جناح اليمين البريطاني يخسر معركة الخروج من الاتحاد الأوروبي

  • 4/19/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كانت ردة فعل أعضاء البرلمان البريطاني على تأجيل قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ذات سمة إنسانية تماماً، فقد قرروا أخذ فترة راحة والتمتع بعطلة فصح، وذلك في أعقاب أعنف جلسة للبرلمان في وقت السلم خلال الوقت العصري. وعلى أي حال كانوا في حاجة الى ذلك وكنا كلنا في حاجة الى ذلك، وبالتأكيد كانت رئيسة الوزراء البريطانية في حاجة الى ذلك. ولكنهم، ونحن أيضاً، في حاجة الى استخدام فرصة البريكست من أجل التفكير الصحيح وانتهاز الفرص، والتأخير الذي فرضه الاتحاد الأوروبي لم يكن ببساطة تجربة مألوفة أخرى، كما أنها بدلاً من ذلك يمكن أن تؤشر الى نقطة تحول لمصلحة أوروبا في المعركة من أجل البريكست، وهي لحظة لا تعبر عن مأزق بل عن فرصة حقيقية. وبالنسبة الى جناح اليمين كانت الغاية إخضاع حزب المحافظين لإرادته، ولكن جهود ذلك الجناح انتهت الى تمزيقه. مرت نحو خمسة أشهر الآن على توقيع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي اتفاقية المملكة المتحدة- الاتحاد الأوروبي حول البريكست، ومنذ ذلك الوقت حاول جناح اليمين في حزب المحافظين بصورة متكررة تمزيق الاتفاق وإطاحة تيريزا ماي، وقد هيمن جناح اليمين على وسائل الإعلام وكسب بعض الانتصارات الشهيرة في هذا المسار، لكن جناح اليمين الوطني خسر في نهاية المطاف الحرب بصورة لافتة. وكانت الغاية إخراج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق وعلى غرار النوع الذي وقعته رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، لكن ذلك لن يحدث الآن، وقد جعلت الاتفاقية التي تم توقيعها في بروكسل الأسبوع الماضي هذه المسألة واضحة تماماً. لقد تعرضت ماي واتفاقها الى تمزيق سيئ جداً، لكنهما تمكنا من البقاء والاستمرار، وتتمثل ردة فعل الوطنيين من جناح اليمين كما لو أن هذه الجوانب هي مجرد تفاصيل فقط، وهم يتحدثون عن هذا الوضع وكأنهم سيسيطرون على قيادة الحزب عند تناول طعام الفطور ويعيدون كتابة اتفاق البريكست في وقت الغداء ويلغون محطات توقف إيرلندا الشمالية عند ساعة تناول الشاي، وينتصرون في الانتخابات العامة عند المساء، لكن ذلك كله مجرد أوهام وخيال لأنهم خسروا وكان مصير استراتيجيتهم الفشل التام. ويصدر تبجحهم بالشجاعة من الفشل في فهم التغير المذهل في المزاج الذي يشهده البرلمان والبلاد بدرجة معقولة، وحتى إذا سيطروا على قيادة الحزب، وهي مسألة ليست مؤكدة، فإن انتصاراتهم الأخرى هي كلها مجرد خيال وأوهام. وعلى سبيل المثال لا توجد أكثرية لعدم التوصل الى اتفاق بين المحافظين ناهيك عن أوساط أعضاء البرلمان بصورة عامة أكثر. وعلى العكس من ذلك تزداد نسبة أكثرية دعاة العمل الفردي. قرار ماي كان قرار رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بشأن فتح حوار مع حزب العمال خطاً فاصلاً، وقد تم تقليل أهميته على نطاق واسع لأن ماي نفسها تواجه نقصاً في القيمة السياسية ولأسباب يمكن فهمها. وفي حقيقة الأمر، كان الاقتراب من حزب العمال إشارة إلى قبول ماي بأن استراتيجية مواجهة البريكست التي اتبعتها طوال 30 شهراً قد فشلت، ويرى قادة الاتحاد الأوروبي ذلك حتى مع عجز الطبقة السياسية البريطانية عن إدراك ذلك أحياناً. وكان ذلك أحد العوامل الرئيسة في أسلوب سياسي آخر من جانب دول الاتحاد الأوروبي الـ27 في بروكسل ودونالد تاسك بشكل خاص. كان الهدف من التوجه نحو حزب العمال هو التوصل الى اتفاق بريكست أكثر اعتدالاً يستطيع حزب العمال والجهات الأخرى التصويت عليه، ومن السهل الى حد كبير استبعاد إمكانية نجاح رئيسة الوزراء البريطانية ماي في تحقيق ذلك الهدف، ولهذه المحادثات أهميتها الكبيرة، كما أن ماي ترفض التحدث عن شطب خطوط حمراء لكنها ستحدث على أي حال. ويوجد قدر طفيف من الشك في أن الحزبين الكبيرين يقتربان بشكل معقول من نوع ما من قضية الاتحاد الجمركي، وكان الاتحاد الأوروبي قال صراحة إنه سيقبل ذلك التوجه. اتفاقية الحزبين ثمة نقطة رئيسة أخرى تتمثل بمنع دور جديد لمتشددي بريكست، وقد مزقت قيادة حزب المحافظين اتفاقية الحزبين لأن هذه القضية تسبب المتاعب في المحادثات، والجواب الأكثر بساطة هو عدم تصويت حزب المحافظين لمثل تلك القيادة في المقام الأول أو أن يهزمها الشعب في الانتخابات العامة. ويتمثل الجواب الآخر في إضفاء وضعية معاهدة على الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، لكن السؤال هو: لماذا لا نطلب من أطرافنا الدستوريين الأربعة في المملكة المتحدة أي تغيير رئيسي في السياسة من أجل الحصول على دعم قبل عملية التنفيذ؟ ما من داعية اتحاد يستطيع معارضة مثل ذلك الطلب. ثم إن تحول تيريزا ماي نحو حزب العمال فتح أيضاً امكانات كانت تعارضها بشدة في الماضي، ومنها على سبيل المثال طرحها لاستفتاء آخر وهو ما لم تفعله منذ سنة 2016. موقف كوربين لا يريد جيريمي كوربين البقاء في الاتحاد الأوروبي أيضاً، لكن الأغلبية في حزبه تريد ذلك والتصويت الثاني يعني التوصل الى تلك الحصيلة، وقد يضطر حزب العمال الى ضمان مشاركة أنصار وخصوم البريكست في الحزب، ومن هذا المنطلق فإن أي اتفاقية بين حزبي المحافظين والعمال يجب أن تعالج قضية الاستفتاء الثاني بطريقة ما. وتوجد خيارات كثيرة في هذا الصدد، فمعظم أعضاء حزب العمال يريدون خروجاً ناعماً من الاتحاد الأوروبي، لذلك فإن الاستفتاء الثاني سيشكل قضية حاسمة عند استئناف المحادثات والنقطة المثيرة للاهتمام هي أن هذه القضية وصلت الآن الى المستويات العليا. محنة ماي وتواجه تيريز ماي محنة تتعلق بالجدول الزمني، ويسعى حزب المحافظين بصورة يائسة الى عدم إجراء الانتخابات الأوروبية في 23 مايو المقبل، ويرجع ذلك الى أن الحزب يخشى من الانشقاق والانتقادات الحادة والهزيمة نتيجة لذلك. وقد أعربت رئيسة الوزراء البريطانية عن معارضتها العلنية في خطابها في مجلس العموم، وربما يكون حزب العمال أكثر تفاؤلاً وحماسة لأن الانتخابات تبدو أقل سوءاً بالنسبة اليه. ويخشى الوزراء من تعطيل العملية، ولذلك فإن حكومة ماي تضطر الى تقديم تنازلات جديدة تتخوف من تبعاتها. ولكن انتخابات 23 مايو يمكن أن تشكل فرصة أيضاً، ومعظم الانتخابات الأوروبية السابقة لم تشتمل على مناظرات حول أوروبا مطلقاً وتعتبر المنافسات فرصة لتوجيه ضربة الى الأحزاب الحاكمة من دون التعرض لعواقب الى أي عقوبة، وقد تكون هذه المرة مختلفة جداً، ويرجع ذلك الى اشتمال العملية على مجادلة عنيفة حول أوروبا كما أن الأحزاب ستواجه أسئلة صعبة وجدية حول سياساتها، وذلك سيشكل قضية قاسية بالنسبة الى حزبي المحافظين والعمال معاً. وقد نشر المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية الذي يتخذ من برلين مقراً له في الأيام القليلة الماضية بحثاً يظهر أن المواقف البريطانية ازاء المشروع الأوروبي أصبحت أكثر إيجابية خلال العقد الماضي، ويظهر البحث أن المملكة المتحدة تحتل المرتبة الثانية بعد فنلندا بالشعور الى الانتماء الى أوروبا. والإضافة الكبيرة التي طرحتها الأشهر الخمسة الماضية هي أن الناخبين البريطانيين أصبحوا أكثر اطلاعاً الى حد كبير على قضايا أوروبا، ويفكرون بمزيد من العمق فيها، وقد أبرزت ذلك العرائض والمسيرات البرلمانية التي شهدها الشهر الماضي، وينسحب ذلك أيضاً على نوعية المجادلات الطويلة التي جرت في مجلس العموم البريطاني. ويوجد قدر طفيف من الشك إزاء الاتجاه الذي سيمضي نحوه الرأي العام بصورة تدريجية، وهو ما ستعكسه الانتخابات الأوروبية المقبلة، وقد حان الوقت كي نصبح أكثر ثقة من جديد في مركز بريطانيا في أوروبا وأن نعمل في هذا المسار. ● مارتن كيتل

مشاركة :