القاهرة «الخليج»: في تعريفه للشعر قال الشاعر الأمريكي روبرت فروست (26 مارس 1874 - 29 يناير 1963): إنه الشيء الذي يضيع في الترجمة، وفي معرض ترجمته لقصائد مختارة له، تساءل الشاعر يوسف الخال: «هل ضاع شعر فروست في هذه القصائد المختارة التي ترجمناها له؟ ويجيب: مهما يكن فليس من السهل ترجمة فروست، على الرغم من بساطته الظاهرية، وما ذلك إلا لأن إقليميته تتجلى في ألفاظه وعباراته، وهي ألفاظ وعبارات محكية، حية، في اللغة التي يكتب بها، فإذا ما نقلت إلى ألفاظ وعبارات غير محكية وحية كاللغة العربية الفصحى، فقدت كثيراً من حرارتها وسحر شاعريتها. الإقليمية التي يقصدها الخال هنا، هي أن الشاعر استمد موضوعاته من نيو إنجلاند، وعكس من خلال تجاربه روحها وفكرها، على أن إقليميته هذه ليست محدودة بل شاملة، ذلك هو شاعر كبير، إن التمثل بالطبيعة وتوسلها للإعراب عن أفكاره ومشاعره تفسر شعبيته، ذلك أن الأمريكيين وقد نزحوا من الريف، لايزالون يحنون إلى ماضيهم، فهم يُهرعون إلى أحضان الطبيعة كلما سنحت لهم الفرصة، وهذه الطبيعة لم تعد ذات معنى متعالٍ، بل أصبحت تعني البساطة والطمأنينة والجمال، وهي مزايا يعثرون عليها في شعر فروست، إضافة إلى أنه عرف بأسلوبه البسيط والمباشر، وبأوصافه المثيرة للمشاعر لمناظر نيو إنجلاند شمال شرقي الولايات المتحدة، ومما قيل عنه إنه حوّل لغة البسطاء إلى شعر. على أن فروست ليس في نزعته هذه نحو الطبيعة صوفيا، فالطبيعة عنده تقع هناك وراء الجدار، إنها لا تحسب حسابا للإنسان، إلا أن الإنسان يكون نفسه أكثر ما يكون حين يقيس شجاعته وإيمانه باندفاعها وسلطانها، وفي كل الأحوال فإن فروست لم يفز بالشهرة الواسعة إلاّ بعد عام 1915 حين بلغ الأربعين من عمره، وساعتها أغدقت عليه الجامعات بالدرجات الشرفية، وانهالت عليه الجوائز، وفي عام 1950 نوّه مجلس الشيوخ الأمريكي لأول مرة في تاريخه، بشعره الذي «شارك في توجيه الفكر الأمريكي بحكمة ومرح، واضعاً أمام أذهاننا مثالاً صادقاً عن أنفسنا وعن البشر جميعاً»، وفي عام 1960 دعي لإلقاء قصيدته «العطية السمحاء» في حفل تنصيب الرئيس الأمريكي كيندي، وكان هذا أول حدث من نوعه في التاريخ الأمريكي، وظل فروست هو شاعر أمريكا أو الشاعر الفلاح. ولد فروست في مدينة سان فرانسيسكو، ثم توفي والده من مرض السل، وهو في الحادية عشرة من العمر، وبدأ دراسته في أحد المعاهد عام 1892 لكنه ترك الدراسة، قبل أن يكمل الفصل الأول، وعمل في التدريس حتى عام 1897 بعد ذلك بدأ دراسته في جامعة هارفارد، إلا أنه ترك الدراسة بعد عامين، وعندما بلغ الثامنة والثلاثين من العمر سافر إلى بريطانيا، وهناك نشر أول كتابين له، وتعرف إلى الشاعرين عزرا باوند وإدوارد توماس، وكان باوند وتوماس أول من راجعا أعماله، كما شجعاه كثيراً. اعتمد فروست على رحلات توماس الطويلة في الأراضي البريطانية كمصدر إلهام لأكثر أشعاره شهرة، وعلى ما يبدو كان تردد توماس وندمه فيما يتعلق بالطريق الذي سيسلكه، هو الملهم لعمل فروست هذا، وكانت الفترة الزمنية التي قضاها فروست في إنجلترا من أكثر فترات حياته أهمية، إلا أنها كانت قصيرة فقد أجبر على العودة إلى الولايات المتحدة بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى في أغسطس عام 1914. عند عودة فروست إلى أمريكا، كانت قد سبقته شهرته، فتفاوضت معه صحف رفضت أعماله مسبقاً، وفي أوج هذه النجاحات، كان أمام مأساة عصفت به حين توفيت زوجته عام 1938 فقد شخصت إصابتها بالسرطان عام 1937 وخضعت لعملية جراحية، كما أنها خبرت تاريخاً طويلاً من المشاكل الصحية التي استسلمت لها، وفي العام نفسه الذي توفيت فيه زوجته، ترك عمله في التدريس بإحدى الجامعات. في أواخر خمسينات القرن العشرين، وقف فروست إلى جانب همنجواي وإيليوت للمطالبة بإطلاق سراح الشاعر عزرا باوند، وكان محتجزاً في مستشفى للأمراض العقلية، بتهمة الخيانة، نتيجة تعامله مع الفاشيين في إيطاليا، أثناء الحرب العالمية الثانية، وأطلق سراح باوند عام 1958، بعد أن سقطت لوائح التهم عنه. في عام 1962 زار فروست الاتحاد السوفيتي، في جولة حسن نوايا. من أبرز أعمال روبرت فروست: «نار وثلج - فراشتي - إصلاح الجدار - الدرب المهجور - وقفة عند الغابة ذات مساء مثلج - الجبل الفاصل الزمني».
مشاركة :