تعهدت وزيرة الثقافة الجزائرية نادية لعبيدي الخميس بترجمة أعمال الكاتبة الراحلة آسيا جبار، وذلك خلال حفل تكريمي لروحها نظمته الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، بحضور كوكبة من الكتاب والروائيين والنقاد. الملتقى حمل عنوان آسيا جبار.. الكتابة والحضور، ويسعى القائمون عليه إلى إبراز مكانة الكاتبة الجزائرية الراحلة، ومستوى حضورها محليا وعالميا عبر استعراض كتاباتها ونصوصها برؤية نقدية من خلال مداخلات كتاب روائيين ونقاد، مثل أمين الزاوي ومحمد ساري وأحمد بجاوي وعفيفة برارحي والسعيد بوطاجين والحبيب السائح وعبد العزيز بوباكير، وغيرهم. وبحسب رئيس جمعية الدراسات الفلسفية عمر بوساحة، فإن آسيا جبار -واسمها الحقيقي فاطمة الزهراء إيمالاين، وتوفيت في شهر فبراير/شباط في أحد المستشفيات الفرنسية عن 78 عاما- لها حضور بارز على المستوى العالمي بترجمات تتجاوز ثلاثين لغة، لكن حضورها عربيا محتشم ولا يتجاوز عدد نصوصها المترجمة اثنين، أحدهما يحمل عنوان بوابة الذكريات من ترجمة الكاتب الجزائري محمد يحياثن. الأكاديمية الفرنسية وأشار بوساحة في حديثه للجزيرة نت إلى أن جبار معروفة عالميا بأنها عضو الأكاديمية الفرنسية التي انتمت إليها عام 2005، كأول شخصية عربية تنال شرف الانضمام إلى مؤسسة معرفية عالمية بهذا الحجم. وعلى مدار أكثر من ستين سنة من العطاء الأدبي والفني، كتبت جبار أكثر من عشرين رواية وديوان شعر ومسرحية، وسجلت مساهمات في السينما إخراجا وتأليفا، وقد رشحت عدة مرات لجائزة نوبل للآداب من دون أن تفوز بها. وإلى جانب اشتغال جبار على الرواية والسينما واهتمامها بالدفاع عن قضايا المرأة حتى أطلق عليها لقب الكاتبة المقاومة، كشف بوساحة جانبا آخر من اهتمامها حينما قال بأنها اشتغلت كثيرا على قضايا الحرية والنقد الثقافي، ومن خلال ليالي ستراسبورغ تكلمت عن التواصل الثقافي الموجود بين الثقافات والأمم للبحث عن ثقافة إنسانية جديدة، كما كتبت في النقد الثقافي حينما بينت أن الرسام الفرنسي فيكتور أوجين ديلاكروا في لوحته نساء جزائريات في بيوتهن قدّم المرأة الجزائرية بشك استشراقي، مما يبين -بحسب بوساحة- أن الكاتبة كان لها معرفة بالفكر الحديث أو ما بعد الحداثة الذي يقوم على نقد السلطة المعرفة التي تدعيها المركزية الأوروبية. من جانبه، أشار الناقد والروائي محمد ساري إلى الظروف والتحديات التي واجهت جبار في بداياتها، فقد نشرت أول رواية لها العطش عام 1957 بعد رباعي قال عنه إنه ملأ الدنيا صخبا وإبداعا وأدبا، وهم: مولود فرعون، ومحمد ديب، وكاتب ياسين، ومولود معمري. تقصير جزائري وكشف ساري للجزيرة نت أن الكاتبة مع بدايتها خرجت عن المعيار وعن النص، وناضلت من أجل تحرير المرأة الجزائرية من ضغط التقاليد، وكانت تريد أن ترى المرأة الجزائرية خارج البيت ودون حايك (لباس تقليدي جزائري) وتقلد الأوروبيات، وهو ما عرضها للنقد كثيرا، ويقول إنها في كل أعمالها كان همها كيف تتحدث عن نفسها وعن سيرتها الفردية، وكيف تتحدث عن الجماعة وعن البلد. وأضاف ساري أن اطلاع آسيا جبار على التاريخ مكنها من معرفة ما يكتبه الفرنسيون في مذكراتهم، لذلك تساءلت عن السر في اهتمام هؤلاء بأرشفة تاريخهم وعدم قيام الجزائريين بنفس العمل، وبررت ذلك بغياب الإمكانيات، وهو ما يكشف لجوءها إلى تدوين الشفاهية من خلال فيلمها نوبة نساء جبل شنوة، كما قدمت في روايتها الحب والفنتازيا حيثيات ومشاهد من تاريخ الاستعمار الفرنسي. وخلال كلمتها، استجابت وزيرة الثقافة نادية لعبيدي لملاحظات الوسط الثقافي الجزائري بأهمية ترجمة أعمال الكاتبة الراحلة من خلال التأكيد على التزامها بترجمة إبداعاتها، وهي الخطوة التي لاقت ترحيبا كبيرا من طرف الكتاب والمبدعين. واعترفت لعبيدي في كلمتها بوجود تقصير جزائري تجاه الكاتبة، مؤكدة على أنه كان بالإمكان التعبير أكثر عن حب الجزائريين لها، ومدى رغبتهم في احتضان أعمالها. ومثلما استرجعت الجزائر تراث الأديب محمد ديب الذي عانى التجاهل والنسيان، ولم يترجم له سوى عمل واحد موسوم بـثلاثية الجزائر قبل وفاته، إلا أنه الآن يسجل حضورا قويا بعد وفاته عبر المعاهد والجامعات بعد ترجمة أغلب أعماله، ويتوقع تكرار الأمر نفسه مع الكاتبة آسيا جبار.
مشاركة :