تيم فوكس* سارت أحداث الأسبوع الماضي على نحو جيد بالنسبة لأصول المخاطر، حيث شهدت أسواق الأسهم الرئيسية وأسعار النفط تقدماً ثابتاً بعد ما تأكد بأن الانكماش الاقتصادي العالمي قد لا يكون سيئاً كما كان يُخشى. بدأ الأسبوع بنشر بيانات مؤشر مديري المشتريات الصيني لشهر مارس، والذي ارتفع فوق مستوى 50 نقطة. ومع النمو الأخير في الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة في الصين، رأى المستثمرون في ذلك دليلاً على أن الحوافز النقدية والمالية الأخيرة بدأت تؤتي ثمارها. وكان المؤشر الصناعي لمعهد إدارة الموارد الأمريكي أكثر ثباتاً مع ارتفاعه إلى 55,3 نقطة في مارس، في حين ارتفع مؤشر مديري المشتريات الصناعي في المملكة المتحدة إلى 55,1 نقطة، وهو أعلى مستوى في 13 شهراً. كما تحسن مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات الصيني، وتم تعديل بيانات مؤشر مديري المشتريات الخدمي في منطقة اليورو.وتم استئناف المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومع أن الرئيس الأمريكي قال إن الوقت ما زال مبكراً للتوصل إلى اتفاق، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى احتمال انهيار هذه المحادثات. وبالنسبة لمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت هناك أيضاً العديد من المؤشرات على قرب التوصل إلى صيغة «أخف وطأة» للخروج.ومن شأن إيجاد حل بنّاء للنزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين أن يبدد خطر حدوث هبوط كبير في النمو العالمي في الوقت الذي تباطأ فيه نمو التجارة العالمية وتراجع نمو الصادرات إلى المنطقة السلبية في بعض الاقتصادات الآسيوية. وقد حذرت مدير عام صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد الأسبوع الماضي من مرور الاقتصاد العالمي ب «لحظات حرجة»، كما خفّضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها لنمو التجارة العالمية هذا العام. ومن شأن تبديد المخاوف التجارية الأمريكية الصينية أن يعزز النشاط الاقتصادي وثقة الأعمال، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصادين الأمريكي والصيني، ويعيد فتح سلاسل التوريد وروابط التصدير العالمية بما يصب في مصلحة أجزاء أخرى من العالم.وساهم تفاؤل المستثمرين في تهدئة مخاوف أسواق السندات بشأن الانكماش والركود الوشيك مع انحدار منحنى العائد. وقد ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين وعشرة أعوام فوق مستوياته الأدنى المسجلة خلال شهر مارس وأيضاً فوق سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية. بدوره ساهم تقرير الوظائف غير الزراعيّة الأمريكي في تعزيز مستوى التفاؤل أيضاً خلال نهاية الأسبوع، حيث كشف عن إضافة 196 ألف وظيفة خلال شهر مارس مقارنة مع 33 ألف وظيفة المضافة خلال فبراير بعد التعديل بالرفع؛ ولكن دون أن يظهر الكثير من علائم تضخم الأجور، فضلاً عن انخفاض معدل النمو السنوي لمتوسط الأرباح الساعية إلى 3,2%. وبهذا المعنى، كان تقرير الوظائف «معتدلاً» لناحية عدم تسجيل معدلات حادة في أي من هذه التوجهات، ولكنه كان أيضاً قوياً بما يكفي لتهدئة المخاوف من حدوث الركود دون أن يستلزم العودة إلى تشديد السياسة النقدية.ينبغي أن ينعكس هكذا سيناريو بالإيجاب على الأسواق؛ فحتى يعود الاحتياطي الفيدرالي إلى سياسة التشديد النقدي، لا بد من توافر الكثير من الشروط أولاً، ولكن من غير المحتمل أن يحدث ذلك على المدى القريب مع بقاء أسعار الفائدة على حالها في المستقبل المنظور. ولكن «المنغّص» التالي قد لا يكون خطر العودة إلى تشديد السياسة النقدية، وإنما في التحرك السابق لأوانه لتخفيف القيود النقدية إذا ما تصرف الرئيس ترامب بما يحلو له.ربما يكون احتمال قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة في وقت أبكر من المتوقع قد تراجع قليلاً نتيجة لتقرير الوظائف، ولكن من غير المرجح أن تتلاشى الضغوط من البيت الأبيض. وقد دعا كل من ستيفان مور، المرشح لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ولاري كودلو، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، إلى خفض فوري في سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار 50 نقطة أساس. في حين يدفع الرئيس ترامب الآن باتجاه ترشيح هيرمان كاين الموالي لسياساته لشغل مقعد في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التابعة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، كما يدعو أيضاً إلى استئناف سياسة التيسير الكمي. ويبدو أن انتهاج الاحتياطي الفيدرالي سياسة أكثر صبراً منذ بداية العام الحالي كان بالفعل نتيجة ضغط من الرئيس ترامب، وكان هذا لا يزال موضع ترحيب واسع من الأسواق. ومع ذلك، فمن المرجح أن يتم النظر إلى أي خطوة نحو التيسير الفعلي بعين الحذر، خاصة إذا حدث ذلك في الوقت الذي يبدو فيه الاقتصاد الأمريكي بحالة جيدة. قد تبدو الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 بعيدة، لكن يبدو أن استقلال الاحتياطي الفيدرالي سيصبح مادة دسمة خلال الحملات الانتخابية. * رئيس قسم الأبحاث وكبير الاقتصاديين في «الإمارات دبي الوطني»
مشاركة :