أعلن مركز “محمد بن راشد للفضاء” هذا الأسبوع أن الإماراتي هزاع المنصوري سيكون رائد الفضاء العربي الأول الذي سوف تستقبله محطة الفضاء الدولية يوم 25 سبتمبر المقبل. المنصوري الذي يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق الريادة والمجد لوطنه الإمارات الذي احتضنه وقدم له كل ما يحتاجه أكاديميا ومعنويا وتدريبا على أعلى المستويات، شاب طموح يصعد عالياً في مجال يعشقه الملايين ولذلك تم اختياره من قبل بلاده لتمثيلها دولياً في هذه الرحلة الاستثنائية. الاختيار وقع على المنصوري كرائد أساسي، وتم اعتماد سلطان النيادي بديلاً عنه للمهمة نفسها، وهما الرفيقان منذ أعوام طويلة في الدراسة والبعثات العلمية، ولا يزالان حتى الآن يخضعان سوية للتدريبات في مركز “يوري غاغارين” لتدريب رواد الفضاء، بمدينة النجوم في روسيا تحضيراً لهذه المهمة التاريخية التي مقرر أن يقضي المنصوري فيها ثمانية أيام على متن محطة الفضاء الدولية ضمن بعثة فضاء روسية، وستحمله مركبة “سويوز أم أس 15”، التي ستنطلق من محطة “بايكونور” الفضائية في دولة كازاخستان. تقع على عاتق المنصوري مسؤولية هامة تتمثل في تقديم جولة تعريفية مصورة باللغة العربية للمحطة، حيث سيوضح مكونات المحطة والأجهزة والمعدات الموجودة على متنها، كما سيقوم بتصوير كوكب الأرض والتفاعل مع المحطات الأرضية ونقل المعلومات والتجارب، إضافة إلى توثيق الحياة اليومية لرواد الفضاء على متن المحطة. مهمات عملية حساسة من المقرر في الرحلة التي سيشارك بها المنصوري، أن تتم دراسة تفاعل المؤشرات الحيوية لجسم الإنسان داخل المحطة مقارنة بالأرض قبل وبعد الرحلة، وللمرة الأولى سيُجْرَى هذا النوع من الأبحاث على إنسان عربي وهو المنصوري، حيث ستُقارن النتائج مع أبحاث أجريت على رواد فضاء من مختلف مناطق العالم، إضافة إلى ذلك ستُوكل إلى الشاب الإماراتي مسؤولية استكمال مهام علمية في مختبرات محطة الفضاء الدولية خلال فترة المَهمة. نجاح المنصوري في الوصول إلى المرحلة النهائية من الترشيحات لم يكن بالأمر السهل، فقد اجتاز الكثير من المراحل المختلفة ما بين العلمية والنفسية. كما نجح في الاختبارات الطبية المتقدمة في وكالة الفضاء الروسية “روسكوسموس”، عدا عن المقابلات الشخصية التي تمت بالتعاون مع وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، والتي أكد فيها الشاب الإماراتي للجميع القدرات الفائقة التي يتمتع بها، وأنه يستحق هذه المهمة بكل جدارة. أكاديميا المنصوري طيار حربي حاصل على بكالوريوس في علـوم الطيران من كلية خليفة بن زايد الجوية، وهو يمتلك خبـرة تزيد على 14 عاماً في الطيران. وكان من أوائل الطيارين الإماراتيين والعرب المشاركين في معرض دبي للطيران في عروض استعراضية في الذكرى الخمسين للقوات المسلحة الإماراتية، كواحد من أبرز طياري الأف 16. أهم الابتكارات البشرية محطة الفضاء الدولية التي سوف تحتضن المنصوري هي بمثابة مركبة كبيرة صالحة لحياة البشر، وقد جرت فيها مئات التجارب العلمية والأبحاث التي مكنت العلماء من الوصول إلى اكتشافات مهمة، لذلك هي تعدّ من أهم الابتكارات البشرية، وتضم على متنها طاقماً دولياً يتألف من ستة رواد فضاء يقضون 35 ساعة أسبوعياً في إجراء أبحاث علمية مُعَمّقة في مختلف التخصصات العلمية الفضائية والفيزيائية والبيولوجية وعلوم الأرض، سعيا منهم لتطوير المعرفة العلمية الإنسانية، وتحقيق استكشافات علمية لا يمكن التوصل إليها إلا في حالة انعدام الجاذبية، وبالتالي المستحيل معرفتها على سطح الأرض، كما لعبت محطة الفضاء الدولية دوراً هاما في الأبحاث المستمرة التي تقوم بها وكالة ناسا، وتركز على الجيل الجديد من مشاريع استكشاف الفضاء وعلى رأسها مهام استكشاف المريخ المستقبلية، وأسهمت المحطة بالتجارب والأبحاث التي أجريت داخلها لغاية الآن في التغلّب على العديد من التحديات التي واجهت بعثات استكشاف النظام الشمسي. حركة المحطة في الفضاء تعتبر سريعة ومختلفة عن باقي المركبات الفضائية، فهي تدور في مدار أرضي منخفض ثابت بسرعة 5 أميال في الثانية، ما يعني أنها تستغرق 90 دقيقة فقط لاستكمال دورة كاملة حول الأرض. وكانت قد بدأت باستقبال رواد الفضاء منذ العام 2000، وحتى الآن وصل عدد الذين صعدوا على متنها حوالي 220 رائد فضاء من 17 دولة. وتمتد الألواح الشمسية التي تزود المحطة بالطاقة على مساحة واسعة تزيد على نصف مساحة ملعب كرة القدم، ما جعلها ثاني أكثر جسم لامع في الفضاء بعد القمر. تحدث المنصوري بفخر عقب إعلان اسمه لتمثيل الإمارات في البعثة الفضائية المرتقبة، وقال إن حلمه الكبير منذ صغره سوف يتحقق، وأضاف “الصورة التي كنت أتخيلها دائما هي أن أحمل علم وطني الإمارات في الفضاء، سوف أحققها وكلي فخر واعتزاز بأن أمثل الشباب الإماراتي في هذه المهمة التي أعتبرها تاريخية، وعملت جاهدا للوصول إليها”. أفصح المنصوري عن التحديات الكبرى التي واجهته رفقة زميله النيادي، وأصعبها حسب قوله “الكرسي الدائر” الذي جلسا عليه مدةَ عشر دقائق، وهي المدة القصوى، وتمكّنَا من النجاح في هذه المرحلة التي غالبا ما تكون العائق الأكبر أمام رواد الفضاء المتدربين. اضطر المنصوري إلى تعلم اللغة الروسية خلال تدريباته في مناطق عدة في روسيا، وخاصة تلك المناطق شديدة البرودة ليتعود جسمه على اختلاف درجات الحرارة. واستطاع التأقلم، والسبب -كما يقول- أنه خارج من بيئة عسكرية في دولة الإمارات. واليوم يسعى من خلال رحلته الفضائية القادمة، إلى تقديم كل ما هو مفيد للبشرية ككل، فهو لا يحصر نجاحه محليا بل يتجه إلى جميع سكان الأرض، ويستذكر ما يقوله أغلب رواد الفضاء الذين سبقوه في الصعود إلى محطة الفضاء الدولية في الأعوام الماضية، من أنهم يرون الكرة الأرضية كبلد واحد يعيش عليه البشر ولا يجدون من مكانهم في الفضاء أية حدود فاصلة بين الدول. تم انتقاء المنصوري ورفيقه النيادي من بين 4022 مرشحاً، تقدموا للالتحاق ببرنامج الإمارات لرواد الفضاء، وجاء ذلك بعد تميزهما الكبير عن باقي المتقدمين، وتمكنهما من اجتياز سلسلة طويلة من الاختبارات الطبية والنفسية المتقدمة ومجموعة من المقابلات الشخصية وفق أعلى المعايير العالمية، ووصل عدد تخصصات المتقدمين إلى 38، شملت الطيران والهندسة والطب، والقطاع العسكري، وإدارة الأعمال. وبعد البدء بتقييم المتقدمين تم ترشيح 95 شخصاً، ثُم تم اختيار 39 منهم في مرحلة لاحقة، وصلوا إلى 18 مترشحاً، ثم 9، وصولاً إلى الإعلان عن اختيار رائد أساسي وآخر احتياطي. برنامج الإمارات لرواد الفضاء بإشراف مباشر ودعم كبير من صندوق تطوير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات الذراع التمويلي للهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات. ويعتبر هذا الصندوق الذي أطلق في عام 2007، الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط كلها، وليس في الإمارات فقط. ويهدف إلى دعم جهود البحث والتطوير في قطاع الاتصالات في الدولة، ودعم وتطوير الخدمات التقنية واندماج الدولة في الاقتصاد العالمي. ويحتوي البرنامج الوطني للفضاء الذي أطلقته دولة الإمارات في عام 2017 على عدّة مشاريع كبرى، كان من بينها برنامج الإمارات لرواد الفضاء، الذي سعى إلى رسم مسار واعد للتنمية البشرية، والإعداد العلمي لفريق من الإماراتيين الذين تم تدريبهم وإعدادهم للسفر إلى الفضاء، وبالتأكيد ستكون له انعكاسات مهمة على الكثير من القطاعات الحيوية. علوم الفضاء في المدارس البرنامج الهام الذي بدأت نتائجه تظهر حاليا، لديه خطط مستقبلية لإعداد رواد فضاء إماراتيين بشكل مستمر، والوصول بمسبار الأمل الإماراتي إلى كوكب المريخ في عام 2021 تزامناً مع الذكرى الخمسين لقيام دولة الإمارات، كما يعمل على خطة إستراتيجية بعيدة المدى، وهي بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر بحلول 2117. رؤية الإمارات السباقة دائما في مختلف المجالات العلمية تعتمد على الجيل الجديد وتنمي روح التحدي وزرع العلم والتقدم في داخله منذ الصغر، ولتحقيق هذه الرؤية أطلق مركز محمد بن راشد للفضاء مسابقة تدعى “العلوم في الفضاء”، وذلك بالتنسيق مع شركة نانوراكس العالمية، وتندرج هذه المسابقة ضمن مبادرات برنامج الإمارات لروّاد الفضاء، وتتيح للمدارس فرصة التقدم لمشاركة فريق المركز في إجراء تجارب علمية لدراسة تأثير بيئة الجاذبية الصغرى، وهي بيئة منعدمة الجاذبية تقريباً، حيث تهدف المسابقة الهامة إلى أن تكون المدارس جزءاً من مهمة هزاع المنصوري في محطة الفضاء الدولية. حدد المركز مضمون المسابقة بأن يتم اختيار 15 مدرسة في دولة الإمارات بناء على دورها في تشجيع طلابها لدراسة مجالات العلوم وخصوصا علوم الفضاء، بعدئذ سيدعو المركز الفرق المدرسية إلى الحضور والمشاركة في ورش عمل لإجراء 15 تجربة علمية جديدة، حيث سيتعلم الطلاب مراحل إجراء التجارب العلمية المختلفة والتحضير لها. وتتنوع التجارب العلمية لتشمل تجارب حول تأثير الجاذبية الصغرى على نمو الخلايا، والكائنات الدقيقة، والجينات، ومعدلات إنبات البذور، والفطريات والطحالب، وتأثير المضادات الحيوية على البكتريا، والتفاعلات الكيميائية الأساسية في الفضاء، وغير ذلك من تجارب فيزيائية وبيولوجية وكيميائية. سيقوم المنصوري بالتجارب نفسها على متن محطة الفضاء الدولية بعد شهور قليلة، لإجرائها في بيئة الجاذبية الصغرى، ومن ثم يتم إرسال النتائج إلى الأرض بواسطة شركة نانوراكس لمقارنتها مع نتائج التجارب الموازية التي تم إجراؤها من قبل المتسابقين على الأرض لبناء أساس للمقارنة بين البيئتين المختلفتين، ومن شأن هذه التجارب أن تخلق روح المنافسة بين الأطفال وتعليمهم بعض علوم الفضاء، وبالتالي سيمثل المنصوري مثالا يقتدون به في صنع النجاح وتحقيق الأهداف.
مشاركة :