. كما تنتشر الظاهرة في السعودية و دول منطقة الخليج بل ويتباهى مطلقوا الأعيرة النارية بنشر الفيديوهات عبر الانترنت ما سمح في أحيان كثيرة بالتقاط مقاطع يموت فيها أحد الأشخاص أو يصاب إصابة كإصابة عريس مصري في خصيتيه بطلق ناري عام 2017 أثناء احتفال أحد الحضور به. أو في السعودية تحول فرح إلى مأتم في صيف العام الماضي بعد وفاة فتاة في عرس شقيقها برصاصة طائشة في منطقة جازان. وتقول قناوي في حوارها مع DWعربية "لم أكن أتخيل يوماً أن تكون هذه قضيتي التي أدافع عنها، أشعر أنني جئت إلى الحياة من أجلها" قناوي استخدمت تعبير " فرحك موت فرحتنا" الذي كان مستخدماً على نطاق ضيق في الدول التي تنتشر بها هذه الظاهرة، وانتشر التعبير كهاشتاج في حملتها التي أطلقتها للتوعية بمخاطر إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات. حملة توعية للحفاظ على الحياة أرادت قناوي ان تحول ألمها إلى أمل في مستقبل الأطفال. فقررت مع مجموعة من أصدقاء يوسف المقربين أن ينشئوا صدقة جارية. فكانت حملة توعية بمخاطر إطلاق النار في الأفراح . تقول قناوي " قررت أن أذهب إلى المدارس في القرى و النجوع التي تنتشر فيها هذه الظاهرة" و تستطرد .. " أصدقائي و أصدقاء يوسف ساعدوني في أن أصمم ورشة لأعلم الأطفال كيف أن يجب على كل إنسان أن يتحمل مسئوليته عن حياة الآخرين حوله " . قناوي أوجدت بديلاً لإطلاق النار فدربت الأطفال على دائرة الطبول التي يلعب فيها الأطفال على طبول مختلفة و تعلن عن الفرح لكن دون أن تؤذي أحداً . لم يقف نشاط قناوي في الحملة على زيارة المدارس والتوعية فقط .. " طبعنا أبضاً كراسات للكتابة في المدارس، وقرر أصدقاء يوسف أن تكون عليها صورته لتحكي حكايته، وعلى ظهر الكراسة فتوجد جمل توعوية بمخاطر ظاهرة إطلاق النار في الأفراح". بعد أن انتشرت قصة يوسف عبر وسائل التواصل الاجتماعي و كذلك الحملة، بدأ أهالي بعض المصابين أو المتوفين جراء إطلاق المناسبات في الأفراح التواصل مع قناوي. و تحكي هي " كثيرين منهم يستسلمون للأمر الواقع و ينكمشون على أحزانهم لكنني اخترت أن أعيش مع ابني وقضيته حتي نأخذ حقه أولاً و ثانياُ حتى يعرف المجتمع ما الذي يمكن أن يحدث بسبب هذه العادة البغيضة" تتمنى قناوي أن تستطيع جمع المال لتنتج فيلماً عن مخاطر ظاهرة إطلاق النار في المناسبات حتى ينتشر الفيلم على نطاق إقليمي و تساهم في التوعية و إنقاذ حياة أطفال آخرين . القانون لا يمنع طيش الرصاص تقدمت النائبة أنيسة حسونة، عضو مجلس النواب المصري، بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، بشأن التراخي في تنفيذ الحكم الصادر ضد المتهمين بقتل الطفل يوسف. في إشارة إلى اهمية القضية و الاهتمام بارسال رسالة إلى المجتمع بأن العقاب سيتم تنفيذه للحد من الظاهرة . إلا أن رمضان محمد حسن المحامي أن القانون المصري يعتبر القتل عبر رصاصات طائشة في المناسبات قتل عن طريق الخطأ، ويتم تطبيق نصوص عقابية تترواح ما بين التخفيف والتشديد وهذا يعود لرؤية القاضي حيث يقدر مدى إهمال الجاني . وعلى عكس ما يشاع أن من ان هناك حلول عرفية للقتل الخطأ، فيؤكد حسن أن الدولة و المجتمع لا يسقط حقهما في عقاب المتهمين . لكن ما يمكن أن يتصالح عليه أهل المجني عليه و المتهم هو التعويضات المالية. قناوي التي وارى الثرى جسد ابنها وحرمه استكمال حياته مع عائلته - كذوي راحلين آخرين- ترى أن العقوبات يجب أن تكون أكثر تشديداً حتى تتوقف الظاهرة نهائياً . وتقول " باضرابي عن الطعام أنا أصرخ في وجه الدولة و في وجه المجتمع و في وجه العادة نفسها ايضاُ . الإنسان ليس رقماً في دفاتر الدنيا" . وبالعودة إلى رأي القانون يقول حسن" هناك حيازات كبيرة للسلاح مخالفة للقانون و تستخدم الأسلحة بإطلاق الأعيرة النارية كفرض للسطوة ولكن إطلاق النار من السلاح بهذا الإهمال مجرم قانوناً" و لكن على الرغم من تجريم القانون لإطلاق النار بلا سبب قوي يستدعي ذلك إلا أن القانون ما زال يقف عاجزاً فلا يمنع طيش الرصاص ولا قتل أبرياء. أما عن قناوي فهي تنوي استكمال اضرابها عن الطعام حتى يتم القبض على الهاربين بل و التصعيد بوسائل أخرى مشروعة من أجل قضيتها و من أجل الحفاظ على حياة الآخرين.
مشاركة :