يذكر صديقي معالي وزير الحج الدكتور بندر حجار كيف كنا في المدينة المنورة نستقبل الحجاج منذ أن يحطوا رحالهم في ساحة المناخة في وسط المدينة المنورة حيث تصطف أتوبيساتهم هناك وفي نواح أخرى متفرقة في حارات المدينة قادمين بسياراتهم الكبيرة والصغيرة، يتوافدون من أقطار شتى ليسكونوا حول الحرم فيما يتوفر من سكن وفنادق فإن لم يكن فبيوت أهل المدينة سكن لهم حيث كنا نفضي أسفل البيت ودوره الأول لتأجيره بسعر زهيد على حجاج بيت الله الحرام وما من بيت في المدينة المنورة إلا ويغدق عليه الله من منافع موسم الحج الشيء الكثير، وكنت يومها طفلا صغيرا في السنة الرابع الابتدائي عندما كنت أقف بجوار مكتب البريد أمام باب المجيدي لأساعد الحجاج في كتابة رسائلهم إلى أهليهم وذويهم مقابل الأربعة قروش ذات الحجم الكبير، وكان جل شباب المدينة إن لم يكن كلهم ينشغلون في موسم الحج إما في مكاتب الأدلاء أو في البيع ومساعدة آبائهم أو في خدمة إسكان الحجاج أو من هم داخل المسجد النبوي في تعليمهم آداب الزيارة أو في السقيا أو ترتيب جداول لزيارة آثار المدينة مثل قباء والقبلتين وسيدنا حمزة واحد والخندق والمساجد السبعة وكان الحجاج في تداخلهم مع أهل المدينة وتعايشهم أياما بينهم تتشكل ذهنيتهم وترتسم انطباعاتهم عن رقة قلوبهم ودماثة أخلاقهم وحسن تعاملهم ولين جانبهم وأعذوبة حديثهم فيذكرونهم بكل خير ويثنون عليهم ويتعاطفون معهم حبا من قلوبهم، ولا عجب في ذلك لأن من يجاور حبيب الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يغنم من الآداب الشيء الكثير فهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه وهو الذي تتعطر جوانب طيبة الطيبة بروحه وذكره وعبق حياته. والمدينة أيام الحج العطرة كما يذكر صديقي الدكتور عاصم حمدان عندما يغادر الحجاج كلهم إلى مكة المكرمة ويذهب من يذهب من أهل المدينة نفسها إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج يصبح يوم التاسع من ذي الحجة (يوم عرفة) يوما مشهودا لا مثيل له حيث عبق الجو الروحاني ونغمات التكبير «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد» تملأ جنبات المسجد النبوي ويحظى هذا اليوم بتوافد من لا يكتب له الله الحج بأن يجيء إلى المدينة المنورة لصوم يوم عرفة هناك وقضاء يوم العيد في كنف الروضة الشريفة والمسجد النبوي الشريف ليشاركوا أهل المدينة فرحتهم وعيدهم، وعيد الأضحى في المدينة كبقية مناطق المملكة عيد لحم وشوي ووناسة وقضاء ليال وأيام في البساتين وتتحرك فيه المراجيح والألعاب ولكن ليس بدرجة أيام عيد الفطر، وكان يمثل خروف العيد بهجة وسرورا لكل بيت حيث يتم شراؤه مبكرا ويحتفي به الصغار بجوار البيت أياما إلى أول لحظات بعد صلاة العيد مباشرة فتجد أمام كل بيت جزارا وذبيحة ويتوازع أهل الحي الواحد اللحم هدية وصدقة ثلثا وثلثا وينعم أهل البيت بالثلث الباقي طعاما وإفطارا.
مشاركة :