رغم أن وظيفتي اليومية هي كتابة عمود الشؤون الخارجية لصحيفة «نيويورك تايمز»، إلا أن التفكير في رياضة الجولف ولعبها كلما أتيحت لي الفرصة هي الهواية التي تستأثر بمعظم وقتي واهتمامي. وبالتالي، فقد ذهلتُ، على غرار ملايين الأشخاص الآخرين، لعودة تايجر وودز الناجحة بعد فوزه ببطولة «الأساتذة» في سن الثالثة والأربعين. فما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه القصة؟ الواقع أنه من الصعب على من لا يمارسون الجولف تقدير حجم إنجاز «تايجر» الجسدي والنفسي، هو الذي خضع لأربع عمليات جراحية في الظهر وتعرض لسلسلة من الفضائح. وإذا فكرتُ في الأخبار التي أغطيها عادة، فإن الأمر سيكون أشبه بعودة بيل كلينتون إلى السياسة وهزمه دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة في 2020. أو ما يعادل، في مجال التكنولوجيا، تأسيس ستيف جوبز لشركة آبل، ثم خسارته آبل، ثم عودته بنجاح وفوزه بكل «التخصصات التكنولوجية» الأربعة – الآيفون، والآيباد، والآيماك، وساعة آبل – مع آبل بعثت من جديد. إن أكبر درس مستخلص من هذا الإنجاز، في نظري، هو تذكير بحقيقة أن الجولف هي الرياضة الأكثر شبهاً بالحياة، لأنها تُلعب على سطح غير مستو. فالضربات الجيدة والسيئة هي جزء من هذه اللعبة، وتحقيقك الكثير من النجاح في الجولف رهين برد فعلك على تلك الضربات الجيدة والسيئة. هل تستسلم وترحل؟ هل ترمي مضربك غضباً؟ هل تغش؟ هل تنتحب وتولول؟ هل تحمّل المسؤولية لمساعدك الذي يحمل حقيبة مضاربك؟ أم هل تقول ما يقوله لاعبو الجولف العظام عندما تنحو ضربة ما منحى سيئاً، أو تنتهي كرتهم إلى بقعة صعبة وسط المسالك حيث الضربة الممتازة فقط يمكن أن تودع الكرة في الحفرة؟ إنهم جميعهم يقولون لمساعدهم العبارة نفسَها: «انظر إلى هذه الضربة». ويحققون ضربة رائعة تمر بين الأشجار، وفوق التلة، متجاوزةً المنطقة الرملية، ومتجنبةً البركة المائية على اليسار لتحط وسط المنطقة الخضراء تماماً – وهي بالضبط الضربة التي قام بها تايجر في الحفرة الحادية عشرة خارج أشجار نادي «أوغوستا ناشيونال» يوم الأحد. أن تفعل ذلك تحت الضغط أمر مذهل حقاً. ولكن الأمر لا يتعلق بالحظ فقط، ولا حتى بالخصائص الجسدية الخالصة. بل يتعلق بالممارسة والتدريب ساعات وساعات وساعات. غاري بلاير، الذي يُعتبر أحد أعظم لاعبي الجولف في التاريخ، كان يحب أن يقول: «كلما تدربتُ أكثر، كلما كان حظي أحسن». وهنا، في رأيي، حيث يبدأ معنى عودة تايغر وودز الناجحة: إرادته القوية وتصميمه على الالتزام بما لا يُعد من ساعات إعادة التأهيل البدني، ثم بما لا يعد من ساعات التدريب. كم منا لديه هذه الإرادة الحديدية؟ ولكن الجانب البدني هو الأهون. العام الماضي، كنت قد كتبتُ مقدمة كتاب لتعليم الجولف من تأليف معلمي، وفيه حاججتُ بأن ما يجعل الجولف رياضة صعبة جداً – ولكن ممتعة ومُرضية للذات أيضاً عندما تتعلمها وتمارسها على أصولها – هو أن عليك أن تجمع بين أربعة أشياء: الفيزياء، والهندسة، والجغرافيا، وعلم النفس. وعبقرية تايجر يوم الأحد، وفي كثير من الأحيان عبر مشواره الرياضي، كانت هي قدرته على إجادة كل الجوانب الأربعة أكثر وأفضل من أي أحد آخر. في الجزء الأكبر من عقد من الزمن، لم يستطع تايجر الفوز بواحدة من الجوائز الكبرى حتى شفي ظهره وأزيح عن ظهره عبء أخطائه القديمة عبر تحوله إلى أب صالح وشخص أفضل مع معجبيه وزملائه. وقد كان باستطاعة المرء رؤيته ينظر إلى كل واحد في عينيه خلال العامين الأخيرين، وهو ما فتح قاعدة معجبيه. ومنحهم ذلك الإذن لتشجيعه ودعمه من جديد، جهرا، رغم كل الطرق التي خيّب بها آمالهم. ومن الواضح أن ذلك حرّر ذهنه، وجسده أيضا، في ما أرى، حتى استطاع القيام بضرباته بحرّية من جديد. وهذا يقودنا إلى وجه آخر من أوجه الشبه بين الجولف والحياة. ذلك أن كل جولة من الجولات هي بمثابة رحلة، وعلى غرار كل رحلات الحياة، فإنها ليست خطاً مستقيماً أبداً. فهي دائماً مليئة بالارتدادات الجنونية، والأخطاء التي يتسبب فيها المرء لنفسه، والتحويلات والانحرافات غير المتوقعة، وبالتالي، فإنها دائما رحلة اكتشاف حولك وحول زملائك اللاعبين. وإذا كنت تحب اللعبة، فإنها رحلة مستمرة بحثاً عن تحسين الذات – حيث تحاول دائماً تحقيق انسجام مثالي بين جغرافيتك، وهندستك، وفيزيائك، ونفسيتك. وعندما ترى ذلك يتحقق على أعلى مستوى، وعلى أصعب المسالك، تحت قرص الضوء الأكثر قوة، من قبل شخص كان يملك المهارة، ثم فقدها، ثم استعادها، فإنك لا تملك إلا أن تقول: يا له من امتياز! لقد رأيتُ تايجر يعود ويفوز ببطولة «الأساتذة» في سن الثالثة والأربعين. يا لها من رحلة مذهلة ورائعة وجنونية!.
مشاركة :