كان البنك المركزي الأوروبي، قد أحدث قدرا من الضجيح في آذار (مارس) الماضي، بالإعلان عن المرحلة الثالثة من برنامج الإقراض الخاص، ساعيا إلى تعزيز النمو في جميع أنحاء منطقة اليورو. تلك السلسلة الجديدة من القروض منخفضة التكلفة من البنك المركزي الأوروبي، تم تصميمها لتزويد أكبرالبنوك التجارية "بتمويل مستقر يمكن الاعتماد عليه في أوقات عدم التيقن في السوق"، ما يحفزها على تحرير قروض جديدة للأسر والشركات عبر القارة. بيد أن البرنامج المعروف باسم عمليات إعادة التمويل المستهدفة للأجل الطويل المعروفة باسم تيلترو TLTRO، قد فشل في تنشيط الإقراض الثابت خلال مرحلتيه السابقتين حتى الآن. أحدث استطلاع بشأن الإقراض من البنك المركزي الأوروبي، أظهر أنه على الرغم من انخفاض أسعار الفائدة، فإن شهية الديون في منطقة اليورو آخذة في التلاشي، إذ إن نسبة البنوك التي سجلت زيادة في الطلب على القروض للشركات في الربع السابق تنخفض إلى الصفر، من 9 في المائة في نهاية العام الماضي. حاليا، يقف الطلب الصافي على القروض في وضع تقلص في كل من إسبانيا وإيطاليا. يقول محللون ومستثمرون إن المشكلة الأساسية ليست في العرض بل في الطلب: الشركات والأسر، كثير منهم مدين في الأصل، ويواجه آفاقا غير مؤكدة، ولا يريد الاقتراض. قبل الاجتماع الأخير لمجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت، حامت شكوك متزايدة حول فعالية البرنامج الرئيس. البعض شبه جهود البنك المركزي بجهود بنك اليابان "المركزي"، المتهم بالضغط عبر سلسلة من المحاولات لأجل اتخاذ تدابير مماثلة لتعزيز تدفق الائتمان، في اقتصاد بطيء عموما. شويتا سينج، الخبيرة الاقتصادية في "تي إس لومبارد" وهي شركة تقدم أبحاثا مستقلة، تقول إن عمليات من شاكلة "تيلترو" مفيدة، عندما تكون البنوك مقيدة في قدرتها على تلبية الطلب على الائتمان. على أنه طلب ضعيف بشكل أساسي، خاصة في إيطاليا، الأمر الذي أعاق الإقراض المصرفي في هذه الدورة، وهذا ما يتسبب في محدودية التعزيز من عمليات "تيلترو". البنك المركزي الأوروبي لا يزال يبدو ملتزما بالبرنامج. في اجتماع آذار (مارس) الماضي، قال رئيسه ماريو دراجي إنه يتطلع إلى أن تبقي عمليات تيلترو في مرحلتها الثالثة المقرر لها أن تبدأ في أيلول (سبتمبر) المقبل، "على شروط إقراض مصرفي مناسبة، وأن تحافظ عليها من خلال انتقال سلس للسياسة النقدية". محضر ذلك الاجتماع الذي صدر الأسبوع الماضي، أظهر أن البنك المركزي الأوروبي اعتبر أن إعلانا مبكرا عن مرحلة جديدة، كان ضروريا "في ضوء الآثار الهاوية التي تلوح في الأفق المتعلقة بعمليات استحقاق "تيلترو" في مرحلته الثانية، وخطر حدوث قدر من التدهور في حالات التمويل للمصارف". يتفق معظم الاقتصاديين على أن التمديد مبرر. تم الإعلان عن المرحلة الثالثة فيما يقترب تاريخ استحقاق الجزء الأكبر من قروض المرحلة الثانية، التي تم إطلاقها في عام 2016، في حزيران (يونيو) 2020. هذا البرنامج، إلى جانب برنامج شراء السندات المنتهي الآن، وأسعار الفائدة التي سجلت انخفاضا قياسيا، يعد جزءا من حزمة سياسة البنك المركزي الأوروبي التي تهدف إلى زيادة معدلات النمو في منطقة اليورو. انخفض معدل نمو الكتلة من نحو نصف في المائة خلال العام الماضي، إلى ما يزيد قليلا على 1 في المائة. "بدون عملية شبيهة بتلك العمليات، ستسوء الظروف النقدية التي تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة والأسر، وهو ما سيكون غير مناسب للغاية، في وقت تتدهور فيه التوقعات الاقتصادية"، حسبما يقول إريك نيلسن، كبير الاقتصاديين في بنك يوني كريدت الإيطالي. المراحل السابقة من "تيلترو" أسهمت في تخفيف معايير الإقراض، ولا سيما في البلدان الضعيفة مثل إيطاليا وإسبانيا، وفقا لاستطلاع الإقراض الذي أجراه البنك المركزي الأوروبي. منذ تقديم أول عمليات "تيلترو" في المرحلة الأولى عام 2014، انخفضت الفروق بين معدلات الإقراض في جميع أنحاء منطقة اليورو، إذ انخفضت المعدلات المرتفعة في البلدان الطرفية. إيطاليا بمفردها يقدر أنها اقترضت نحو ثلث من 724 مليار يورو (817 مليار دولار) من إجمالي عمليات تيلترو المستحقة (ما يضاهي 357 مليار دولار لبرنامج بنك اليابان). في كل من إسبانيا وإيطاليا، توافقت عمليات اقتراض "تيلترو" مع نحو 15 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنحو 3 في المائة في ألمانيا، وفقا لشركة تي إس لومبارد. ومع ذلك، كان نمو دفاتر قروض المصارف التجارية ضعيفا في كل من إيطاليا وإسبانيا. وفقا لآخر أرقام صادرة عن البنك المركزي الأوروبي، فإن معدل النمو السنوي لإقراض الشركات كان إما ثابتا أو متقلصا، في حين توسع بقوة 6 في المائة في كل من فرنسا وألمانيا. جزئيا، هذا ناتج عن استخدام المصارف لأموال رخيصة "بشكل انتهازي، للاستثمار في السندات الحكومية، وفقا لجاذبية العوائد"، حسبما تقول فرانشيسكا فاسيمينو، المديرة الأولى للمؤسسات المالية في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في ميلانو. وتضيف: من المرجح أن تراكم المصارف مزيدا من السندات الآمنة، في حالة ضعف معدلات النمو الاقتصادي. في الوقت الحالي، تبدو شروط "تيلترو" في مرحلته الثالثة، غير محددة إلى حد كبير. محضر البنك المركزي الأوروبي من اجتماع آذار (مارس) الماضي، أظهر أيضا أن "هناك اتفاقا واسعا على أن توضيح التفاصيل سيحتاج إلى مزيد من التفكير". وهناك محللون يتوقعون أن تأتي التفاصيل في حزيران (يونيو) المقبل. وبالنظر إلى استطلاع جرى أخيرا، فإن التوقعات ليست مشجعة للغاية. الطلب على القروض للائتمان الاستهلاكي بخلاف مشتريات المنازل، ارتفع بأبطأ وتيرة في خمس سنوات، فيما توقف نمو الطلب على قروض الشركات. يقول جاك ألين، الاقتصادي في شركة كابيتال إيكونوميكس، إن تباطؤ الطلب على الائتمان "سبب آخر للشك في مقدرة عمليات تيلترو الجديدة على تقديم دفعة قوية للإقراض".
مشاركة :