قد تولد الإرادة من رحم المحنة، وتقوى العزيمة بقساوة الظروف، وربما تكون سببا للوقوف بدون قدمين، هذا ما حدث مع شاب ثلاثينى من محافظة الشرقية، يعمل نجارا أفقده حادث القدرة على المشي، لم يأخذه اليأس وظل فى عمل دؤوب ممارسا لحرفته، ومستكملا مشوار الحياة بكل تفاؤل.«أحمد عامر» ٣٢ سنة، نشأ فى عائلة تعمل بحرفة النجارة، التحق بالورشة فى العام نفسه الذى التحق خلاله بالصف الأول بالمدرسة، وتتلمذ على يد والده، ثم احترف صنعته، التى تميز مدينته «أبوكبير» الذائع صيتها بصناعة الموبيليا، وانفرد بتصدير مصنوعاته الخشبية للجزائر وليبيا، كانت ظروفه ميسرة ماديا، إلى حد كبير، حيث تزوج بفتاة من مدينته، بعد خطبة دامت نحو عام، كللتها السعادة وانتظار الحياة الزوجية بشغف خلال فترة خدمته العسكرية.لكنها الرياح تأتى بما لا تهوى السفن، حيث لم يمر شهر على زواجهما، وتعرض لحادث أعجزه عن المشي، ظل عاما يعاني، غير متقبل عجز حركته، وأثناء هذه الفترة العصيبة، طالبته الزوجة بالطلاق، وكانت وضعت مولودها منذ شهر، لم يعرف هل يفرح بولى عهده الذى تركته أمه صغيرا لوالدته ورحلت، أم يحزن لتخلى رفيقة الدرب عنه، فزادت همومه، ودخل لمدة ٤ أعوام، فى تيه وساءت حالته النفسية.يقول «أحمد» ظللت ٤ أعوام أسعى فى كل محافظات مصر، كى أتعالج وكلى أمل فى التماثل للشفاء، وبعد سنوات أكد الأطباء لى أنه لا سبيل لذلك، كان طفلى يكبر يوما بعد يوم، فى الوقت الذى كنت أعيش فى دوامة، ثم حدث وتقبلت إرادة الله، وكان والدى باع كل ما نملك حتى بيت العائلة، فعملت مشروعا لبيع المنظفات وبعض المشروعات الصغيرة، لكنها فشلت لقلة خبرتى بها، قعدت للنجارة بكرسى متحرك، لأعيش وطفلى من كد يدي.ويتابع: النجارة حرفة شاقة كما أنها تطلب الوقوف طوال الوقت، استنكر البعض الأمر إلا أنهم تقبلوه بإصرارى لاحقا، وكان زملائى يساعدوننى قدر المستطاع، خاصة أننى كنت أعمل معهم بعد الحادث، من واقع خبرة ٢٥ عاما، فكان عملى إشرافيا أكثر من التنفيذ، لأن قوتى الجسدية تضاءلت عن السابق.ويختتم «أحمد»: محنتى أرتنى الدنيا بعين التفاؤل، وغيرت شخصيتى للأفضل، طرقت أبوابا لم أقف أمامها وقتما كنت نجارا بكامل صحتي، فبعد الحادث شاركت بالحياة السياسية والعمل العام، وتعرفت على شخصيات كثيرة باختلاف الطبقات الاجتماعية والوظائف، من بينهم معاقون، كنت أشفق سابقا عليهم، لمن لم أساعدهم إلا بعدما شربت من نفس كأسهم، وذقت مرارة ألمهم، فانطلقت لمساعدتهم بكامل طاقتي، وأنشأت جمعية تنموية، حصلت على إشهارها من وزارة التضامن الاجتماعي، لمساعدة المعاقين وذوى الاحتياجات، فدمجت بين عملى كنجار والعمل العام وهو مساعدة المحتاجين، وهكذا كان الحادث لى معبرا لرؤية الدنيا بعين الأمل.
مشاركة :