أخيراً اعترفت المراهقة البريطانية، من أصول بنغالية، شميمة بيجوم، التي أطلقت عليها الصحافة «عروس داعش» بخطئها عندما هربت من منزلها ببريطانيا قبل أربع سنوات، وأعربت عن ندمها الشديد على سفرها إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، وأكدت أنها تعرضت لغسيل دماغ، لأنها كانت لا تفقه شيئاً عن دينها. وقالت في مقابلة مع مراسل صحيفة «تايمز» البريطانية بعد وفاة رضيعها في مخيم للاجئين بسوريا: «لقد تم غسل دماغي. جئت إلى هنا وأنا أصدق كل ما قيل لي، وكنت أعلم القليل عن حقائق ديني». وأضافت الشابة البالغة من العمر 19 عاماً، التي فقدت 3 أطفال مبتسرين أثناء إقامتها في باغوز: «منذ أن غادرت باغوز، شعرت بالأسف حقًا لكل ما فعلته، وأرغب في العودة إلى المملكة المتحدة للحصول على فرصة ثانية لبدء حياتي من جديد، في المكان الوحيد الذي عرفته على الإطلاق». هذا الاعتراف، الذي جاء متأخراً، بعد أن تغير مسار حياة المراهقة البريطانية الشابة، وقطعت دراستها من أجل الانضمام إلى التنظيم الإرهابي، علاوة على أنه حولها إلى أم وهي في هذه السن الصغيرة، هذا الاعتراف كشف لنا عن عمق المأساة التي يعيشها بعض أبناء وبنات هذا الجيل، ممن استطاعت «داعش» أن تتسلل إلى عقولهم، وتزرع فيها أفكاراً غريبة عن الإسلام، وعن العصر الذي نعيش فيه، وعن مفهوم العلاقة التي يجب أن تسود بين البشر، بعد أن بلغت البشرية هذه المرحلة من النضج، وبعد أن صقلتها تجارب الماضي على مدى عمرها الممتد عبر آلاف السنين، والصراعات التي كانت نتائجها كارثية على الجميع، المنتصر فيها اليوم مهزوم غداً، والمهزوم فيها اليوم منتصر غداً. فإلى أي مدى استفاد هذا الجيل من تجربة شميمة بيجوم، وهل ستصحح هذه التجربة مفاهيمه، أم أنها ستذهب أدراج الرياح، مثلها مثل تجارب أخرى لم تترك أثراً على البشر، ولم تلق حجراً في البحيرة كي تحرك مياهها الراكدة؟ في حوار آخر أجرته صحيفة «ديلي ميل» البريطانية مع شميمة بيجوم، قالت بيجوم: «آمل أن أحصل على فرصة ثانية، أود أن أكون مثالاً يوضح كيف يمكن للشخص أن يتغير، أريد مساعدة وتشجيع الشباب البريطانيين الآخرين على التفكير قبل اتخاذ قرارات تغير حياتهم مثلما فعلت، وألا يرتكبوا خطأي نفسه». هذه الرغبة تأتي تحت إلحاح الإحساس بالخسارة والفقد والضياع، وهي رغبة نتمنى أن لا تكون مؤقتة، أو مرتبطة بهذا الظرف، سرعان ما تتلاشى بزوال أسبابها، أو بعودة بيجوم إلى بريطانيا، إذا ما استجابت الحكومة البريطانية لمناشدتها فأعادت لها الجنسية البريطانية التي جردتها منها، ومنحتها فرصة للرجوع إلى أسرتها التي هربت منها عام 2015 للالتحاق بتنظيم «داعش» الإرهابي، عندما كان عمرها 15 عاما. شميمة بيجوم وغيرها من الفتيات اللواتي هاجرن من بلدان متقدمة، كن ينعمن فيها بحياة هانئة، ومستوى من العيش رفيع، وأتين إلى مناطق حروب تتقاتل فيها تنظيمات، يدعي كل تنظيم منها أنه يجاهد في سبيل الله، من أجل تمكين شريعة الله، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية في أرض الله. فأي شريعة هذه التي يدعي كل فصيل أنه هو المسؤول عن تطبيقها، وأي خلافة هذه التي يدعي كل تنظيم أنه الكفيل بإقامتها؟ أما هؤلاء الفتيات اللواتي أتين إلى مناطق الحروب هذه تلبية لنداء جهاد نكاح اخترعه لهن مفتو هذه الجماعات والتنظيمات، بغرض تقديم خدماتهن للمجاهدين في سبيل الله ونصرة دينه، كما أقنعونهن، فمن يعيد إليهن ما خسرنه بعد أن يكتشفن أنهن كن مخدوعات ومغرر بهن، مثلما اعترفت شميمة بيجوم، ومن الذي سيتولى تربية أطفالهن الذين وُلِدوا في هذه المجتمعات التي جرى تفتيتها وتهجير أفرادها، وهل سيتحول هؤلاء الأطفال إلى انتحاريين يقومون بتفجير أنفسهم في كل مكان، مثلما كان يفعل آباؤهم؟ قبل ألف عام تقريباً، أنشأ الحسن بن الصباح مجتمعاً مصطنعاً شبيهاً بمجتمعات داعش، وأسس فرقة اغتيالات عُرفت في التاريخ باسم «الحشاشون»، شكلها من أتباع الطائفة الإسماعيلية النزارية. واتخذ من قلعة «آلموت» في فارس مركزاً لدعوته، وحصن القلعة بشكل جعلها تصمد طويلاً أمام محاولات إسقاطها، واستقطب لدعوته مجموعة من شباب الطائفة، تم تدريبهم في القلعة الحصينة على فنون القتال المختلفة، وأطلق عليهم «الفدائيون». وأقام في مكان أسفل القلعة نموذجاً لجنة من أشجار وأنهار، نشر في أنحائها الصبايا الحسان، ووفر لهم فيها من الملذات ما لا يحلم به هؤلاء الشباب. وكان يأخذ بعضهم إلى الجنة التي أقامها، تحت تأثير الحشيش الذي يتم دسه لهم في قرص صغير محلّى، موهماً إياهم أنه يرسلهم إلى الفردوس، كي يعودوا ليرووا لأقرانهم ما عاشوه وشاهدوه فيها. ثم يطلقهم لاغتيال أعدائه من السلاجقة والعباسيين وغيرهم. وقد نجح في اغتيال الوزير السلجوقي نظام الملك، والخليفتين العباسيين المسترشد والراشد، وملك بيت المقدس كونراد، وآخرين منهم ملوك وقادة ورجال دين. كل هذا بتأثير الحشيش الذي كان يتعاطاه هؤلاء الشباب دون أن يعرفوا، حتى أصبحت فرقة «الحشاشين» أسطورة من الأساطير. تُرى أي نوع من الحشيش هذا الذي استخدمه قادة «داعش» كي يقنعوا فتيةً صغاراً بتفخيخ أنفسهم وتفجيرها في جموع الآمنين من البشر، وأي نوع من الحشيش هذا الذي استخدموه كي يقنعوا فتيات صغيرات بترك أهلهن وبيوتهن الآمنة تلبية لجهاد نكاح لم يجنين منه سوى الندم والضياع والحسرة؟طباعةEmailÙيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :