«مقبرة خوي»... تبوح بأسرار التحنيط عند الفراعنة

  • 4/17/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لا تزال عملية تحنيط جثامين الموتى، التي كان يتبعها المصريون القدماء قبل نحو خمسة آلاف عام، سراً كبيراً من أسرار الحضارة الفرعونية، لكن إعلان وزارة الآثار المصرية أخيراً اكتشاف مقبرة لأحد نبلاء الملك في أواخر عصر الأسرة الخامسة من الدولة القديمة يُدعى "خوي"، يفتح المجال أمام الباحثين لدراسة هذا الكشف المهم، لكون المقبرة تضم أواني تحتوي على بقايا الزيوت المستخدمة في التحنيط. نجحت بعثة آثارية مصرية في اكتشاف مقبرة "خوي"، الذي كان يشغل منصب النبيل لدي الملك في أواخر عصر الأسرة الخامسة من الدولة القديمة، وافتتح وزير الآثار المصري خالد العناني، السبت الماضي، المقبرة الواقعة في "جبانة سقارة" (جنوب القاهرة)، حيث تم افتتاحها أمام جمهور الزوار لأول مرة منذ اكتشاف الجبانة الأثرية أوائل أبريل الجاري. وأكد العناني تزايد حجم الاكتشافات الأثرية في مصر، خلال العامين الماضيين، مرجعاً ذلك إلى كثافة عمل البعثات المصرية بالتعاون مع نظيراتها الدولية، بالإضافة إلى اهتمام الحكومة المصرية بقطاع الآثار، وتهيئة الظروف الأمنية المناسبة لعمل الفرق المختصّة في المناطق الأثرية. وخلال مراسم تفقد المقبرة، التي حضرها 52 سفيراً ومستشاراً ثقافياً من دول عربية وأجنبية وإفريقية لدى مصر، قال العناني إن الكشف الجديد يعود إلى القرن 24 قبل الميلاد (منذ 4400 عام)، لأحد كبار الموظفين بالأسرة الفرعونية الخامسة، لافتاً إلى أن المقبرة تمتاز بجودة نقوشها وألوانها الرائعة. واكتشفت المقبرة، خلال موسم الحفائر الحالي أثناء قيام البعثة المصرية برئاسة محمد مجاهد، بأعمال الحفائر والتسجيل العلمي للمجموعة الهرمية للملك "جدكارع" من الأسرة الخامسة بجنوب سقارة. وتتكون المقبرة من بناء علوي عبارة عن مقصورة قرابين شُيدت على شكل حرف (L). ومن الواضح أن أحجار المقصورة انتُزعت خلال العصور المصرية القديمة وأعيد استخدامها في أماكن أخرى، حيث عثرت البعثة على بقايا الجدران السفلية فقط، والتي شيدت من الحجر الجيري الأبيض. ويوجد بالجدار الشمالي من المقبرة مدخل البناء السفلي للمقبرة، والذي يحاكي تصميمه أهرامات الأسرة الخامسة، وهو التصميم الذي يتم الكشف عنه لأول مرة داخل مقابر للأفراد وليس ملوك تلك الفترة. بدأ هذا الجزء من المقبرة بممر هابط يؤدى إلى ردهة صغيرة، ومنها إلى حجرة أمامية منقوشة عليها مناظر تصور صاحب المقبرة جالساً أمام مائدة القرابين، وكذلك على قائمة قرابين ومنظر لواجهة القصر. كما تحتوي المقبرة على حجرة ثانية غير منقوشة استخدمت للدفن، بها بقايا تابوت من الحجر الجيري الأبيض مهشم تماماً، إلا أن البعثة تمكنت من الكشف عن البقايا الآدمية لـ"خوي" بين الأحجار، والذي وجد عليها بقايا الزيوت ومادة "الراتنج"، التي كان يستخدمها المصري القديم في التحنيط. ويُعد هذا الكشف استكمالا لإظهار أهمية فترة الملك جدكارع بصفة خاصة، ونهاية الأسرة الخامسة بصفة عامة، إذ نجحت البعثة أيضاً في الكشف عن اسم زوجة الملك لأول مرة، وهو "ست إيب حور"، وكان محفوراً على عمود غرانيتي بجانب معبدها. وتعد المقبرة من المقابر النادرة، التي وقع فيها الفنان المصري القديم، الذي نقش المقبرة، في خطأين واضحين؛ كشفهما أمين المجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري، الأول يتمثل في وجود بصمة لكف الفنان ناقِش المقبرة، وهو ما أرجعه وزيري إلى حدوث خطأ ما أثناء التلوين، مرجحاً أن يكون الفنان تعب أثناء العمل فاستند بيده على جدار المقبرة، ولم تكن الألوان قد جفت تماماً، وبالتالي ظهرت هذه البصمة بشكل واضح. الخطأ الثاني يتمثل في أن الفنان رسم مركباً عليه أربعة بحّارة ونسي أن يلون أحدهم في الرسمة التالية، وقال وزيري معلقاً على هذين الخطأين: "المصري القديم كان يسعى إلى الكمال في عمله، لكن الفعل البشري لابد أن يناله النقصان مهما سعى الإنسان لإتقان عمله، فالفراعنة كانوا بشراً يخطئون ويصيبون". ومن الأمور اللافتة في النقوش الموجودة على جدران المقبرة، خطوات ذبح القربان، حيث يجسد الفنان القديم دقة ما حدث بأن السكين الذي ذبح به القربان كان حاداً في بداية عملية الذبح، لكن الذابح نسى أن يسن السكين، فإذا بالسكين غير قادر على الذبح، في آخر النقوش التي جاءت على الجدار، وهذا ما جسده الفنان بكل دقة. وتحتوي المقبرة أيضاً على أربعة من الأواني الكانوبية، التي كان المصري القديم يصنعها ليحتفظ فيها بأحشاء المتوفى؛ مثل الكبد والطحال والأمعاء والرئتين. أما الجديد والمثير في هذه المرة فهو أن هذه الأواني الكانوبية مازالت تُحفظ بالكتان، كما توجد بداخلها بقايا زيوت ومواد التحنيط، وخاصة مادة الراتنج، التي استخدمها الفراعنة لتحنيط مومياء "خوي"، وتظهر بوضوح في غطاء هذه الأوعية الأربعة.

مشاركة :