قال الله تعالى على لسان خليله إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} إبراهيم (126). هذه الدعوة التي خص بها أبو الأنبياء عليه السلام بلاد الحرمين يجب علينا جميعًا أن نحمد الله عليها ونتكاتف، ونتعاون لنصل إلى تحقيقها على أعلى المستويات، وأن نكون سدًّا منيعًا لكل مَن تسول له نفسه المساس بأمننا، أو النَّيل من بلادنا. وأن نكون سيفًا بتارًا، يبتر كل يد تحاول عبثًا زعزعة أمن هذه البلاد التي تكفَّل الله - عز وجل - بحمايتها، واختارنا لنكون أمناء عليها، وحراسًا للحفاظ على أمنها.. وهذا شرف لا يدانيه شرف، ومنزلة لا تساويها منزلة ورب الكعبة. فهل سنكون كذلك؟ هذا هو التحدي، وهذا هو المحك الحقيقي لالتزامنا بأوامر ربنا - عز وجل -، واجتنابنا نواهيه - سبحانه وتعالى -؛ إذ يجب علينا جميعًا حاكمًا ومحكومًا أن نحقق لهذه البلاد التي اختارها الله - عز وجل - من بين بلاد الدنيا لتكون مقرًّا لبيته العتيق، ومهوى لأفئدة خلقه، ومهبطًا لوحيه، ومنبعًا لخاتمة رسالاته لبني آدم، ومستقرًّا لخاتم الأنبياء والرسل، ومنطلقًا لدعوته - عليه أفضل الصلاة والتسليم - التي وُجِّهت للبشرية جمعاء، واختارنا من بين خلقه لنكون خلفاء في هذه البقعة المباركة، وحمَّلنا أمانة المحافظة عليها؛ لتبقى منارة للعالم أجمع، تنير له دياجير الظلام؛ ليترسم خطاه نحو النجاة في الدارين. فهذه أمانة عظيمة، وحمل ثقيل، أعاننا الله على حمله، وأدائه على الوجه الأكمل. وهذا الأمر يتطلب منا جميعًا أن نكون أمناء على أمن هذه البلاد، وعلى قدر المسؤولية للمحافظة عليها على جميع الأصعدة، وأن نحقق لها أنواع الأمن كلها دون استثناء؛ فلا يكون همنا تحقيق الأمن الوطني والعسكري فقط، وعدم الاهتمام بأنواع الأمن الأخرى التي لا تقل أهمية عنهما؛ فيجب علينا أن نحقق لها الأمن الفكري، والاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي على حد سواء، وأن لا نغفل أيًّا منها، وليكن همنا الحفاظ عليها جميعًا؛ لأن أي إخلال بأيٍّ منها يُعتبر إخلالاً بأمن الوطن؛ فلا يظن البعض أن المحافظة على الأمن إنما هي المحافظة على الأمن العسكري أو الوطني فقط؛ فيُبذل كل شيء من أجله، ويُغفل البقية؛ فيُهمل المحافظة على الأمن الفكري أو الاقتصادي أو الاجتماعي.. وهذه أُم الكوارث، وطامة الطوام؛ لأن الأمن كلٌ لا يتجزأ. لذا يجب علينا أن نقف في وجه كل من تسول له نفسه الإخلال بأي نوع من أنواع الأمن في بلادنا؛ في وجه مَن يحاول عبثًا أن يدخل الأفكار المتطرفة، والرؤى الهدامة، والآراء المنحلة التي تريد هدم قيم المجتمع، تحت أسماء رنانة. كما يجب علينا أن نقف الوقفة ذاتها في وجه مَن يحاول النيل من أمننا الاقتصادي بشتى الطرق الملتوية التي يتبعها بعضهم لضرب اقتصاد بلادنا الغالية، أو محاولات إيهام المجتمع بنشر الشائعات الكاذبة المغرضة بين أفراده بأن ما يحدث الآن من حراك سيضرب مفاصل الاقتصاد، وجرّنا إلى مستقبل اقتصادي مظلم لا قدر الله. وبالأهمية ذاتها تكون وقفتنا في وجه مَن يحاول أن يخدش أمننا الاجتماعي القوي الذي يرتكز على لحمة اجتماعية عظيمة، يقف خلفها تكاتف، وتآزر، وتعاون بين أفراد هذا المجتمع المتماسك الذي يكوّن نسيج هذا الوطن المعطاء؛ فمهما حاولوا عبثًا النيل من هذه الوحدة فلن يستطيعوا بإذن الله تعالى؛ لأننا نرتكز على قول الله -عز وجل-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وقول نبيه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ؛ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وشَبَّكَ أصَابِعَهُ" .
مشاركة :