قام فريق علمي، من قطاع الآثار والمتاحف وقطاع المناطق في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني مؤخراً، باستكمال أعمال التنقيب الأثرية في موقع العبلاء في محافظة بيشة بمنطقة عسير، وهو ثالث مسجد يتم اكتشافة في مستوطنات التعدين القديمة بعد أن حققت الهيئة اكتشافات مهمة في مواقع تعدين اخرى بالمملكة. وتأتي أعمال التنقيب تلك، ضمن مبادرة تأهيل المواقع الأثرية لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، وبتوجيه من معالي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، حيث قام الفريق العلمي بالتنقيب في مسجد العبلاء الأثري، والذي تم اكتشافه في الموسم الماضي 1439هـ. وأوضح عبدالله الأكلبي، رئيس الفريق المكلف بأعمال التنقيب، أن فريقه بدأ أعمال التنقيب في هذا الموسم بالمسجد الذي قدرت مساحته بـ 2.616 متراً مربعاً، حيث كانت بداية العمل في المساحة الأمامية للمسجد والذي تم من خلاله اكتشاف بعض الجدران المبنية من الحجر والمكسية بالجص الأبيض والوصول إلى أرضية المسجد وهي عبارة عن طبقة مدكوكة أستُخدم فيها الحصى الصغير الناعم مع خلطه مع الرمل والماء مما نتج عنه أرضية صلبة دُكت بشكل جيد على أرضية المسجد الأساسية، ومن ثم فُرش عليها حبيبات صغيرة من الحصى الناعم. وأشار الأكلبي، أن المسجد يتوسطه محراب نصف دائري مجوف إلى الخارج، إضافة إلى وجود غرفتين في الجهة الجنوبية الشرقية، معتقداً أن أحد تلك الغرف كانت تستخدم لإضاءة المسجد. يذكر أن الإدارة العامة للبحوث والدراسات الأثرية بقطاع الآثار والمتاحف بالهيئة، قد نفذت أربعة مواسم للتنقيب الأثري في موقع العبلاء والذي يعد من أبرز مستوطنات التعدين الواقعة في جنوب غرب المملكة لوقوعها على امتداد القطاع الجنوبي من مسار درب البخور التاريخي الذي كان يربط المراكز الحضارية في جنوب الجزيرة العربية بشمالها. كما عاصر الموقع، النشاط الاقتصادي لممالك جنوب الجزيرة العربية، وحافظ على أهميته خلال ازدهار تجارة قريش بمكة، كما لعبت العبلاء كغيرها من حواضر جنوبي غرب الجزيرة العربية بعد ظهور الإسلام دورها التاريخي والحضاري لكونها ضمن المحطات الرئيسة الواقعة على مسار طريق الحج اليمني الأعلى (النجدي) الواصل بين صنعاء ومكة المكرمة، هذا فضلاً عن دورها الاقتصادي كواحدة من مجتمعات التعدين في أوائل الفترة الإسلامية. وقد تم تنفيذ أعمال أثرية مركزة في الموقع لكشفه وفهم التراصف الطبقي وتمييز فترة الاستيطان في الموقع من مرحلة التأسيس ثم الازدهار وصولاً إلى الاندثار، وذلك عبر دراسة الطبقات الأثرية، والمعثورات المختلفة ومقارنتها بمثيلاتها في المستوطنات المجاورة مكانياً وحضارياً. وستكشف الأعمال الأثرية المستقبلية، عن أهم مظاهر التحول في إنتاج الخامات المعدنية خلال فترة ما قبل الاسلام والفترة الاسلامية، وإبراز دور الموقع حضارياً بالنسبة لبقية المواقع الأخرى في الجزيرة العربية.
مشاركة :