منذ عام 2008 وأهل البصرة يحاولون الاستفادة من دستور العراق الفدرالي الجديد لإنشاء إقليم بصلاحيات واسعة، لكن محاولاتهم تفشل، وفي هذه المرة، تغيرت أمور كثيرة، وبات هناك تيار شعبي يمتلك «تراجيديا» احتجاج وشهداء ونخبة مبشرة بما يشبه الحكم الذاتي، وكذلك اهتمام دولي كبير بحاضرة العراق المطلة على الخليج والمتميزة بهويتها الخاصة، والتي صنعت أعنف الاحتجاجات المدنية في البلاد، وصولاً إلى إحراق مقرات الفصائل المسلحة الموالية لطهران، الصيف الماضي. ورغم أن الصيف الوشيك يبدو أقل قسوة هذه المرة بوفرة المياه والأمطار التي تحولت إلى سيول خطيرة وصلت حتى الفاو عند البحر، فإن قلق الأحزاب من استئناف الاحتجاجات الشعبية في البصرة خصوصاً لا يزال على أشده، لاسيما أن أعمال العنف التي تشوبها تهدد دوماً بوقف تصدير النفط، وتعطيل منافذ العراق التجارية مع الكويت وإيران وتجارة البحر. وبعدما فشل البصريون مرتين في استكمال الإجراءات القانونية كي تتحول مدينتهم إلى إقليم طبق الدستور، عاد الجمهور والنخب هناك يتحدثون عن ضرورة إنشاء إقليم البصرة على غرار إقليم كردستان الشمالي، حين أخفقت الحكومة حتى في توفير الماء الصالح للشرب للمدينة، التي يختلط فيها ماء البحر بمياه دجلة والفرات المنحسرة بفعل سدود عملاقة أنشأتها تركيا وإيران عند منابع النهرين، غير أن الأمر يقلق مراكز القوى السياسية والدينية، مما دفع حكومَتي نوري المالكي وحيدر العبادي إلى عرقلة الإجراءات، وشجّع مرجعية النجف العليا على طلب تأجيل هذا المشروع لضرورات الحرب التي كانت طويلة مع «داعش». وقرر مجلس محافظة البصرة، وهو البرلمان المحلي في منطقة إدارية بات يقطنها اليوم نحو خمسة ملايين نسمة، بدء إجراءات التحول إلى إقليم بصلاحيات واسعة، ورغم أن هذا المجلس لا يحظى بثقة الأهالي لارتباطه بالأحزاب المتهمة بتهميش البصرة، خرجت مسيرة واسعة الجمعة الماضي، ورفع مئات الناشطين أثناء تجوالهم بسياراتهم في الشوارع الرئيسية علماً يرمز للإقليم بألوان البحر والنخيل الزرقاء والخضراء يتوسطه شكل سفينة تقليدية على خلفية بيضاء يزعم البصريون أنها تمثل روح دعواتهم السلمية. ولا يوجد إجماع داخل المدينة على التحول إلى إقليم، لكن المحاولة الثالثة التي تشهدها البصرة منذ سقوط نظام صدام حسين قبل ١٦ عاماً، تبدو مختلفة هذه المرة؛ لأنها نجحت في تأسيس تيار، وخصوصاً بين شباب المدينة المكتظة بالسكان، يدعو إلى امتلاك صلاحيات إدارية توازي تلك الصلاحيات التي مكّنت الأكراد من تطوير بناهم التحتية بنحو جعل سفوح ووديان أربيل والسليمانية عامرة بالمشاريع العمرانية والصناعية التي جلبت الاستقرار.
مشاركة :