"المغرب في أبوظبي".. حضارة عريقة في رواق أنيق

  • 4/19/2019
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

على مدى 6 ساعات يومياً، تفتح المملكة المغربية خزائن أسرارها، وتبوح لجماهير أبوظبي بجوانب مضيئة من حضارتها وتراثها وتاريخها الممتد لآلاف السنين، عبر فنون راقية، وعروض متفردة، ومقتنيات نادرة، تزخر بها فعالية «المغرب في أبوظبي» التي تستمر حتى 30 أبريل الجاري في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، وذلك تعزيزاً للروابط الأخوية بين البلدين الشقيقين: دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية. انطلقت فعالية المغرب في أبوظبي بمركز أبوظبي الوطني للمعارض بإشراف وتنظيم وزارة شؤون الرئاسة، في إطار تعزيز ودعم العلاقات التاريخية والأخوية التي تجمع دولة الإمارات العربية المتحدة بالمملكة المغربية في جميع المجالات، هذا العام، وتمنح زوارها فرصة التعرف إلى التراث الثقافي المغربي الثري بمختلف أشكاله سواء المعمار، أو الموسيقى، أو الفن، أو المطبخ، أو العادات والتقاليد، أو الأزياء أو المتحف التراثي المغربي، حيث تبدأ رحلتهم بمجرد الدخول إلى رواق المغرب ليكشف عن أسراره وكنوزه ولآلئه الثمينة التي تشع ألقاً وتخاطب الحواس الخمس، عبر رحلة بصرية وسمعية مدهشة. وعلى امتداد المعرض الذي يشكل تحفة معمارية، برعت يد الصانع التقليدي المغربي في إبداعها، يحتضن «المغرب في أبوظبي» فنوناً وأزياءً ومتاحف وإبداعات شبابية، وفنون طهي وعادات وتقاليد، تعكس عراقته، ومدى غناه الحضاري والثقافي والتراثي، ومحافظته على إرثه الأصيل، بما يتضمنه من حرف ومهن، حافظ عليها السلف، ونقلتها للأجيال الحالية في حلة عصرية مبهرة من دون أن تفقد روحها الأصيلة، بحيث يتيح لجميع الزوار من مواطنين ومقيمين في الدولة، فرصة التعرف إلى مكونات حضارة المغرب الأصيلة، وموروثات ماضيها العريق، والذي من شأنه أن يساهم في الحفاظ على التراث ونقله إلى الناشئة والأجيال المقبلة، كما يعكس المعرض الحفاوة والكرم المغربي عبر ركني الشاي والمطبخ المغربي اللذين يحتلان حيزاً مهماً في التراث الشعبي المغربي، وحازا شهرة عالمية. قصبات وأسواق فعالية «المغرب في أبوظبي» تفتح الأبواب للجمهور يومياً من الثالثة ظهراً حتى التاسعة مساءً، وحققت الفعالية من خلال دوراتها السابقة نجاحاً متميزاً، ولاقت إقبالاً جماهيرياً واسعاً من قبل المواطنين والمقيمين على أرض دولة الإمارات، لتأتي دورة هذا العام استمراراً للنجاح، واستكمالاً لما تم تحقيقه مسبقاً، يلاحظ الزائر مدى غنى الموروث الثقافي والحضاري، الذي برغم تنوعه وجماله، يصعب اختصاره في هذا الحيز البسيط، حيث صمم رواق المعرض هذه السنة ليعكس ما تزخر به المملكة من موروث وغنى، في أسواقها وقصباتها وجمال معمارها التي تختلف من منطقة لأخرى على امتداد ربوع المملكة، فعندما تطأ قدم الزائر أرض المعرض يجد نفسه في رحلة بصرية تأخذه إلى المدينة العتيقة وأسوارها، فبعد البوابة الكبيرة تجد على يمينك الحرفيين الذين يبدعون في مختلف الصناعات التقليدية اليدوية، وعلى يسارك ما تختزنه أسواق المدن العتيقة من مواد طبيعية، ارتبطت بالذاكرة الجمعية للمغاربة، من دكاكين الزيتون والأعشاب العطرية والعطارة، وغيرها كثير، وبالدخول من البوابة النحاسية المضيئة والمثبتة بستة عشر عموداً نحاسياً، مروراً على الأرض المرصّعة بمليوني قطعة زليج، وبالجدران الزاهية الألوان التي يغلب عليها اللون الأحمر، ليزيدها ألقاً وتوهجاً، والأعمدة الرخامية المرمرية التي تقف شامخة تنسدل عليها الستائر الأنيقة والأسقف، والأرضية المرصعة بالفسيفساء المطلي بالذهب، ترحل إلى عالم أسطوري، يعكس مدى إبداع الصانع المغربي الذي توارث هذه الحرف التي شكلت هذه الأيقونة منذ آلاف السنين، ويزيد المكان بهاءً واحة النخيل التي تحيط بالرياض الداخلي من كل الجوانب، بحيث بنيت البيوت في المملكة الكبيرة على شرف المرأة المغربية، ليكون كل ما تحتاجه في يدها من ماء وخضرة وفنون وموسيقى. ويشتمل الرواق على أكثر من مليوني قطعة زليج، منها 26 ألف قطعة مصنوعة من الذهب الخالص، أما الصناعة التقليدية، التي تعتبر من أهم أركان التراث الثقافي المغربي العريق، فتقدم خبرة وحنكة صناع المغرب التقليديين عبر 12 صانعاً، في العديد من الحرف اليدوية والتقليدية التي تحاكي الإرث القديم والتراث العربي الإسلامي، ومنها صناعة سروج الخيل، والنقش على الخشب والنحاس، وصناعة الشربيل والبلغة، والتطريز، وغيرها من الصناعات اليدوية، بينما يقف القفطان المغربي بأحدث تصاميمه، عبر ثلاثة مواضيع، هي التطريز التقليدي والمعاصر وألوان المغرب العربي، شامخاً في الجناح الذي الذي يفضى إلى جانب التصاميم العصرية، وبقية الأجنحة الأخرى. موسيقى وتعمل الألوان الموسيقية المغربية التي صاغتها الحضارات والثقافات المختلفة التي مرت بالمملكة المغربية، على تقديم الأغاني الصوفية والأمداح النبوية، فالجمهور على موعد يومي مع عروض ولوحات موسيقية متنوعة، تحتفي بجميع الأنماط الغنائية كالتقليدي والروحي والقروي، إلى جانب التغني بالطبيعة المغربية الخلابة، وبث رسائل الحب بين الشعوب، وقيم التسامح والمشاعر الأخوية، حيث يحلّق الزوار يومياً في عوالم من الطرب الأصيل الذي تتغنى به البيوت في المملكة، وتطرب له، ويعتبر جزءاً من الذاكرة الجمعية للبلاد، بحيث تناوبت الفرق الفنية المغربية من خلال الزوايا الأربع للصرح العمراني كالمديح والسماع وطرب الآلة، وقدم هذا التقليد المتأصل لدى المغاربة صورة مختصرة للزوار، وعرّف بالتاريخ الفني المتميز للمملكة، كما قدمت الفرق الموسيقية هذا العام برنامجاً مختلفاً، من خلال أربع وعشرين نوبة موسيقية، متوزعة على ساعات غنائية خلال اليوم، كما عزفت كل فرقة بشكل منفرد، مما سمح للزائر بالاستمتاع بجميع الفنون المغربية الغنائية بلباسها التقليدي الذي يمثل بعض المدن المغربية. جديد وفي لمحة شاملة عن تصميم الرواق هذه السنة والجديد فيه، قالت زينب العمراني، مصممة ديكور: «إن المعرض هذه السنة يشتمل على أجنحة عدة ، بحيث لم نقتصر على البيت المغربي فحسب، بل أضفنا المدينة العتيقة وما تشتمل عليه من أركان للصناع التقليديين وبين المواد ذات الارتباط بالذاكرة الجمعية للمغاربة، لننقل الجمهور إلى عوالم المدن القديمة في مختلف أنحاء المغرب، بحيث تتميز كل مدينة مغربية بأسواقها، وتتفرع على اليمين الأسواق، وتفضي المدينة القديمة إلى قلب الرواق المتمثل في البيت المغربي الكبير، لتحيط به أجنحة أخرى، للأزياء والتصميم الحديث ومبنى المكتبة وركن الطبخ والشاي». القبة النحاسية تم تصميم القبة بطريقة تقليدية، بالبهو، وهي تتوسط حديقة الفعالية، وطولها تقريباً 12 متراً، وتم وضع فوانيس نحاسية بزواياها لإضفاء منظر راقٍ وأصيل. المرأة نظراً لأهمية المرأة في المجتمع، فإن دورة العام الحالي 2019 تحتفي بالمرأة المغربية وطابعها الفريد وسخائها وتفانيها وحدسها ورؤيتها وإبداعها، فالمرأة المغربية شريك قيادي حقيقي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة وصناعة القرار، ولها مساهمات جليلة في تاريخ المملكة المغربية. 12 فناناً في ركن الشباب يعبر ركن الشباب المبتكر عن عوالم الإبداع، حيث يستلهم رواق التصميم والشباب رمزيته من الهندسة التقليدية، ليكون مكاناً للتعبير الفني المغربي، إلى ذلك قال سفيان الصبار، مهندس معماري ومدير فني، إن ركن الشباب المبدع والمبتكر يضم 12 فناناً يعرضون إبداعات، منها التحف والقطع الفنية المتفردة، في إطار حوار بين العصري والتقليدي، منها أربع منحوتات مضيئة مشغولة يدوياً، إلى جانب أزياء عصرية، بروح تراثية، منحوتات كبيرة. وأكد، أن الجناح استخدمت فيه مواد بناء الرواق نفسها، من نحاس وجبس وزليج، وأن الأرضية تم تصميمها بطريقة تناسب فكرة الجناح، وهي مستوحاة من أعمال الفنان محمد مليحي، بحيث تم مزج الرخام مع الفسيفساء بطريقة إبداعية، وبالنسبة للفنانين والمبدعين فإنهم أضافوا لمساتهم الإبداعية، كل في مجاله سواء في الفخار أو الرخام أو النحاس أو الحجز أو الأقمشة ومختلف المواد الأخرى، فالحدود بين الفن والصناعة التقليدية تتلاشى، أما طريقة الأبواب النحاسية، التي تضيف في أفقها وتتسع، فهي تقدم دعوة للجمهور لدخول المكان، واكتشاف مخزونه الإبداعي، ودخول عالم الإبداعات الشبابية للمصممين. كرم الضيافة في ورش الطبخ تتلاقى الأذواق في ركن الطبخ، حيث يبدع الطهاة الماهرون طابعاً معاصراً على تقاليد الطبخ، ولن تقتصر التجربة على تذوق ألوان الطعام فحسب بل يتم تقديم «عروض الطبخ» التي يشرف عليها طباخون محترفون، يخلطون مذاق الأصالة بالحداثة، إلى ذلك عبرت الشيف شميشة شافعي عن سعادتها في المشاركة في معرض المغرب في أبوظبي في نسخته الرابعة هذه السنة، مؤكدة أنها تقدم ورشات عن الطبخ المغربي يومياً الساعة الخامسة، وتتضمن الأطباق المغربية المعروفة، والإجابة عن تساؤلات الزوار الذين يكتشفون المطبخ المغربي لأول مرة، ومعرفة أسرار الطبخ، وكذلك المنتجات المحلية المغربية، موضحة أن الأطباق المغربية تتميز بالتنوع والاختلاف في الطبق الواحد بين جهات المملكة المغربية. وأشارت، إلى أن المطبخ المغربي معروف كذلك بالحلويات التي تزين مائدة الأكل في كل البيوت المغربية، داعية زوار معرض المغرب في أبوظبي من مواطنين ومقيمين إلى التعرف إلى مأكولات بلادها الشهية، كما كشفت أن سر التنوع في المطبخ المغربي راجع بالأساس إلى التنوع الجغرافي، من الشمال إلى الجنوب، وهذا يجعل المنتوجات المغربية مختلفة، بالإضافة إلى الموروث الثقافي والتاريخي الغني، الشيء الذي جعل المطبخ يمتاز بهوية متفردة قوية غنية، وهو اليوم يعد من أفضل مطابخ العالم، كما أكدت أن المطبخ تأثر بالمطبخ الأمازيغي والمطبخ العربي والشرق أوسطي حتى الأوروبي، وهذا ما ستلاحظونه عند زيارتكم لمنصة المطبخ ضمن فعالية «المغرب في أبوظبي». الزليج يبلغ عدد قطع الزليج «الفسيفساء» الموجودة بالفعالية أكثر من مليوني قطعة بشكل عام، 26000 منها مصنوعة من الذهب الخالص، وبالنسبة للزليج الذي يتوسط الفعالية والمخصص للمسرح فيبلغ عدده 20000 قطعة، وتميزه أيضاً قطع ذهبية خالصة، كما أنه تم تصميم جدران قاعة الشاي بوضع زليج على الجدران بالمقلوب، بحيث يكون أسفل الزليج هو الظاهر وترك لونه الأصلي بالاعتماد فقط على النقشة الأصلية وتسمى الزواقة. الباب النحاسي استوحيت فكرة باب النحاس من باب سيدي منصور بالمغرب (بمدينة مكناس) وقد صنع بالطريقة التوريقية، وتم كتابة قصيدة شعرية على جدرانه بالخط الكوفي بأحجام مختلفة، وهي طريقة مبتكرة لهذه السنة بالعمل على النحاس نفسه، مما أضفى جمالية على مداخل الفعالية. 300 قطعة أثرية تفوح بعبق التاريخ يعرض المتحف التراثي المغربي مجموعة واسعة من المواد والأعمال التاريخية والقطع الأثرية التي يفوح منها عبق التاريخ والحضارة المغربية الأصيلة، والتي تُعرض خارج وطنها الأم للمرة الأولى. ويشكل المتحف التراثي المغربي وجهة مهمة لعشاق الثقافة والفنون، ويوفّر للطلبة والمهتمين الفرصة لمعاينة آثار المغرب، والذي كان ولا يزال صلة وصل بين الشرق والغرب، ويتيح المتحف لزواره هذا العام فرصة الاطلاع على 300 قطعة أثرية، تتنوع ما بين المخطوطات والنقود الإسلامية والقناديل الزيتية والأواني الخزفية الإسلامية، والحلي النقدية، وأدوات الفروسية، مع نبذة عن المشهد التشكيلي المغربي المتنوع كرافد من روافد الأصالة والعمق التاريخي المغربي. وقال مهدي قطبي، رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف المغربية: «إن فعالية (المغرب في أبوظبي) تُعبر عن قوة العلاقات التاريخية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية، وشعبيهما الشقيقين، وترمز إلى التسامح والتآخي بينهما»، مؤكداً أن إمارة أبوظبي والإمارات أصبحت وجهة عالمية تتلاقى فيها حضارات الشرق والغرب، وعاصمة لدعم الثقافة والفنون، بهدف تعزيز السلام والتقارب بين الشعوب كافة، مشيراً إلى أن فعالية (المغرب في أبوظبي) قد لاقت أصداءً واسعةً لدى سكان الإمارات وزوارها خلال دوراتها الثلاث الماضية، أما المتحف التراثي المغربي فاستقبل آلاف الزوار من الإماراتيين والمقيمين في الدولة. وقال عبد العزيز الإدريسي، مسؤول المتحف بفعالية «المغرب في أبوظبي»: «إن وجود المتحف بفعالية (المغرب في أبوظبي) يُعدُّ من أهم أولوياتنا كمتاحف مغربية، لنعرض للعالم نبذة عن التراث المغربي الأصيل، والذي يعتبر مزيجاً استثنائياً لما عاشته المغرب من تحولات أزلية، فهو يجمع ثقافة البحر والصحراء، بالإضافة إلى العديد من المورثات المميزة التي عاصرها الإنسان قبل آلاف السنين، وهذا المتحف هو سفير ثقافي لما هو داخل المملكة المغربية من إرث عظيم». وأضاف الإدريسي: «يحظى المتحف كل عام بإقبال كبير، يؤكد الثقافة العالية والحس الفني الذي يتمتع به سكان أبوظبي والإمارات، وأتابع بسعادة بالغة الاهتمام الكبير للزوار بالمعروضات والتحف والقطع الأثرية، خاصةً المجموعة النادرة من التحف والآثار التي ننقلها للمرة الأولى إلى خارج المغرب».

مشاركة :