اكتفت الحكومة العراقية في الأسابيع الأخيرة بالحد الأدنى من تصريحات المجاملة بشأن الإعلانات الإيرانية الكبيرة بشأن الفرص الكبيرة التي يقدمها العراق لإيران لتخفيف وطأة العقوبات الأميركية القاسية. وكان آخرها إعلان مدير مكتب الرئيس الإيراني محمود واعظي أمس عزم طهران بناء 5 مدن صناعية مع العراق بموجب مذكرة تفاهم موقعة بين البلدين. وأكد أن العراق يقدم فرصة مواتية لاجتياز الحظر الأميركي على إيران. ويرى محللون أن الصيغ الاستعراضية للإعلانات الإيرانية عن مشاريع عملاقة مع العراق تتضمن مشاريع للسكك الحديد وتقديم خبرات تكنولوجية لا تملكها، تكشف حجم اختناق إيران نتيجة العقوبات الأميركية القاسية. وأكدوا أن فتور ردود فعل بغداد على التصريحات الإيرانية يؤكد أن فرص تحققها محدودة، في وقت تنشغل فيه بغداد بحسابات أخرى تتعلق بضغوط واشنطن للابتعاد عن طهران وتقييم الفرص الكبيرة التي يقدمها الانفتاح على دول الخليج وخاصة السعودية.ويمكن تفسير التصريحات الإيرانية بأنها رسائل للرأي العام المحلي لتأكيد إمكانية تخفيف قسوة العقوبات، بعد أن تضررت الأوضاع المعيشية وأدت إلى انفجار احتجاجات كثيرة في أنحاء البلاد. كما أنها رسالة تصعيد موجهة لواشنطن. وجدد واعظي التفاخر بأن إيران هي الشريك التجاري الأول للعراق وأنها تتصدر قائمة أكبر المصدرين للعراق بنحو 12 مليار دولار وأنها تسعى لزيادتها إلى 20 مليار دولار في العام الحالي. وأشار مساعد شؤون التخطيط في منظمة الصناعات الصغرى والمدن الصناعية في إيران محمد علي عزيز محمدي إلى أن “توفير الظروف والتسهيلات اللازمة لإنشاء المدن الصناعية المشتركة على الحدود مع العراق يهدف إلى توسيع الصادرات”. وكان وزير الصناعة والتعدين والتجارة الإيراني رضا رحماني قد أكد الأسبوع الماضي على ضرورة تنفيذ الاتفاقيات التجارية بين إيران والعراق. وأكد تحديد 8 مواقع لمدن صناعية حدودية مشتركة في إقليم كردستان وجنوب العراق. وأشار إلى توقيع مذكرات تفاهم للتعاون بين وزارة الصناعة والتعدين والتجارة الإيرانية ووزارة التجارة العراقية بشأن البنى التحتية والتجارة والنقل البري والقضايا القنصلية والمواصفات والترانزيت وكذلك في مجال السكك الحديد. وذكر أن من المواضيع الأخرى التي جرى بحثها، تعرفة التجارة التفضيلية بين البلدين وضرورة تنفيذها، مؤكدا بدء التفاوض بهذا الشأن بين اللجان المختصة في البلدين. وكان وزير التجارة محمد العاني قد أكد خلال لقائه مع رحماني حرص البلدين على تنمية علاقاتهما في جميع المجالات. وأكد أن “الأرضية ملائمة لتواجد التجار والمستثمرين الإيرانيين في العراق”. لكن محللين يقولون إن الحكومة العراقية مضطرة لمجاراة التصريحات الإيرانية لكنها لن تتمكن في نهاية المطاف من تحدي واشنطن خشية شمولها بالعقوبات الأميركية.وصعدت طهران استعراضها للقوة في العراق في الأشهر الأخيرة بزيارات قام بها كبار مسؤوليها وبضمنهم الرئيس حسن روحاني، التي تتحدى الإرادة الأميركية، التي تطالب بغداد بتقليص اعتمادها على إمدادات الغاز والكهرباء الإيرانية. ويؤكد ذلك أن خطة إيران الوحيدة لمواجهة العقوبات الأميركية هي الاعتماد على العراق كرئة اقتصادية لتخفيف قسوة العقوبات في ظل انقسام سياسي حاد في بغداد بين فريق مؤيد لطهران وفريق مناوئ لنفوذها المعرقل لخروج البلاد من أزماتها الاقتصادية. وأعطت واشنطن بغداد مهلة لتنفيذ العقوبات الأميركية على إيران، ومارست ضغوطا عليها للالتزام بتلك العقوبات، لكن الحكومة العراقية تواصل المماطلة وتقول إنها لا تستطيع تقليص علاقاتها مع جارتها طهران. ويخشى معظم العراقيين من تحويل بلادهم إلى ساحة للمواجهة واستعراض القوة خاصة أن إدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية يمكن أن يشدد الخناق على ميليشيات عراقية مصنفة هي الأخرى كمنظمات إرهابية مثل عصائب أهل الحق وحركة النجباء وحزب الله العراقي. وتصاعدت المواجهة بين واشنطن وطهران في الساحة العراقية بعد تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، الأمر الذي زاد من شراسة الضغوط الإيرانية على الميليشيات التابعة للحرس الثوري والتي أصبح لها تمثيل واسع في البرلمان والحكومة العراقية. ويشهد الشارع العراقي اتساع حالة التذمر من نفوذ إيران والتي ظهرت جلية في الشعارات التي رفعتها الاحتجاجات في مدن وسط وجنوب العراق ومهاجمتها لمقرات الأحزاب الموالية لطهران. ويرجح معظم المراقبين أن تنحاز بغداد لمصالحها في نهاية المطاف، خاصة في ظل الإغراءات الاقتصادية الكبيرة التي تقدمها دول الخليج، إضافة إلى خشيتها من التعرض للعقوبات الأميركية إذا تمادت في الرضوخ للنفوذ الإيراني. وكانت بغداد قد توصلت لاتفاقات واسعة مع الرياض خلال زيارة وفد سعودي رفيع إلى العراق قبل أسبوعين. ومن المقرر توقيع اتفاقات أخرى خلال زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء عادل عبدالمهدي للرياض، الأمر الذي يوجه ضربة شديدة لنفوذ طهران في العراق.
مشاركة :