لا أحد اليوم في هذا العصر يشك في أن داء الشعوب، خاصة في شرقنا العربي المسلم هو التطرف، فالمواقف الوسطية فكرًا واعتقادًا وسلوكًا كادت أن تغيب عن مجتمعاتنا، فنحن نرى جماعات التطرف الديني، البعيد عن جوهر الدين وغاياته في تزايد مستمر، حتى كدنا ألا نحصيها عددًا، وكدنا ألا نحيط بمسمياتها، ويؤسفنا أن نؤكد على حقيقة أخرى، هي أن كل تطرف يولد تطرفًا مثله في الجهة المقابلة، فمع ظهور جماعات التطرف برز تطرف يماثله أو قد يكون أشد منه، عند أولئك الذين بطبعهم لديهم نفور من الدين، حينما يعتبرون أحكامه قيدًا على حرياتهم، ولمعارضة تيار التطرف الديني تزل بهم الأقدام فيتخذون من المواقف الأشد عنفًا على الأقل لفظيًا لا من هذا التطرف وإنما من الدين ذاته، فترى لهم كل يوم نقدًا شرسًا لأحكامه وهجومًا عنيفًا على مصادره، وتشويهًا متعمدًا لعلمائه، بل للعظماء منهم، والعجيب أن أهل التطرف والغلو في الدين يشاركون المتطرفين في الجانب الآخر في قضية الجهل الحقيقي بعلوم الدين، إلا أنهم قد حازوا قشورًا منه وحفظوا لبعض نصوصه قد تغري الجاهل بتصديقهم والميل إليهم، خاصة أنهم لا يجدون من أهل العلم من يكشف جهلهم به، أما المتطرفون الآخرون النافرون من الدين المعتبرون أحكامه قيدًا على حرياتهم في الحصول على شهواتهم، فهؤلاء لا يمتلكون من العلم الديني حتى القشور فتجد منهم محاولات يائسة لإبطال حقائق الدين، التي يعرفها حتى عامة الناس ممن لم يتلقوا قدرًا من المعرفة تؤهلهم للتبحر في مسائله، والمتطرفون هؤلاء وللأسف يعتبرون أنفسهم أهل ثقافة وعلم، ويطلقون على أنفسهم لقبًا ضخمًا فهم أهل التنوير، وهم يعيشون في ظلمات بعضها فوق بعض، يطالبون من يرونهم خصومًا لهم بألا يتحدثوا في غير تخصصاتهم، وهم يمعنون جهلاً في الخوض في غير ما تخصصوا فيه، "فهذا صحفي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب" يهاجم نصوص الدين إلهية كانت أم بشرية، ويسفه أحلام علماء الدين من لدن صحابة سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحتى زماننا الحاضر، ويقدم برنامجًا على إحدى الفضائيات وفي يده معول يحاول به جاهدًا هدم الدين، وأنّى له ذلك، وقد تكفل الله بحفظ هذا الدين الحنيف حتى تقوم الساعة. ورغم مضي زمن ليس باليسير وهو يقوم بذلك عبر جهل فاضح، يدركه أقل الناس معرفة وعلمًا إلا أنه مستمر في هذه الكراهية الشديدة للدين، وكل ما يمت له بصلة رغم أنه يدرك يقينًا أن كل جهده يذهب هباءً، ومثل هذا اليوم كثيرون وللأسف وهم ولاشك من يعطون جماعات الغلو والتطرف بعض شرعيتها عند العامة ممن تمتلئ قلوبهم حبًا للدين، فيظنون أنهم من سينقذون الدين من براثن هذا التطرف المتزايد ضد الدين، والذي أصبح له رموز في مجتمعاتنا المسلمة. وما علموا أن كيد هؤلاء محبط فقد خاطبهم الله حين نزول القرآن فقال (فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ). وليعلم هؤلاء ألا قضاء على الغلو والتطرف في الدين بغلو مثله وتطرف آخر ضد الدين، فالدين باقٍ وهم زائلون، وليقرأوا التاريخ ببصيرة ليدركوا أن أمثالهم زالوا ولا يزال الدين قويًا في نفوس المسلمين يحيون به ويحيون له، نسأل الله لهم الهداية فهي التي تنقذهم من مصير أسود في الدنيا ثم في الآخرة عذاب الله أشد، فهل هم يدركون هذا؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق. alshareef_a2005@yahoo.com
مشاركة :