في الذكرى السبعين لتأسيس حلف «الناتو»: إنجازات وتحديات المنظمة الدفاعية الأقوى في العالم

  • 4/15/2019
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

في الرابع من أبريل الجاري شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن اجتماعًا لوزراء خارجية حلف الناتو وعلى الرغم من كونه اجتماعًا دوريا فإنه قد اكتسب طابعًا خاصًا إذ تزامن مع الذكرى السبعين لتأسيس الحلف، فمدينة واشنطن هي ذاتها التي شهدت توقيع المعاهدة المنشئة للحلف عام 1949 بين اثنتي عشرة دولة آنذاك ليصل عدد أعضاء الحلف حاليا إلى 29 دولة. وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي لتأسيس الحلف كان حفظ السلام في أوروبا فإن التحولات التي شهدها العالم وأهمها انتهاء الحرب الباردة ومن ثم انتهاء حلف وارسو فعليا قد أثارت الكثير من الجدل حول جدوى استمرار الناتو، انطلاقًا من تصور مؤداه أن الحلف كان مرتبطًا بتلك الحرب ومواجهة تمدد الاتحاد السوفيتي آنذاك، صحيح أن الحلف كان حائط صد أمام سياسات الاتحاد السوفيتي للتمدد في مناطق رأت الدول الغربية أنها تمثل مجالًا جيواستراتيجيا لها إلا أن تلك الرؤى وغيرها لم تمعن النظر في ماهية الحلف وكيف استطاع التأقلم مع تلك المتغيرات، وبعيدًا عن هيكلية الحلف ولجانه المختلفة وآليات عمله وجميعها تجسد فكرة توازن المصالح بين أعضائه فإن ويسلي كلارك القائد العسكري السابق للناتو قد لخص ماهية الحلف بالقول «إن التحالف الناجح يجب أن يكون لديه إجابة محددة عن تساؤلات ثلاثة وهي من نحن؟ وماذا نريد؟ وما قدراتنا؟» وأتصور أن حلف الناتو قد قدم إجابات محددة عن تلك التساؤلات، فالناتو منظمة تضم عددًا من الدول تجمعها مصالح وقيم مشتركة تعاهدت على العمل معًا وفق ميثاق واضح وملزم للأعضاء كافة تأتي في بؤرته المادة الخامسة وهي جوهر عمل الحلف التي تعتبر أن أي اعتداء على أي من دول الحلف يعد اعتداءً على الأعضاء كافة بما يعنيه ذلك من تدخل الحلف عسكريًا لردع ذلك العدوان، وقد حدد الحلف أهدافًا واضحة وهي الدفاع عن أمن وحرية دوله الأعضاء، وعلى صعيد القدرات فالناتو ليس لديه جيش بالمعنى التقليدي وإنما قوات في مختلف التشكيلات العسكرية مكونة من دوله الأعضاء وموزعة في العديد من مناطق مختلفة من العالم. ومع أن بنية الحلف تحددها القواعد التي تنظم عمل المنظمات الإقليمية عمومًا سواء من حيث العضوية أو آليات العمل إلا أن هناك عوامل أخرى خاصة بالحلف من شأنها تفسير استمراره وتطوره عبر عقود يمكن تلخيصها في ثلاثة عوامل أولها: الديناميكية من خلال القدرة على التأقلم مع التحولات الدولية، فعلى الرغم من وجود ميثاق للحلف يحدد أهدافه فإن التحديات التي واجهت الحلف وخاصة طبيعة التهديدات من خارج أراضي دوله الأعضاء قد حدت بالحلف إلى إصدار ما يسمى بالمفهوم الاستراتيجي وهو ميثاق أمني رفيع المستوى يصدر كل عشر سنوات ويعد حصيلة مناقشات عميقة ليس فقط بين أعضاء الحلف بل مع شركائه في الوقت ذاته حول أهم المستجدات الأمنية وكيفية مواجهتها وهو يتكامل مع الميثاق المنشئ للحلف ولا يتناقض معه، وثانيها: الشراكات التي أسسها الحلف مع العديد من دول العالم والتي بلغت حوالي 55 دولة حظيت منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط بشراكتين منها الأولى: مبادرة الحوار المتوسطي عام 1994بين الحلف وسبع دول جنوب البحر المتوسط، والثانية: مبادرة اسطنبول للتعاون مع دول الخليج العربي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي انضمت إليها أربع من دول الخليج من بينها مملكة البحرين، وتتضمن تلك المبادرة نوعي الأمن الصلب والناعم في الوقت ذاته، وقد توجت تلك المبادرة بافتتاح الحلف المركز الإقليمي للحلف ومبادرة اسطنبول بالكويت عام 2017. تلك الشراكات التي تؤكد نجاح الحلف في التحول لمنتدى أمني عالمي يتم من خلاله تحديد أبرز التهديدات الأمنية التي تواجه دول العالم في ظل انتهاء الحدود الفاصلة بين مستويي الأمن الإقليمي والعالمي، وثالثها: القدرة على الحسم والإنجاز: فما أن يبدأ الحلف العمل العسكري فلابد أن ينجزه والأمثلة على ذلك عديدة من خلال تدخلات الحلف في العديد من الأزمات، لعل أبرزها؛ الحملة العسكرية على ليبيا عام 2011 مع الأخذ في الاعتبار أن للحلف شروطًا للتدخل العسكري منها ضرورة وجود قرارات أممية ووجود إجماع بين أعضاء الحلف أن هناك مخاطر تهدد المصالح الحيوية لأعضاء الحلف. ومع أهمية ما سبق فإن الحلف يواجه تحديات على مستويات ثلاثة الأول: على مستوى الحلف ذاته كمؤسسة، من حيث الإبقاء على «قوة التضامن» بين أعضائه، ولا أعني بذلك التصريحات الأمريكية من آن لآخر بشأن الحلف حيث إن إلقاء الأمين العام للحلف خطابه خلال الاجتماع الأخير أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي للمرة الأولى في تاريخ الحلف يعد مؤشرًا مهما على الدعم الأمريكي للحلف ولكن ما أعنيه هو ظهور وجود مؤشرات تشي بانقسامات حادة ومنها إبرام تركيا عضو الحلف صفقة صواريخ إس 400 مع روسيا التي لا يزال يعتبرها الحلف تحديا له، فضلا عن استمرار الجدل بشأن ضرورة التزام أعضاء الحلف بنسبة 2% من الناتج القومي الإجمالي على الإنفاق العسكري، أما المستوى الثاني فهو بين الحلف والقوى الدولية عمومًا وروسيا على نحو خاص، صحيح أن الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج قال إن الحلف «لن يدخل في سباق تسلح جديد ولن ينشر صواريخ نووية متوسطة المدى رغم خرق روسيا لتلك المعاهدة مما حدا بالولايات المتحدة إلى الانسحاب منها» إلا أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قال إن الحلف سوف يعمل على «احتواء القوة الروسية» وهو ما يثير تساؤلات حول وسائل ذلك الاحتواء؟ ويتمثل التحدي الثالث: في علاقة الحلف بالشركاء سواء في منطقة الخليج العربي أو الشرق الأوسط عمومًا حيث تتسم البيئة الأمنية الراهنة بالتعقيد والتشابك الشديد ليس أقلها التحالفات الراهنة والمتوقعة ومنها تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي «ميسا» مما يثير التساؤلات حول دور الحلف ضمن تلك التحولات، وهو موضوع يحتاج إلى سلسلة من الحوارات بين منطقتنا وحلف الناتو الذي برغم التحديات لا يزال يعتبر المؤسسة الدفاعية الأقوى في العالم. ‭{‬ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية

مشاركة :